موسوعة أصول الفقه

المَبحَثُ الثَّالِثُ: مَنِ الذي يُقَلَّدُ؟


للمُقَلَّدِ حالاتٌ:
الحالةُ الأولى: أن تُعلَمَ أو تُظَنَّ أهليَّتُه
نَقَل صَفيُّ الدِّينِ الهِنديُّ [429] قال: (لا يَجوزُ الاستِفتاءُ إلَّا عَمَّن يَغلِبُ على ظَنِّه كَونُه مُجتَهِدًا وَرِعًا وِفاقًا). ((الفائق)) (2/ 412). ، والطُّوفيُّ [430] قال: (العامِّيُّ يُقَلِّدُ مَن عَلِمَ أو ظَنَّ أهليَّتَه لِلاجتِهادِ بطَريقٍ ما، دونَ مَن عَرَفه بالجَهلِ اتِّفاقًا فيهما). ((شرح مختصر الروضة)) (3/ 663). وابنُ اللَّحَّامِ [431] قال: ((لِلعامِّيِّ أن يُقَلِّدَ مَن عَلِمَ أو ظَنَّ أهليَّتَه للاجتِهادِ بطَريقٍ ما دونَ مَن عَرَفه بالجَهلِ اتِّفاقًا فيهما). ((المختصر)) (ص: 167). الإجماعَ على أنَّ العامِّيَّ يُقَلِّدُ مَن عَلِمَ أو ظَنَّ أهليَّتَه للاجتِهادِ بطَريقٍ ما دونَ مَن عُرِف بالجَهلِ [432] يُنظَر: ((شرح مختصر الروضة)) للطوفي (3/ 663)، ((المختصر)) لابن اللحام (ص: 167). .
قال السَّمعانيُّ: (فأمَّا المُستَفتي فلا يَجوزُ له أن يَستَفتيَ مَن شاءَ على الإطلاقِ؛ لأنَّه رُبَّما يَستَفتي مَن لا يَعرِفُ الفِقهَ، بَل يَجِبُ أن يَتَعَرَّفَ حالَ الفقيهِ في الفِقهِ والأمانةِ، ويَكفيه في ذلك خَبَرُ العَدلِ الواحِدِ) [433] ((قواطع الأدلة)) (2/ 357). .
وقال النَّوويُّ: (يَلزَمُه سُؤالُ المُفتي عِندَ حُدوثِ مَسألَتِه، وإنَّما يَسألُ مَن عَرَف عِلمَه وعَدالَتَه) [434] ((روضة الطالبين)) (11/ 103). .
الحالةُ الثَّانيةُ: مَن عُلِمَ أو ظُنَّ جَهلُه
مَن عُلِمَ أو ظُنَّ جَهلُه فلا يَجوزُ أن يُستَفتى؛ لأنَّ في ذلك تَضييعًا لأحكامِ الشَّرعِ، فهو كالعالِمِ يُفتي بغَيرِ دَليلٍ. ونَقَل الإجماعَ على ذلك ابنُ الحاجِبِ [435] قال: (الاتِّفاقُ على استِفتاءِ مَن عُرِف بالعِلمِ والعَدالةِ، أو رَآه مُنتَصِبًا والنَّاسُ مُستَفتونَ مُعَظِّمونَ لَه، وعلى امتِناعِه في ضِدِّه). يُنظَر: ((مختصر في الأصول)) لابن الحاجب (2/ 1254)، ((مختصر ابن الحاجب)) بشرح العضد (3/ 636) ((الردود والنقود)) للبابرتي (2/ 724)، ((بيان المختصر)) لشمس الدين الأصفهاني (3/ 355). ، وابنُ قُدامةَ [436] قال: (لا يَستَفتي العامِّيُّ إلَّا مَن غَلَبَ على ظَنِّه أنَّه مِن أهلِ الاجتِهادِ، بما يَراه مِنِ انتِصابِه للفُتيا بمَشهَدٍ مِن أعيانِ العُلَماءِ، وأخذِ النَّاسِ عنه، وما يتلمَّحُه مِن سِماتِ الدِّينِ والسَّترِ، أو يُخبِرُه عَدلٌ عنه. فأمَّا مَن عَرَفه بالجَهلِ فلا يَجوزُ أن يَنقُلَه اتِّفاقًا). ((روضة الناظر)) (2/ 384). ، والطُّوفيُّ [437] قال: (العامِّيُّ يُقَلِّدُ مَن عَلِمَ أو ظَنَّ أهليَّتَه للاجتِهادِ بطَريقٍ ما، دونَ مَن عُرِف بالجَهلِ اتِّفاقًا فيهما). ((شرح مختصر الروضة)) (3/ 663). ، وابنُ اللَّحَّامِ [438] قال: (العامِّيُّ يُقَلِّدُ مَن عَلِمَ أو ظَنَّ أهليَّتَه للاجتِهادِ بطَريقٍ ما، دونَ مَن عُرِف بالجَهلِ اتِّفاقًا فيهما). ((المختصر)) (ص: 167). ويُنظَر: ((الفائق)) لصفي الدين الهندي (2/ 412). .
الحالةُ الثَّالِثةُ: مَن جُهِلَ حالُه
مَن جُهِلَ حالُه فلا يَجوزُ أن يُقَلَّدَ. وهو مَذهَبُ الأكثَرينَ [439] قال الطُّوفيُّ: (أمَّا مَن جَهِل حالَه فلا يُقَلِّده أيضًا عِندَ الأكثَرينَ، خِلافًا لِقَومٍ). ((شرح مختصر الروضة)) (3/ 664). ، ونَقل ابنُ عَرَفةَ الإجماعَ على ذلك [440] قال: (الإجماعُ على عَدَمِ قَبولِ الفُتيا مِن مَجهولِ الحالِ حتَّى يَشتَهِرَ بالعِلمِ والدِّينِ). يُنظَر: ((المعيار المعرب)) للونشريسي (11/ 13). .
الأدِلَّةُ:
1- أنَّ غالِبَ النَّاسِ غَيرُ مُجتَهِدٍ، فاحتِمالُ الأهليَّةِ مَرجوحٌ، أي: أنَّه لمَّا جُهِلَ حالُه احتَمَلَ أن يَكونَ أهلًا، وأن لا يَكونَ، وأغلَبُ النَّاسِ غَيرُ مُؤَهَّلينَ للفُتيا، فحَملُ هذا على الغالِبِ راجِحٌ، ويَلزَمُ منه أن تَكونَ أهليَّتُه مَرجوحةً، فلا يَجوزُ تَقليدُه [441] يُنظَر: ((شرح مختصر الروضة)) للطوفي (3/ 664)، و((الردود والنقود)) للبابرتي (2/ 724). .
2- أنَّ المُفتيَ يَجِبُ قَبولُ قَولِه، وكُلُّ مَن وجَبَ قَبولُ قَولِه وجَبَ مَعرِفةُ حالِه، كما أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لمَّا وجَبَ قَبولُ قَولِه وجَبَ مَعرِفةُ حالِه وامتِحانُه بظُهورِ المُعجِزةِ على يَدِه [442] يُنظَر: ((روضة الناظر)) لابن قدامة (2/ 385)، ((شرح مختصر الروضة)) للطوفي (3/ 664)، ((الردود والنقود)) للبابرتي (2/ 724). .
3- القياسُ على الشَّاهدِ والرَّاوي؛ فوُجوبُ قَبولِ قَولِهما مَبنيٌّ على مَعرِفةِ حالِهما بالتَّعديلِ [443] يُنظَر: ((روضة الناظر)) لابن قدامة (2/ 385)، ((شرح مختصر الروضة)) للطوفي (3/ 664)، ((الردود والنقود)) للبابرتي (2/ 724). ويُنظَر: ((الفائق)) لصفي الدين الهندي (2/ 412). .
وقيلَ: يَجوزُ تَقليدُ مَن جُهِلَ حالُه؛ لأنَّ العادةَ أنَّ مَن دَخَلَ بَلدةً يَسألُ عن مَسألةٍ لا يَبحَثُ عن عَدالةِ مَن يَستَفتيه، ولا عن عِلمِه. هَكَذا حَكاه ابنُ قُدامةَ [444] يُنظَر: ((روضة الناظر)) (2/ 384). .

انظر أيضا: