موسوعة أصول الفقه

المَطلَبُ الثَّالِثُ: نَظَرُ المُفتي في المآلاتِ ومُراعاةُ المَصالِحِ والمَفاسِدِ


مِن آدابِ المُفتي عِندَما يَشرَعُ في بناءِ فتواه أن يُراعيَ مآلاتِ الأقوالِ والأفعالِ في عُمومِ التَّصَرُّفاتِ، ويُراعيَ المَصالِحَ والمَفاسِدَ، ومِن هنا فالمُجتَهِدُ حينَ يَجتَهدُ ويَسعى لاستِنباطِ الحُكمِ الشَّرعيِّ مِنَ الأدِلَّةِ، ثُمَّ يُريدُ تَطبيقَه على الواقِعةِ المُستَفتى عنها؛ عليه أن يُقَدِّرَ المآلاتِ التي تَنتُجُ على إثرِ تلك الفتوى أوِ الحُكمِ، وأن يُقدِّرَ عَواقِبَ فتواه [611] يُنظَر: ((الفتوى)) للدخيل (ص: 269- 270). .
قال الشَّاطِبيُّ: (النَّظَرُ في مآلاتِ الأفعالِ مُعتَبَرٌ مَقصودٌ شَرعًا، كانتِ الأفعالُ مُوافِقةً أو مُخالِفةً؛ وذلك أنَّ المُجتَهِدَ لا يَحكُمُ على فِعلٍ مِنَ الأفعالِ الصَّادِرةِ عنِ المُكَلَّفينَ بالإقدامِ أو بالإحجامِ إلَّا بَعدَ نَظَرِه إلى ما يَؤولُ إليه ذلك الفِعلُ، مَشروعًا لمَصلَحةٍ فيه تُستَجلَبُ، أو لمَفسَدةٍ تُدرَأُ، ولَكِن له مَآلٌ على خِلافِ ما قُصِدَ فيه، وقد يَكونُ غَيرَ مَشروعٍ لمَفسَدةٍ تَنشَأُ عنه أو مَصلَحةٍ تَندَفِعُ به، ولَكِن له مَآلٌ على خِلافِ ذلك، فإذا أُطلِقَ القَولُ في الأوَّلِ بالمَشروعيَّةِ فرُبَّما أدَّى استِجلابُ المَصلَحةِ فيه إلى مَفسَدةٍ تُساوي تلك المَصلَحةَ أو تَزيدُ عليها، فيَكونُ هذا مانِعًا مِن إطلاقِ القَولِ بالمَشروعيَّةِ، وكذلك إذا أُطلِقَ القَولُ في الثَّاني بعَدَمِ المَشروعيَّةِ رُبَّما أدَّى استِدفاعُ المَفسَدةِ إلى مَفسَدةٍ تُساوي أو تَزيدُ؛ فلا يَصِحُّ إطلاقُ القَولِ بعَدَمِ المَشروعيَّةِ، وهو مَجالٌ للمُجتَهِدِ صَعبُ المَورِدِ، إلَّا أنَّه عَذبُ المَذاقِ مَحمودُ الغِبِّ، جارٍ على مَقاصِدِ الشَّريعةِ) [612] ((الموافقات)) (5/ 177- 178). .

انظر أيضا: