موسوعة أصول الفقه

الفرعُ السَّادِسُ: له أن يَستَفتيَ بنَفسِه أو يُنيبَ غَيرَه


يَجوزُ للمُستَفتي أن يُرسِلَ مَن يَسألُ له بشَرطِ أن يَكونَ مَوثوقًا [662] يُنظَر: ((نفائس الأصول)) للقرافي (9/3972). .
يَدُلُّ على ذلك فِعلُ الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم، ومِن ذلك قَولُ عَليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: كُنت رَجُلًا مَذَّاءً، وكُنتُ أستَحيي أن أسألَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لمَكانِ ابنَتِه، فأمَرتُ المِقدادَ بنَ الأسوَدِ فسَألَه، فقال: ((يَغسِلُ ذَكَرَه ويَتَوضَّأُ)) [663] أخرجه البخاري (178)، ومسلم (303) واللفظ له .
وعن زَينَبَ امرَأةِ عَبدِ اللَّهِ بنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قالت: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((تَصَدَّقْنَ يا مَعشَرَ النِّساءِ ولو مِن حُلِيِّكُنَّ. قالت: فرَجَعتُ إلى عَبدِ اللَّهِ، فقُلتُ: إنَّك رَجُلٌ خَفيفُ ذاتِ اليَدِ، وإنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قَد أمَرَنا بالصَّدَقةِ، فأْتِه فاسأَلْه، فإن كان ذلك يُجزي عَنِّي وإلَّا صَرَفتُها إلى غيرِكُم، قالت: فقال لي عَبدُ اللَّهِ: بَل ائتِيه أنتِ، قالت: فانطَلقتُ، فإذا امرَأةٌ مِنَ الأنصارِ ببابِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، حاجَتي حاجَتُها، قالت: وكان رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قَد أُلقِيَت عليه المَهابةُ، قالت: فخَرَجَ علينا بلالٌ فقُلْنا له: ائتِ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فأخبِرْه أنَّ امرَأتينِ بالبابِ تَسألانِك: أتُجزئُ الصَّدَقةُ عَنهما على أزواجِهما وعلى أيتامٍ في حُجورِهما؟ ولا تُخبرْه مَن نَحنُ، قالت: فدَخَل بلالٌ على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فسَأله، فقال له رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: مَن هما؟ فقال: امرَأةٌ مِنَ الأنصارِ وزينَبُ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أيُّ الزَّيانِبِ؟ قال: امرَأةُ عَبدِ اللَّهِ، فقال له رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: لهما أجرانِ: أجرُ القَرابةِ، وأجرُ الصَّدَقةِ)) [664] أخرجه مسلم (100). .
فالاستِفتاءُ تَدخُلُه الإنابةُ بالوَكالةِ، فلِلمُستَفتي أن يوكِلَ أحَدًا يَسألُ له المُفتيَ، سَواءٌ كان ذلك ابتِداءً بأن يَقولَ المُستَفتي لشَخصٍ يَعرِفُه ويَثِقُ به وبِأمانَتِه: سَلْ لي المُفتيَ الفُلانيَّ عن هذه المَسألةِ، ونَحوَ ذلك، وقد تَكونُ الإنابةُ مِن قِبَلِ مَن سَألَه؛ فقد يَسألُ العامِّيُّ مَثَلًا مَن يَراه مِن طَلَبةِ العِلمِ -سَواءٌ كان إمامًا للمَسجِدِ أو غَيرَ ذلك- عن مَسألةٍ، ثُمَّ يَقولُ له المسؤولُ: أنا لا أعرِفُ الجَوابَ، وإن شِئتَ سَألتُ لك المُفتيَ الفُلانيَّ، أو سَألتُ أحَدَ المُفتينَ، على الإجمالِ، أو يَقولُ المسؤولُ: لا أعرِفُ الجَوابَ، لكِن أسألُ لك إن شاءَ اللهُ.
قال ابنُ الصَّلاحِ: (له أن يَستَفتيَ بنَفسِه، ولَه أن يُنفِذَ ثِقةً يَقبَلُ خَبَرَه ليَستَفتيَ له) [665] ((أدب المفتي والمستفتي)) (ص: 168). ويُنظَر أيضًا: ((آداب الفتوى)) (ص: 83)، ((صفة المفتي)) لابن حمدان (ص: 301). .

انظر أيضا: