موسوعة أصول الفقه

الفَرعُ الثَّاني: اشتِمالُ القُرآنِ على المُحكَمِ والمُتَشابِهِ


القُرآنُ الكَريمُ مُشتَمِلٌ على المُحكَمِ والمُتَشابِهِ، كما قال اللهُ تعالى: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ [آل عمران: 7] [58] يُنظر: ((روضة الناظر)) لابن قدامة (1/ 213)، ((البرهان)) للزركشي (2/ 68). قال مُحَمَّد الأمين الشِّنقيطيُّ: (قَولُه تعالى: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ الآية. هذه الآيةُ الكَريمةُ تَدُلُّ على أنَّ مِن القُرآنِ مُحكَمًا ومِنه مُتَشابِهًا. وقد جاءَت آيةٌ أُخرى تَدُلُّ على أنَّ كُلَّه مُحكَمٌ، وآيةٌ تَدُلُّ على أنَّ كُلَّه مُتَشابِهٌ، أمَّا التي تَدُلُّ على إحكامِه كُلِّه فهيَ قَولُه تعالى: كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ، وأمَّا التي تَدُلُّ على أنَّ كُلَّه مُتَشابِهٌ فهي قَولُه تعالى: كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ، ووَجهُ الجَمعِ بَينَ هذه الآياتِ أنَّ مَعنى كَونِه كُلِّه مُحكَمًا، أنَّه في غايةِ الإحكامِ، أي: الإتقانِ في ألفاظِه ومَعانيه وإعجازِه، أخبارُه صِدقٌ، وأحكامُه عَدلٌ، لا تَعتَريه وَصمةٌ ولا عَيبٌ، لا في الألفاظِ ولا في المَعاني. ومَعنى كَونِه مُتَشابهًا أنَّ آياتِه يُشبِهُ بَعضُها بَعضًا في الحُسنِ والصِّدقِ، والإعجازِ والسَّلامةِ مِن جَميعِ العُيوبِ، ومَعنى كونِ بَعضِه مُحكَمًا وبَعضِه مُتَشابهًا، أنَّ المُحكَمَ مِنه هو واضِحُ المَعنى لكُلِّ النَّاسِ، كقَولِه: وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا، وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ. والمُتَشابِهُ: هو ما خَفِيَ عِلمُه على غَيرِ الرَّاسِخينَ في العِلمِ، بناءً على أنَّ الواوَ في قَولِه تعالى: وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ عاطِفةٌ، أو هو ما استَأثَرَ اللهُ بعِلمِه، كمَعاني الحُروفِ المُقَطَّعةِ في أوائِلِ السُّورِ، بناءً على أنَّ الواوَ في قَولِه تعالى: وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ استِئنافيَّةٌ لا عاطِفةٌ). ((دفع إيهام الاضطراب)) (ص: 38). ويُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (3/59 - 66)، ((البحر المحيط)) للزركشي (2/188)، ((الإتقان)) للسيوطي (3/3). .
وهذا المَذهَبُ مَنقولٌ عن كَثيرٍ مِن العُلماءِ [59] يُنظر: ((قواطع الأدلة)) للسمعاني (1/266)، ((المستصفى)) للغزالي (ص: 85)، ((الواضح)) لابن عقيل (5/456)، ((مفاتيح الغيب)) للرازي (7/110)، ((روضة الناظر)) لابن قدامة (1/213)، ((الإحكام)) للآمدي (1/165)، ((البحر المحيط)) لابن حيان (2/196)، ((بيان المختصر)) لشمس الدين الأصفهاني (1/474)، ((البرهان)) للزركشي (2/68)، ((الردود والنقود)) للبابرتي (1/479)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (20/217). ، ونَقَل الإجماعَ على ذلك: النَّوَويُّ [60] قال: (أجمعَ المُسلمونَ على أنَّ كَلامَ اللَّهِ مُشتَمِلٌ على أمرٍ ونَهيٍ، وخَبَرٍ واستِخبارٍ، ومُحكَمٍ ومُتَشابِهٍ...). ((جزء فيه ذكر اعتقاد السلف في الحروف والأصوات)) (ص: 49). ، والشَّوكانيُّ [61] قال: (اعلَمْ أنَّه لا اختِلافَ في وُقوعِ النَّوعَينِ فيه؛ لقَولِه سُبحانَه: مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ [آل عمران: 7]). ((إرشاد الفحول)) (1/90). .

انظر أيضا: