موسوعة أصول الفقه

المَسألةُ الثَّالثةُ: حُجِّيَّةُ التَّركِ


تَركُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قِسمٌ مِن أقسامِ السُّنَّةِ النَّبَويَّةِ، وهيَ حُجَّةٌ شَرعيَّةٌ مُعتَبَرةٌ في الجُملةِ [355] يُنظر: ((سنة الترك)) للجيزاني (ص: 57- 71). .
قال السَّمعانيُّ: (إذا تَرَكَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم شَيئًا مِن الأشياءِ وجَبَ علينا مُتابَعَتُه فيه) [356] ((قواطع الأدلة)) (1/ 311). .
وقال الشَّوكانيُّ: (تَركُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم للشَّيءِ كفِعلِه له في التَّأسِّي به فيه) [357] ((إرشاد الفحول)) (1/ 119). .
وتَركُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حتَّى يَكونَ حُجَّةً يَجِبُ مُتابَعَتُه فيه لا بُدَّ أن يَتَوافرَ فيه شَرطانِ [358] يُنظر: ((سنة الترك)) للجيزاني (ص: 61، 67). :
الشَّرطُ الأوَّلُ: أن يَترُكَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فِعلَ أمرٍ مِن الأُمورِ مَعَ وُجودِ السَّبَبِ المُقتَضي لهذا الفِعلِ في عَهدِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
فإنِ انتَفى السَّبَبُ المُقتَضي ولم يوجَدْ هذا السَّبَبُ الموجِبُ لهذا الفِعلِ، فإنَّ تَركَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حينَئِذٍ لا يَكونُ سُنَّةً؛ لأنَّ تَركَه كان بسَبَبِ عَدَمِ وُجودِ المُقتَضي؛ إذ لو وُجِدَ المُقتَضي لفَعَله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
والشَّرطُ الثَّاني: أن يَترُكَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فِعلَ هذا الأمرِ مَعَ انتِفاءِ المَوانِعِ وعَدَمِ العَوارِضِ؛ فقد يَترُكُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فِعلًا مِن الأفعالِ -مَعَ وُجودِ المُقتَضي له- بسَبَبِ وُجودِ مانِعٍ يَمنَعُ مِن فِعلِه.
فقد تَقتَرِنُ بهذا التَّركِ قَرائِنُ تَمنَعُ مِن الاحتِجاجِ به، وتُفيدُ عَدَمَ مَشروعيَّةِ الاقتِداءِ به صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في هذا التَّركِ.
والضَّابطُ لهذه القَرائِنِ أن يَحصُلَ هذا التَّركُ مِنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لأجلِ وُجودِ مانِعٍ يَمنَعُه مِن الفِعلِ، أو مِن أجلِ انتِفاءِ سَبَبِ هذا الفِعلِ المُقتَضي له [359] ((سنة الترك)) للجيزاني (ص: 62). .
وتَركُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لأمرٍ مِن الأُمورِ يَدُلُّ على مَشروعيَّةِ تَركِه وعلى عَدَمِ وُجوبِه في أدنى الدَّرَجاتِ.
قال التِّلِمسانيُّ: (كما يُستَدَلُّ بفِعلِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على عَدَمِ التَّحريمِ يُستَدَلُّ بتَركِه على عَدَمِ الوُجوبِ) [360] ((مفتاح الوصول)) (ص: 580). .

انظر أيضا: