موسوعة أصول الفقه

المَسألةُ الثَّانيةُ: أقسامُ خَبَرِ الآحادِ


يَنقَسِمُ خَبَرُ الآحادِ إلى: المَشهورِ أو المُستَفيضِ، والغَريبِ، والعَزيزِ [422] يُنظر: ((الإحكام)) للآمدي (2/ 31)، ((مختصر ابن الحاجب)) بـ((شرح العضد)) (2/ 416)، ((شرح الكوكب المنير)) لابن النجار (2/ 345)، ((الدرر اللوامع)) للكوراني (3/ 44)، ((توجيه النظر)) للجزائري (1/ 113). .
القِسمُ الأوَّلُ: المُستَفيضُ (المَشهورُ): وهو ما نَقَله جَماعةٌ تَزيدُ على الثَّلاثةِ. فلا بُدَّ أن يَكونوا أربَعةً فصاعِدًا [423] يُنظر: ((الإحكام)) للآمدي (2/ 31)، ((مختصر ابن الحاجب)) بـ((شرح العضد)) (2/ 416). ويُنظر أيضًا: ((شرح الكوكب المنير)) لابن النجار (2/ 346)، ((لوامع الأنوار البهية)) للسفاريني (1/ 19)، ((الذخر الحرير)) للبعلي (ص: 353)، ((الفوائد السنية)) للبرماوي (2/ 522). .
ومِثالُه: ((في الرِّقَةِ رُبعُ العُشرِ)) [424] يُنظر: ((البحر المحيط)) للزركشي (6/ 120). .
القِسمُ الثَّاني: الغَريبُ: وهو ما يَتَفرَّدُ برِوايَتِه شَخصٌ واحِدٌ في أيِّ مَوضِعٍ وَقَع التَّفرُّدُ به مِن السَّنَدِ، ويَنقَسِمُ إلى الغَريبِ المُطلَقِ والغَريبِ النِّسبيِّ [425] يُنظر: ((نزهة النظر)) لابن حجر (ص: 46-50). وعن الفَرقِ بَينَهما قال الخَرشيُّ: (الغَريبُ المُطلَقُ... هو الذي انفرَدَ به عن الصَّحابيِّ راوٍ واحِدٌ، والغَريبُ النِّسبيُّ: ما وقَعَ تَفرُّدُ راويه به في أثناءِ إسنادِه في أيِّ مَوضِعٍ كان، والذي جَرى عليه العِراقيُّ: أنَّ الغَريبَ المُطلَقَ هو: الذي يَنفرِدُ برِوايَتِه راوٍ واحِدٌ مَتنًا وإسنادًا وشَيخًا، وأنَّ الغَريبَ النِّسبيَّ هو: غَريبُ الإسنادِ فقَط، بأن يَكونَ مَتنُه مَعروفًا برِوايةِ جَماعةٍ مِن الصَّحابةِ يَنفرِدُ به راوٍ من حديثِ صَحابيٍّ آخَرَ؛ فهو مِن جِهَتِه غَريبٌ، مَعَ أنَّ مَتنَه غَيرُ غَريبٍ، ومِنه: غَرائِبُ الشُّيوخِ في مُتونِ الأحاديثِ الصحيحةِ). ((منتهى الرغبة)) (1/ 214)، ويُنظر: ((مقدمة ابن الصلاح)) (ص: 271)، ((نزهة النظر)) لابن حجر (ص: 56- 57). .
- الغَريبُ المُطلَقُ: وهو أكثَرُ ما يُطلَقُ عليه مُصطَلَحُ (الفَردِ)، وهو الحَديثُ الذي لا يُعرَفُ عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلَّا بإسنادٍ واحِدٍ. ومِن أمثِلتِه: حَديث: ((إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّاتِ)) [426] أخرجه البخاري (1) واللَّفظُ له، ومسلم (1907) من حديثِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه. ؛ فإنَّه لا يُعرَفُ له إسنادٌ إلَّا عن عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه، وهذا المَعنى بمَجرَّدِه لا يُفيدُ ثُبوتَ الحَديثِ أو ضَعفَه، فليسَ مُجَرَّدُ التَّفرُّدِ يَعني الضَّعفَ، وإنَّما في (الغَريبِ): الصَّحيحُ، والحَسَنُ، والضَّعيفُ، وتُعرَفُ دَرَجةُ كُلٍّ بحَسَبِ حالِ الإسنادِ، وسَلامَتِه مِن العِلَلِ [427] يُنظر: ((تحرير علوم الحديث)) للجديع (1/ 47- 48). ويُنظر أيضًا: ((نزهة النظر)) لابن حجر (ص: 56). .
- الغَريبُ النِّسبيُّ: وهو الحَديثُ الذي عُلِمَ مَخرَجُه عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن أكثَرَ مِن وَجهٍ، كحَديثٍ يَرويه أبو هرَيرةَ وابنُ عُمَرَ رضِيَ اللهُ عنهم، ولكِنَّه لم يُعرَفْ عن ابنِ عُمَرَ إلَّا مِن رِوايةِ نافِعٍ مَولاه، فهو مِن أفرادِ نافِعٍ عن ابنِ عُمَرَ، والتَّفرُّدُ فيه إنَّما وقَعَ بالنِّسبةِ لابنِ عُمَرَ لا مُطلقًا، ويَقولونَ فيه: "تَفرَّدَ به فلانٌ عن فُلانٍ"، وقد يَكونُ مَرويًّا عنه مِن وُجوهٍ.
ومِن أمثِلتِه: ما رَواه عيسى بنُ موسى غُنجارٌ، عن أبي حَمزةَ السُّكَّريِّ، عن الأعمَشِ، عن أبي أيُّوبَ السَّختيانيِّ، عن مُحَمَّدِ بنِ سِيرينَ، عن أبي هُرَيرةَ، قال: قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا تُسَمُّوا العِنَبَ الكَرْمَ)) [428] أخرجه من هذا الطريق الطبراني في ((المعجم الأوسط)) (6888)، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (40/351). قال الطَّبَرانيُّ: لم يَروِ هذا الحَديثَ عن الأعمَشِ إلَّا أبو حَمزةَ، تَفرَّدَ به: الغُنجارُ. وأخرجه من طريقٍ آخَرَ بلفظه البخاري (6182)، ومسلم (2247). . فلم يَروِ هذا الحَديثَ عن الأعمَشِ إلَّا أبو حَمزةَ السُّكَّريُّ، واسمُه مُحَمَّدُ بنُ مَيمونٍ، تَفرَّدَ به الغُنجارُ، ولم يُسنِدِ الأعمَشُ عن أيُّوبَ حَديثًا غَيرَ هذا [429] يُنظر: ((تحرير علوم الحديث)) للجديع (1/ 48). .
وسُمِّي بذلك لكَونِ التَّفرُّدِ فيه حَصَل بالنِّسبةِ إلى شَخصٍ مُعَيَّنٍ، وإن كان الحَديثُ في نَفسِه مَشهورًا [430] يُنظر: ((نزهة النظر)) لابن حجر (ص: 57). .
القِسمُ الثَّالثُ: العَزيزُ: وهو ألَّا يَرويَه أقَلُّ مِن اثنَينِ عن اثنَينِ. وسُمِّي بذلك إمَّا لقِلَّةِ وجودِه، وإمَّا لكَونِه عَزَّ، أي: قَويَ بمَجيئِه مِن طَريقٍ أُخرى [431] يُنظر: ((نزهة النظر)) لابن حجر (ص: 47- 48)، ((التحقيقات على شرح الجلال)) لفضل مراد (ص: 285). .
مِثالُه: قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا يُؤمِنُ أحَدُكُم حتَّى أكونَ أحَبَّ إليه مِن والِدِه ووَلَدِه والنَّاسِ أجمَعينَ)) [432] أخرجه البخاري (15) واللفظ له، ومسلم (44) من حديثِ أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنه. .
فهذا لم يُروَ مِن وجهٍ صحيحٍ عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلَّا من حديثِ أبي هرَيرةَ، وأنَسِ بنِ مالِكٍ، ورَواه عن أنَسٍ: قتادةُ وعَبدُ العَزيزِ بنُ صُهَيبٍ، ورَواه عن عَبدِ العَزيزِ إسماعيلُ بنُ عُليَّةُ وعَبدُ الوارِثِ بنُ سَعيدٍ، وعن كلٍّ مِنهما جَماعةٌ [433] يُنظر: ((تحرير علوم الحديث)) للجديع (1/ 47). .
وقيل: المَشهورُ قَسيمٌ للمُتَواتِرِ والآحادِ، فيُقَسِّمونَ الخَبَرَ إلى مُتَواتِرٍ ومَشهورٍ وآحادٍ. وهو اختيارُ عامَّةِ الحَنَفيَّةِ [434] يُنظر: ((المغني)) للخبازي (ص: 291- 294)، ((تيسير التحرير)) لأمير بادشاه (3/ 37). قال ابنُ أمير الحاجِّ في شَرحِه على التَّحريرِ لابنِ الهمامِ: ("والحَنَفيَّةُ" قالوا "الخَبَرُ مُتَواتِرٌ وآحادٌ ومَشهورٌ، وهو "أي المَشهورُ" ما كان آحادُ الأصلِ مُتَواتِرًا في القَرنِ الثَّاني والثَّالثِ. فبَينَه "أي المَشهورِ" وبَينَ المُستَفيض" بأحَدِ التَّفسيرَينِ الأوَّلينِ "عُمومٌ مِن وجهٍ" لصِدقِهما فيما رَواه في الأصلِ ثَلاثةٌ أو ما زادَ عليها ولم يَنتَهِ إلى التَّواتُرِ، ثُمَّ تَواتَرَ في القَرنِ الثَّاني أو الثَّالثِ، وانفِرادُ المُستَفيضِ عن المَشهورِ فيما رَواه في الأصلِ ثَلاثةٌ أو ما زادَ عليها ولم يَنتَهِ إلى التَّواتُرِ في القَرنِ الثَّاني والثَّالثِ. وانفِرادُ المَشهورِ عن المُستَفيضِ فيما رَواه واحِدٌ أو اثنانِ في الأصلِ، ثُمَّ تَواتَرَ في القَرنِ الثَّاني أو الثَّالثِ). ((التقرير والتحبير)) (2/ 235). .

انظر أيضا: