موسوعة أصول الفقه

المَسألةُ الرَّابعةُ: حُكمُ مُخالفةِ الرِّوايةِ للقياسِ


لا يُشتَرَطُ في العَمَلِ بخَبَرِ الواحِدِ عَدَمُ مُخالفتِه للقياسِ، فإن كانت مُقدِّماتُ القياسِ قَطعيَّةً قُدِّمَ القياسُ قَطعًا، وإلَّا فإن كانت كُلُّها ظَنِّيَّةً قُدِّم الخَبَرُ قَطعًا، وكَذا إذا كان البَعضُ قَطعيًّا والبَعضُ ظَنِّيًّا، قُدِّمَ الخَبَرُ عِندَ الشَّافِعيِّ وأصحابِه [526] يُنظر: ((البحر المحيط)) للزركشي (6/ 251). ، والحَنَفيَّةِ [527] يُنظر: ((أصول السرخسي)) (1/ 342). ، واختارَه الباجيُّ [528] يُنظر: ((إحكام الفصول)) (2/ 673). .
ولا يَعنونَ بالقياسِ مَعناه المَعروفَ، بَل يَدخُلُ فيه أيضًا ما تَقَرَّرَ مِن قَواعِدِ الشَّريعةِ ودَلَّت عليه أُصولُها وفُروعُها. ومَثَّلوا لمُخالفةِ القياسِ بحَديثِ المُصَرَّاةِ الوارِدِ عن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((لا تُصَرُّوا الإبِلَ والغَنَمَ [529] قال النَّوويُّ: (مَعناه: لا تَجمَعوا اللَّبَنَ في ضَرعِها عِندَ إرادةِ بَيعِها حتَّى يَعظُمَ ضَرعُها، فيَظُنَّ المُشتَري أنَّ كَثرةَ لبَنِها عادةٌ لها مُستَمِرَّةٌ، ومِنه قَولُ العَرَبِ: صَرَّيتُ الماءَ في الحَوضِ، أي: جَمَعتُه، وصَرى الماءَ في ظَهرِه، أي: حَبَسَه فلم يَتَزَوَّجْ). ((شرح مسلم)) (10/ 161). ، فمَن ابتاعَها فهو بخَيرِ النَّظَرَينِ بَعدَ أن يَحتَلبَها؛ إن شاءَ أمسَكَها، وإن شاءَ رَدَّها وصاعًا مِن تَمرٍ)) [530] أخرجه البخاري (2148)، ومسلم (1515) باختلافٍ يسيرٍ، ولفظُ البخاريِّ: قال أبو هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا تُصَرُّوا الإبِلَ والغَنَمَ، فمَنِ ابتاعَها بَعدُ فإنَّه بخَيرِ النَّظَرَينِ بَعدَ أن يَحتَلِبَها: إن شاءَ أمسَكَ، وإن شاءَ رَدَّها وصاعَ تَمرٍ)). .
ووجهُ مُخالفةِ هذا الخَبَرِ للأُصولِ عندَ مَنْ رَدَّهُ مِنَ العُلَمَاءِ: أنَّ قَواعِدَ الشَّرعِ تَقضي بأنَّ ضَمانَ المَتلَفاتِ يَكونُ بالمِثلِ أو بالقيمةِ، وفي الحَديثِ ضَمانُ لَبَنِ المُصَرَّاةِ بصاعٍ مِن تَمرٍ، والصَّاعُ ليسَ مِثلًا للَّبَنِ ولا مُساويًا لقيمَتِه [531] يُنظر: ((أصول الفقه)) لعياض السلمي (ص: 117). .
وحُجَّةُ الجُمهورِ: أنَّ الخَبَرَ إذا خالف غَيرَه مِنَ الأصولِ صارَ أصلًا بنَفسِه، فيُجمَعُ بَينَه وبَينَ غَيرِه بحَملِ كُلٍّ مِنَ الأحاديثِ على مَعناه [532] يُنظر: ((أصول الفقه)) لعياض السلمي (ص: 117). .
وقيل: إنَّهما مُتَساويانِ عِندَ التَّعارُضِ. وهو اختيارُ القاضي أبي بَكرٍ الباقِلَّانيِّ [533] يُنظر: ((المنتقى)) للباجي (6/ 169)، ((البحر المحيط)) للزركشي (6/ 252)، ((إرشاد الفحول)) للشوكاني (1/ 151). .

انظر أيضا: