موسوعة أصول الفقه

المَسألةُ الأولى: المَراسيلُ


أوَّلًا: تَعريفُ المُرسَلِ
أ- تَعريفُ المُرسَلِ لُغةً
يَحتَمِلُ أصلُ المَعنى اللُّغَويِّ للمُرسَلِ أن يَعودَ إلى عِدَّةِ أُمورٍ؛ مِنها:
1- أنَّه مِن الإطلاقِ، مِن قَولِهم: أرسَلتُ كذا: إذا أطلَقتَه ولم تَمنَعْه، كما في قَولِ اللهِ تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ [مريم: 83] ، فكَأنَّ المُرسِلَ أطلقَ الإسنادَ ولم يُقَيِّدْه براوٍ مَعروفٍ [570] يُنظر: ((جامع التحصيل)) للعلائي (ص: 23)، ((فتح المغيث)) للسخاوي (1/ 169). .
2- أنَّه مَأخوذٌ مِن قَولِهم: جاءَ القَومُ أرسالًا، أي: قِطَعًا مُتَفرِّقينَ [571] يُنظر: ((غريب الحديث)) للخطابي (1/ 169). .
فكَأنَّه تَصَوَّرَ مِن هذا اللَّفظِ مَعنى الاقتِطاعِ، فقيل للحَديثِ الذي قُطِعَ إسنادُه وبَقيَ غَيرَ مُتَّصِلٍ: "مُرسَلٌ"، أي: كُلُّ طائِفةٍ لم تَلقَ الأُخرى ولا لحِقَتها [572] يُنظر: ((جامع التحصيل)) للعلائي (ص: 23). .
3- أنَّه مَأخوذٌ مِن قَولِهم: ناقةٌ مِرسالٌ، أي: سَريعةُ السَّيرِ [573] يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (2/ 224). .
فكَأنَّ المُرسِلَ للحَديثِ أسرَعَ فيه وتَعَجَّل فحَذَف بَعضَ إسنادِه [574] يُنظر: ((جامع التحصيل)) للعلائي (ص: 24)، ((فتح المغيث)) للسخاوي (1/ 169). .
4- أنَّه مَأخوذٌ مِن الاستِرسالِ، وهو الطُّمَأنينةُ إلى الإنسانِ والثِّقةُ به فيما يُحَدِّثُه، فكأنَّ المُرسِلَ اطمَأنَّ إلى مَن أرسَل عنه ووثِقَ به مَن يوصِلُه إليه، وهذا المَعنى هو اللَّائِقُ بقَولِ المُحتَجِّ بالمُرسَلِ [575] ((جامع التحصيل)) (ص: 23). .
ب- تَعريفُ المُرسَلِ في اصطِلاحِ الأُصوليِّينَ:
المُرسَلُ في اصطِلاحِ عُلماءِ الأُصولِ هو: (ما انقَطَعَ إسنادُه) [576] يُنظر: ((العدة)) لأبي يعلى (1/ 169)، ((الكفاية)) (ص: 21)، ((الفقيه والمتفقه)) (1/ 291) كلاهما للخطيب البغدادي، ((الإشارة)) للباجي (ص: 239)، ((اللمع)) للشيرازي (ص: 73)، ((الورقات)) للجويني (ص: 25)، ((مقدمة ابن الصلاح)) (ص: 58)، ((شرح مسلم)) للنووي (1/ 30). .
فقَولُهم: (انقَطَعَ إسنادُه): شامِلٌ لسائِرِ أنواعِ الانقِطاعِ، سَواءٌ كان السَّاقِطُ واحِدًا أو أكثرَ، في أوَّلِ الإسنادِ أو آخِرِه، ويَشمَلُ مُرسَلَ الصَّحابيِّ ومُرسَلَ غَيرِ الصَّحابيِّ [577] يُنظر: ((الفقيه والمتفقه)) للخطيب البغدادي (1/ 291- 292)، ((شرح الورقات)) لعبد الله الفوزان (ص: 176). .
قال النَّوويُّ: (وأمَّا المُرسَلُ فهو عِندَ الفُقَهاءِ وأصحابِ الأُصولِ والخَطيبِ الحافِظِ أبي بَكرٍ البَغداديِّ وجَماعةٍ مِن المُحَدِّثينَ: ما انقَطَعَ إسنادُه على أيِّ وجهٍ كان انقِطاعُه، فهو عِندَهم بمَعنى المُنقَطِعِ) [578] ((شرح مسلم)) (1/ 30). .
وقيل: المُرسَلُ قَولُ مَن لمَ يَلقَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: قال رسولُ اللهِ، سَواءٌ التَّابعيُّ أم تابِعُ التَّابعيِّ فمَن بَعدَه [579] يُنظر: ((البحر المحيط)) للزركشي (6/ 338)، ((إرشاد الفحول)) للشوكاني (1/ 173). .
وذَكَرَ الزَّركَشيُّ أنَّ هذا التَّعريفَ هو (المَشهورُ عِندَ الأُصوليِّينَ) [580] ((النكت على ابن الصلاح)) (1/ 448). .
ثالثًا: حُجِّيَّةُ المُرسَلِ
القِسمُ الأوَّلُ: مُرسَلُ الصَّحابيِّ
مُرسَلُ الصَّحابيِّ: هو ما أخبَرَ به الصَّحابيُّ عن قَولِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أو فِعلِه، ولم يَسمَعْه أو يُشاهِدْه؛ لأنَّه لم يُدرِكْ زَمانَه إمَّا لصِغَرِ سِنِّه، أو لتَأخُّرِ إسلامِه، أو غيابِه، فهو مَوصولُ السَّنَدِ؛ لأنَّ رِوايَتَه غالبًا عن صَحابيٍّ مِثلِه، والجَهالةُ بالصَّحابيِّ لا تَضُرُّ؛ لأنَّهم جَميعًا عُدولٌ [581] يُنظر: ((التحبير)) للمرداوي (5/ 2151)، ((شرح الورقات)) لعبد الله الفوزان (ص: 177). ، وقد اتَّفقَت الأُمَّةُ على قَبولِ رِوايةِ ابنِ عبَّاسٍ ونُظَرائِه مِن أصاغِرِ الصَّحابةِ مَعَ إكثارِهم، فأكثَرُ رِوايَتِهم عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مَراسيلُ، وكَثيرٌ مِنهم كان يُرسِلُ الحَديثَ، فإذا سُئِل عنه قال: حَدَّثَني به فُلانٌ. والظَّاهرُ أنَّهم لا يَروونَ إلَّا عن صَحابيٍّ، والصَّحابةُ مَعلومةٌ عَدالتُهم [582] يُنظر: ((روضة الناظر)) لابن قدامة (1/ 364- 365). قال ابنُ حَجَرٍ: (وأمَّا رِوايَتُهم عن التَّابعيِّ فقَليلةٌ نادِرةٌ، فقد تُتُبِّعَت وجُمِعَت لقِلَّتِها). ((النكت)) (2/ 548). وقال أيضًا: (وقد تَتَبَّعتُ رِواياتِ الصَّحابةِ رَضيَ اللهُ تعالى عنهم عن التَّابعينَ، وليسَ فيها مِن رِوايةِ صَحابيٍّ عن تابعيٍّ ضَعيفٍ في الأحكامِ شَيءٌ يَثبُتُ). ((النكت)) (2/570). .
مِثالُه: عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: ((كان أوَّلَ ما بُدِئَ به رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الرُّؤيا الصَّادِقةُ في النَّومِ، فكان لا يَرى رُؤيا إلَّا جاءَت مِثلَ فَلَقِ الصُّبحِ...)) الحَديث [583] أخرجه البخاري (4953)، ومسلم (160). . فهذا مِن مَراسيلِ الصَّحابةِ؛ لأنَّ عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها لم تُدرِكْ هذه القِصَّةَ؛ لأنَّها وُلِدَت بَعدَ المَبعَثِ بأربَعِ أو خَمسِ سِنينَ.
قال ابنُ الصَّلاحِ: (إنَّا لم نَعُدَّ في أنواعِ المُرسَلِ ونَحوِه ما يُسَمَّى في أُصولِ الفِقهِ مُرسَلَ الصَّحابيِّ، مِثلُ ما يَرويه ابنُ عبَّاسٍ وغَيرُه مِن أحداثِ الصَّحابةِ عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ولم يَسمَعوه مِنه؛ لأنَّ ذلك في حُكمِ المَوصولِ المُسنَدِ؛ لأنَّ رِوايَتَهم عن الصَّحابةِ، والجَهالةُ بالصَّحابيّ غَيرُ قادِحةٍ؛ لأنَّ الصَّحابةَ كُلَّهم عُدولٌ، واللهُ أعلمُ) [584] ((مقدمة ابن الصلاح)) (ص: 131- 132). .
بل إنَّ ابنَ السُّبكيِّ لم يَعُدَّ ما سَمِعَه الصَّحابيُّ من حديثِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن صَحابيٍّ آخَرَ، مِن قَبيلِ المُرسَلِ؛ إذ يَقولُ: (هذا في الحَقيقةِ ليسَ بمُرسَلٍ؛ لأنَّ المُرسَلَ كما عَرَفتَ: قَولُ مَن لم يَلقَ زَيدًا: قال زَيدٌ. والصَّحابيُّ لقيَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) [585] ((الإبهاج)) (5/ 1994- 1995). .
ومُرسَلُ الصَّحابيِّ حُجَّةٌ عِندَ جَماهيرِ أهلِ العِلمِ [586] قال ابنُ قُدامةَ: (مَراسيلُ أصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مَقبولةٌ عِندَ الجُمهورِ). ((روضة الناظر)) (1/ 363). وقال النَّوويُّ: ((مُرسَلُ الصَّحابيِّ كإخبارِه عن شَيءٍ فعَله النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أو نَحوِه مِمَّا نَعلمُ أنَّه لم يَحضُرْه لصِغَرِ سِنِّه أو لتَأخُّرِ إسلامِه أو غَيرِ ذلك، فالمَذهَبُ الصَّحيحُ المَشهورُ الذي قَطَعَ به جُمهورُ أصحابِنا وجَماهيرُ أهلِ العِلمِ أنَّه حُجَّةٌ، وأطبَقَ المُحَدِّثونَ المُشتَرِطونَ للصَّحيحِ القائِلونَ بأنَّ المُرسَلَ ليسَ بحُجَّةٍ على الاحتِجاجِ به وإدخالِه في الصَّحيحِ: وفي صحيحِ البخاريِّ ومُسلِمٍ مِن هذا ما لا يُحصى)). ((المَجموع)) (1/ 62). وقال ابنُ المُلقِّنِ: (الجُمهورُ على أنَّه حُجَّةٌ). ((التوضيح)) (2/ 91). ويُنظر: ((العدة)) لأبي يعلى (3/ 912)، ((النكت على ابن الصلاح)) لابن حجر (2/ 548)، ((شرح الورقات)) لعبد الله الفوزان (ص: 177). .
الأدِلَّةُ:
1- إجماعُ الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم على قَبولِ بَعضِهم حَديثَ بَعضٍ، مَعَ عِلمِهم أنَّ بَعضَهم يَروي بواسِطةِ بَعضٍ [587] يُنظر: ((شرح مختصر الروضة)) للطوفي (2/228). .
وقد صَرَّحَ بَعضُ الصَّحابةِ بذلك؛ حَيثُ قال عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه: (كُنتُ أنا وجارٌ لي مِن الأنصارِ في بَني أُميَّةَ بنِ زَيدٍ -وهيَ مِن عَوالي المَدينةِ- وكُنَّا نَتَناوبُ النُّزولَ على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، يَنزِلُ يَومًا، وأنزِلُ يَومًا، فإذا نَزَلتُ جِئتُه بخَبَرِ ذلك اليَومِ مِن الوَحيِ وغَيرِه، وإذا نَزَل فَعَل مِثلَ ذلك) [588] أخرجه البخاري (89) واللفظ له، ومسلم (1479). .
قال ابنُ حَجَرٍ: (في هذا الحَديثِ الاعتِمادُ على خَبَرِ الواحِدِ، والعَمَلُ بمَراسيلِ الصَّحابةِ) [589] ((فتح الباري)) (1/186). .
وقال البَراءُ بنُ عازِبٍ رَضِيَ اللهُ عنه: (ما كلُّ الحَديثِ سَمِعناه مِن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، كان يُحَدِّثُنا أصحابُنا عنه؛ كان تَشغَلُنا عنه رِعْيةُ الإبِلِ) [590] أخرجه أحمد (18493) واللفظ له، والحاكم (326). صحَّحه الحاكم على شرط الشيخين، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (18493). .
وقال أنَسٌ رَضِيَ اللهُ عنه: (واللَّهِ ما كلُّ ما نُحَدِّثُكُم به سَمِعناه مِن رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآلِه وسَلَّمَ، ولكِن كان يُحَدِّثُ بَعضُنا بَعضًا، ولا يَتَّهِمُ بَعضُنا بَعضًا) [591] أخرجه من طرق ابن أبي عاصم في ((السنة)) (816)، والطبراني (1/246) (702)، والحاكم (6458) واللفظ له. صَحَّحَ إسنادَه على شَرطِ الشَّيخَينِ الألبانيُّ في تَخريج ((كتاب السنة)) (816). .
2- أنَّ الصَّحابيَّ لا يَخلو مِن أحَدِ أمرَينِ: إمَّا أن يَكونَ قد سَمِعَه مِن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أو سَمِعَه مِن صَحابيٍّ؛ فإن سَمعَه مِن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فهو مَقطوعٌ بعِصمَتِه، وإن سَمعَه مِن صَحابيٍّ فهو مَشهودٌ بعَدالتِه [592] ((الوصول إلى الأصول)) لابن برهان (2/181). .
وقيل: لا يُقبَلُ إلَّا إذا عُرِف بصَريحِ خَبَرِه، أو بعادَتِه أنَّه لا يَروي إلَّا عن صَحابيٍّ، وإلَّا فلا؛ لأنَّه قد يَروي عَمَّن لم تَثبُتْ لنا صُحبتُه. وعُزِيَ هذا القَولُ لأبي إسحاق الإسفَرايِينيِّ [593] يُنظر: ((التوضيح)) لابن الملقن (2/ 91). ، والقاضي الباقِلَّانيِّ [594] يُنظر: ((تشنيف المسامع)) للزركشي (2/ 1048). .
وقد وصَف غَيرُ واحِدٍ مِن العُلماءِ هذا القَولَ بالشُّذوذِ؛ مِنهم ابنُ قُدامةَ [595] يُنظر: ((روضة الناظر)) (1/ 364). ، والطُّوفيُّ [596] يُنظر: ((شرح مختصر الروضة)) (2/229). ، وطَاهِرٌ الجَزائِريُّ [597] يُنظر: ((توجيه النظر إلى أصول الأثر)) (1/244). .
قال طاهِرٌ الجَزائِريُّ: (قد اتَّفقَ الأئِمَّةُ قاطِبةً على قَبولِ ذلك إلَّا مَن شَذَّ مِمَّن تَأخَّرَ عَصرُه عنهم، فلا يُعتَدُّ بمُخالفتِه، واللَّهُ أعلمُ) [598] ((توجيه النظر إلى أصول الأثر)) (1/244). .
القِسمُ الثَّاني: مُرسَلُ غَيرِ الصَّحابيِّ
المُرادُ بمُرسَلِ غَيرِ الصَّحابيِّ في الاصطِلاحِ:
عَرَّفه بَعضُ الأُصوليِّينَ بأنَّه: قَولُ مَن لم يُعاصِرِ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أو: يَقولُ مَن لم يُدرِكْ صَحابيًّا، كأبي هرَيرةَ مَثَلًا: قال أبو هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه [599] يُنظر: ((المستصفى)) للغزالي (ص: 134)، ((روضة الناظر)) لابن قدامة (1/ 365). .
وفي قَبولِ مُرسَلِ غَيرِ الصَّحابيِّ خِلافٌ؛ فقيل: لا يُقبَلُ مُرسَلُ غَيرِ الصَّحابيّ. وهو قَولُ بَعضِ المُحَدِّثينَ [600] يُنظر: ((شرح مختصر الروضة)) للطوفي (2/ 228). ، ورِوايةٌ عن أحمَدَ [601] يُنظر: ((روضة الناظر)) لابن قدامة (1/ 366)، ((الذخر الحرير)) للبعلي (ص: 426). ، واختارَه ابنُ حَزمٍ [602] يُنظر: ((الإحكام)) (2/ 2). .
واستَدَلُّوا بأدِلَّةٍ؛ مِنها: أنَّ الخَبَرَ كالشَّهادةِ، والدَّليلُ عليه أنَّ العَدالةَ مُعتَبَرةٌ في كُلِّ واحِدٍ مِنهما، وإذا ثَبَتَ أنَّ الإرسالَ في الشَّهادةِ يَمنَعُ صِحَّتَها فكذلك الحالُ في الخَبَرِ، فمِن شَرطِ الخَبَرِ عَدالةُ الرَّاوي، فإذا رَوى مُرسَلًا جُهِلَت عَدالةُ الرَّاوي، فيَجِبُ ألَّا يُقبَلَ الخَبَرُ [603] يُنظر: ((التبصرة)) للشيرازي (ص: 326، 327). .
وقيل: مُرسَلُ غَيرِ الصَّحابيِّ مَقبولٌ إذا تَوفَّرَت بَعضُ القَرائِنِ. وهو مَذهَبُ الحَنَفيَّةِ [604] يُنظر: ((الفصول)) للجصاص (3/ 145). ، ونُسِب لأبي حَنيفةَ [605] عزاه إليه: الشيرازي. يُنظر: ((التبصرة)) (ص: 326). ويُنظر: ((الكفاية)) للخطيب البغدادي (ص: 384)، ((النكت على مقدمة ابن الصلاح)) (1/ 491)، ((البحر المحيط)) (6/ 347)، كلاهما للزركشي. ، ومالِكٍ [606] يُنظر: ((المقدمة في الأصول)) لابن القصار (ص: 73)، ((الإشارة)) للباجي (ص: 241)، ويُنظر: ((التبصرة)) (ص: 326)، ((الكفاية)) للخطيب البغدادي (ص: 384)، ((النكت على مقدمة ابن الصلاح)) (1/ 491)، ((البحر المحيط)) (6/ 347)، كلاهما للزركشي. ، والشَّافِعيِّ [607] يُنظر: (الرسالة)) للشافعي (ص: 461- 463)، ((قواطع الأدلة)) للسمعاني (1/ 385). قال السَّمعانيُّ: (اعلَمْ أنَّ الشَّافِعيَّ إنَّما رَدَّ المُرسَلَ مِن الحَديثِ لدُخولِ التُّهمةِ فيه، فإن اقتَرَنَ بالمُرسَلِ ما يُزيلُ التُّهمةَ فإنَّه يَقبَلُه، وذلك إن وافقَ مُرسَلُه مُسنَدَ غَيرِه مِن الرُّواةِ، ومِثلُ أن يَتَلقَّى الأئِمَّةُ المُرسَلَ بالقَبولِ ويَعمَلوا به، فيَكونُ قَبولُهم وعَمَلُهم مُزيلًا للتُّهمةِ، وكذلك إن انتَشَرَ في النَّاسِ ولا يَظهَرُ له مُنكِرٌ). ((قواطع الأدلة)) (1/ 385). وقال الطُّوفيُّ: (وأمَّا النَّقلُ المُفصَّلُ عنه أنَّ الحَديثَ إن كان مِن مَراسيلِ الصَّحابةِ، أو كان قد أسنَدَه غَيرُ مَن أرسَله، أو أرسَله راوٍ آخَرُ مِن غَيرِ طَريقِ الأوَّلِ -بمَعنى اختَلفت طُرُقُ إرسالِه- فيَتَعاضَدُ بَعضُها ببَعضٍ، أو يَكونُ المُرسَلُ قد عُرِف مِن حالِه أنَّه لا يَروي عن غَيرِ عَدلٍ، أو عَضَّده قَولُ صَحابيٍّ، أو قَولُ أكثَرِ أهلِ العِلمِ؛ فهو حُجَّةٌ، وافقَه على ذلك أكثَرُ أصحابِه، والقاضي أبو بَكرٍ). ((شرح مختصر الروضة)) (2/ 230)، ونحوه ((نهاية السول)) للإسنوي (ص: 278)، ((حاشية العطار على جمع الجوامع)) (2/ 203). ويُنظر: ((الرسالة)) للشافعي (ص: 464). ، ورِوايةٌ عن أحمَدَ [608] يُنظر: ((روضة الناظر)) لابن قدامة (1/ 365)، ((شرح الورقات)) للفوزان (ص: 179). ، وأكثَرِ الفُقَهاءِ [609] يُنظر: ((التوضيح)) لابن الملقن (2/ 90). .
واستَدَلُّوا على ذلك: بالقياسِ على التَّعديلِ، فإذا عُلِم مِن حالِه أنَّه لا يُرسِلُ إلَّا عن ثِقةٍ أو أخبَرَ بذلك عن نَفسِه، فإرسالُه عنه بمَنزِلةِ أن يَقولَ: حَدَّثَني فُلانٌ، وهو ثِقةٌ، كما أنَّ الظَّاهرَ مِن العَدلِ الثِّقةِ أنَّه لا يَستَجيزُ أن يُخبرَ عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بقَولٍ ويَجزِمَ به إلَّا بَعدَ أن يَعلَمَ ثِقةَ ناقِلِه وعَدالتَه [610] يُنظر: ((الإشارة)) للباجي (ص: 245)، ((روضة الناظر)) لابن قدامة (1/367). .
قال ابنُ تَيميَّةَ: (المَراسيلُ إذا تَعَدَّدَت طُرُقُها وخَلت عن المواطَأةِ قَصدًا أو الاتِّفاقِ بغَيرِ قَصدٍ، كانت صحيحةً قَطعًا؛ فإنَّ النَّقلَ إمَّا أن يَكونَ صِدقًا مُطابِقًا للخَبَرِ، وإمَّا أن يَكونَ كذِبًا تَعَمَّد صاحِبُه الكَذِبَ أو أخطَأ فيه؛ فمَتى سَلِمَ مِن الكَذِبِ العَمدِ والخَطَأِ كان صِدقًا بلا رَيبٍ، فإذا كان الحَديثُ جاءَ مِن جِهَتَينِ أو جِهاتٍ، وقد عُلمَ أنَّ المُخبرَينِ لم يَتَواطَآ على اخْتِلَاقِهِ وعُلِم أنَّ مِثلَ ذلك لا تَقَعُ الموافَقةُ فيه اتِّفاقًا بلا قَصدٍ، عُلِمَ أنَّه صحيحٌ... فإنَّ عَرَفَ مِثلَ أبي صالحٍ السَّمَّانِ والأعرَجِ وسُليمانَ بنِ يَسارٍ وزَيدِ بنِ أسلَمَ وأمثالِهم عَلِمَ قَطعًا أنَّهم لم يَكونوا مِمَّن يَتَعَمَّدُ الكَذِبَ في الحَديثِ فضلًا عَمَّن هو فوقَهم، مِثلُ مُحَمَّدِ بنِ سِيرينَ، والقاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ، أو سَعيدِ بنِ المُسَيِّبِ، أو عَبِيدةَ السَّلمانيِّ، أو عَلقَمةَ، أو الأسوَدِ، أو نَحوِهم. وإنَّما يُخافُ على الواحِدِ مِن الغَلَطِ؛ فإنَّ الغَلطَ والنِّسيانَ كثيرًا ما يَعرِضُ للإنسانِ، ومِن الحُفَّاظِ مَن قد عَرَف النَّاسُ بُعدَه عن ذلك جِدًّا، كما عَرَفوا حالَ الشَّعبيِّ والزُّهريِّ وعُروةَ وقتادةَ والثَّوريِّ وأمثالِهم) [611] ((مجموع الفتاوى)) (13/ 347-350). .

انظر أيضا: