المَسألةُ الثَّانيةُ: زيادةُ الثِّقةِ
زيادةُ الثِّقةِ في الحَديثِ: هيَ رِوايةُ ما لم يَروِه غَيرُه مِن الثِّقاتِ الذينَ رَووا الحَديثَ
[612] يُنظر: ((الفوائد السنية)) للبرماوي (2/ 737). ويُنظر: ((الباعث الحثيث)) لابن كثير (ص: 163). .
ويَختَلفُ حُكمُ زيادةِ الثِّقةِ في قَبولِها أو عَدَمِه عند الأُصُوليين باختِلافِ تَعَدُّدِ المَجالِسِ أو عَدَمِ ذلك، وكَونِ الرَّاوي قد انفرَدَ بالزِّيادةِ أو لا، على التَّفصيلِ الآتي:
أوَّلًا: إن عُلمَ تَعَدُّدُ المَجلسِ فتُقبَلُ الزِّيادةُ عند الأُصُوليين
[613] يُنظر: ((الفائق)) لصفي الدين الهندي (2/ 197). . وممَّن حَكَى إجماعَهم على ذلكَ
[614] قال ابنُ النَّجَّارِ: (حَكاه بَعضُهم إجماعًا). ((شرح الكوكب المنير)) (2/ 542). الأبياريُّ
[615] قال: (أن يَتَبَيَّنَ عِندَنا تَعَدُّدُ المَجالِسِ، فلا يَجتَمِعُ مَعَ النَّقَلةِ في مَجلسٍ واحِدٍ، فيَحضُرونَ في مَجلِسٍ، ويَحضُرُ المُنفَرِدُ بالزِّيادةِ في غَيرِه. فهذا لا يُتَصَوَّرُ أن يَكونَ في قَبولِه خِلافٌ). ((التحقيق والبيان)) (2/ 761). ، وابنُ الحاجِبِ
[616] قال: (إن تَعَدَّدَ المَجلِسُ قُبِل باتِّفاقٍ). ((شرح العضد على مختصر ابن الحاجب)) (2/ 474). ، وصَفيُّ الدِّينِ الهِنديُّ
[617] قال: (إنْ عُلِمَ أنَّ المَجلِسَ مُتَعَدِّدٌ، فهاهنا لا خِلافَ في أنَّ الزِّيادةَ مَقبولةٌ، سَواءٌ كانت الزِّيادةُ مُغَيِّرةً لإعرابِ الباقي أو لم تَكُنْ، وسَواءٌ كان السَّاكِتُ عنه واحِدًا أو جَماعةً). (نهاية الوصول) (7/ 2953). قال البِرْماويُّ: (أن يُعلَمَ تَعَدُّدُ المَجلِسِ فيُقبَلَ ما انفرَدَ به. قال الأبياريُّ وابنُ الحاجِبِ والهنديُّ: بلا خِلافٍ). ((الفوائد السنية)) (2/ 737). ، وابنُ مُفلِحٍ
[618] قال ابنُ مُفلحٍ: (إذا انفرَدَ الثِّقةُ الضَّابطُ بزيادةٍ في حَديثٍ -لفظًا أو مَعنًى- قُبِلت إن تَعَدَّدَ المَجلِسُ إجماعًا). ((أصول الفقه)) (2/ 611). .
وذلك لأنَّه لا يَمتَنِعُ أن يَذكُرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الزِّيادةَ في مَجلِسٍ، ويَترُكَها في مَجلسٍ آخَرَ، فيَكونَ راوي الزِّيادةِ قد حَضَرَ المَجلِسَ الذي ذُكِرَت فيه تلك الزِّيادةُ، أمَّا الآخَرُ فلم يَحضُرْ ذلك المَجلِسَ
[619] يُنظر: ((الجامع)) لعبدالكريم النملة (ص: 129). .
ثانيًا: إن جُهِل أنَّ المَجلِسَ مُتَعَدِّدٌ أو مُتَّحِدٌ تُقبَلُ تلك الزِّيادةُ؛ لأنَّ ذاكِرَ تلك الزِّيادة قد تَوفَّرَت فيه شُروطُ الرَّاوي، ومِنها: العَدالةُ والثِّقةُ، فيَتَرَجَّحُ صِدقُه، وإذا تَرَجَّح صِدقُه فيَجِبُ قَبولُ قَولِه
[620] يُنظر: ((الجامع)) لعبدالكريم النملة (ص: 129). .
قال صَفيُّ الدِّينِ الهِنديُّ: (وإن لم يُعلَمْ واحِدٌ مِنهما فالخِلافُ فيه يَنبَغي أن يَكونَ مُرَتَّبًا على الخِلافِ فيما إذا عُلِمَ أنَّ المَجلِسَ واحِدٌ.
والأظهَرُ القَبولُ مُطلقًا؛ لأنَّ المُقتَضيَ لقَبولِ قَولِه -وهو صِدقُه- حاصِلٌ، والمَعارِضُ له غَيرُ مُتَحَقِّقٍ لا قَطعًا ولا ظاهرًا، فوجَبَ القَبولُ. هذا كُلُّه فيما إذا كان المُنفرِدُ بالزِّيادةِ واحِدًا والسَّاكِتُ عنها غَيرُه واحِدًا كان أو جَماعةً)
[621] ((نهاية الوصول)) (7/ 2953). . واختارَه من الأُصُوليين: الآمِديُّ
[622] يُنظر: ((الإحكام)) (2/ 110). ، وابنُ الحاجِبِ
[623] يُنظر: ((شرح العضد على مختصر ابن الحاجب)) (2/ 474). ، وشَمسُ الدِّينِ الأصفهانيُّ
[624] يُنظر: ((بيان المختصر)) (1/ 743). ، والرَّهونيُّ
[625] يُنظر: ((تحفة المسؤول)) (2/ 422). .
ثالثًا: إذا اتَّحَدَ المَجلِسُ وتُصُوِّرَت غَفلةُ مَن فيه عادةً أو جُهِل حالُهم بأن شَكَكنا: هَل كان في المَجلِسِ مَن يُتَصَوَّرُ غَفلتُه أو لا؟ قُبِلَت تلك الزِّيادةُ
[626] يُنظر: ((الإحكام)) للآمدي (2/ 108، 110)، ((روضة الناظر)) لابن قدامة (1/ 359)، ((تيسير التحرير)) لأمير بادشاه (3/ 109). . ويَرَى الأُصُوليُّون أنَّه كاتِّحادِ المَجلِسِ، فيُعطى حُكمَه، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ
[627] قال ابنُ مُفلحٍ: (وإن تُصُوِّرَت غَفلتُهم قُبِلَت، وقاله الجُمهورُ). ((أصول الفقه)) (2/ 611). . ومنهم البِرْماويُّ
[628] ((الدرر السنية)) (2/ 738). ، وابنُ مُفلِحٍ
[629] ((أصول الفقه)) (2/ 611). ، وابنُ النَّجَّارِ
[630] ((شرح الكوكب المنير)) (2/ 542). .
رابعًا: إذا اتَّحَدَ المَجلِسُ ولم يُتَصَوَّرْ غَفلةُ مَن فيه عادةً فهذا زيادَتُه لا تُقبَلُ. وهو الصَّحيحُ عِندَ الأكثَرِ. ونَقَل ابنُ النَّجَّارِ عن بَعضِ العُلماءِ الإجماعَ عليه
[631] قال: (... أنَّه إن اتَّحَدَ المَجلِسُ ولم يُتَصَوَّرْ غَفلةُ مَن فيه عادةً: أنَّ زيادَتَه لا تُقبَلُ، وهذا الصَّحيحُ عِندَ الأكثَرِ. وذَكَرَه بَعضُهم إجماعًا). ((شرح الكوكب المنير)) (2/ 543). ويُنظر: ((الإحكام)) للآمدي (2/ 108- 109)، ((تيسير التحرير)) لأمير بادشاه (3/ 108- 109). .
وقيل: تُقبَلُ زيادةُ الثِّقةِ مُطلقًا، سَواءٌ اتَّحَدَ المَجلِسُ أو تَعَدَّدَ، كثُرَ السَّاكِتونَ أو تَساوَوا. قال الزَّركَشيُّ فيمَن يَقبَلُ زيادةَ الثِّقةِ مُطلَقًا: (ومِن هؤلاء الحاكِمُ وابنُ حِبَّانَ، فقد أخرَجا في كِتابَيهما -اللَّذَينِ التَزَما فيهما الصِّحَّةَ- كثيرًا مِن الأحاديثِ المُتَضَمِّنةِ للزِّيادةِ التي تَفرَّدَ بها راوٍ واحِدٌ، وخالف فيها العَدَدُ والأحفَظُ، وقد اختارَ الخَطيبُ هذا المَذهَبَ، وحَكاه عن جُمهورِ الفُقَهاءِ والمُحَدِّثينَ. وقد نُوزِعَ في نَقلِه ذلك عن جُمهورِ المُحَدِّثينَ)
[632] ((البحر المحيط)) (6/ 243). ويُنظر: ((الكفاية)) للخطيب البغدادي (ص: 425). .
انظر أيضا:
عرض الهوامش