موسوعة أصول الفقه

المَسألةُ الثَّانيةُ: الإجماعُ السُّكوتيُّ


أوَّلًا: مَفهومُ الإجماعِ السُّكوتيِّ
يُقصَدُ بالإجماعِ السُّكوتيِّ: أن يَقولَ بَعضُ المُجتَهدينَ قَولًا في حُكمٍ تَكليفيٍّ، ويَظهَرَ هذا القَولُ للباقينَ ويَسكُتوا عن مُخالفتِه والإنكارِ عليه، مِن غَيرِ أن يَظهَرَ مِنهم أمارةُ رِضًا أو سَخَطٍ بَعدَ مُضيِّ مُدَّةِ التَّأمُّلِ وقَبلَ استِقرارِ المَذاهِبِ [906] يُنظر: ((العدة)) لأبي يعلى (4/1170)، ((نهاية الوصول)) لصفي الدين الهندي (6/2567)، ((البحر المحيط)) للزركشي (6/456). .
ويُسَمِّي الحَنَفيَّةُ الإجماعَ القَوليَّ: عَزيمةً. والسُّكوتيَّ: رُخصةً. قال البَزْدَويُّ: (وأمَّا رُكنُه فنَوعانِ: عَزيمةٌ، ورُخصةٌ؛ أمَّا العَزيمةُ: فالتَّكَلُّمُ مِنهم بما يوجِبُ الاتِّفاقَ مِنهم، أو شُروعُهم في الفِعلِ فيما كان مِن بابِه؛ لأنَّ رُكنَ كُلِّ شَيءٍ ما يَقومُ به أصلُه... وأمَّا الرُّخصةُ: فأن يَتَكَلَّمَ البَعضُ، ويَسكُتَ سائِرُهم بَعدَ بُلوغِهم، وبَعدَ مُضيِّ مُدَّةِ التَّأمُّلِ والنَّظَرِ في الحادِثةِ، وكذلك في الفِعلِ) [907] ((أصول البزدوي)) (ص: 534). .
ثانيًا: حُكمُ الإجماعِ السُّكوتيِّ
لو تَكَلَّمَ المُجتَهدونَ في حُكمٍ تَكليفيٍّ وسَكَتَ الباقونَ بَعدَ أن بَلَغَهم رَأيُ مَن تَكَلَّم ولم يَظهَرْ مِنهم أمارةُ رِضًا أو سَخَطٍ، فمَحَلُّ خِلافٍ بَينَ الأُصوليِّينَ، والمُختارُ أنَّه حُجَّةٌ بشُروطٍ، وهو اختيارُ بَعضِ الحَنَفيَّةِ [908] يُنظر: ((أصول السرخسي)) (1/303)، ((أصول البزدوي)) (ص: 534)، ((كشف الأسرار)) لعلاء الدين البخاري (3/228). ، ومِنهم الشَّاشيُّ [909] يُنظر: ((أصول الشاشي)) (ص:290، 291). ، والدَّبُوسيُّ [910] يُنظر: ((تقويم الأدلة)) (ص:28). ، وبَعضُ الشَّافِعيَّةِ [911] يُنظر: ((الإبهاج)) لابن السبكي ووالده (5/2019)، ((شرح العضد على المختصر)) للإيجي (2/347)، ((تشنيف المسامع)) للزركشي (3/124). ، ومِنهم أبو إسحاقَ الشِّيرازيُّ [912] يُنظر: ((اللمع)) (ص:90). ، وابنُ السَّمعانيِّ [913] يُنظر: ((قواطع الأدلة)) (2/4). ، والحَنابلةُ [914] يُنظر: ((رسالة العكبري في أصول الفقه)) (ص:39)، ((العدة)) لأبي يعلى (4/1170)؛ حَيثُ قال أبو يَعلى: (إذا قال بَعضُ الصَّحابةِ قَولًا وظَهَرَ للباقينَ وسَكَتوا عن مُخالفتِه والإنكارِ عليه حتَّى انقَرَضَ العَصرُ، كان إجماعًا، وهذا ظاهِرُ كَلامِ أحمَدَ رَحِمَه اللهُ في رِوايةِ الحَسَنِ بنِ ثَوابٍ، قال: "أذهَبُ في التَّكبيرِ غَداةَ يَومِ عَرَفةَ إلى آخِرِ أيَّامِ التَّشريقِ، فقيل له: إلى أيِّ شيءٍ تَذهَبُ؟ قال: بالإجماعِ: عُمَرُ، وعليٌّ، وعَبدُ اللَّهِ بنُ مَسعودٍ، وعَبدُ اللَّهِ بنُ عبَّاسٍ. وظاهِرُ هذا: أنَّه جَعَله إجماعًا لانتِشارِه عنهم، ولم يَظهَرْ خِلافُه، وقد صَرَّحَ به أبو حَفصٍ البَرمَكيُّ فيما رَأيتُه بخَطِّه على ظَهرِ الجُزءِ الرَّابعِ مِن شَرحِ مَسائِلِ الكَوسَجِ، فقال: "قال أحمَدُ بنُ حَنبَلٍ رَضِيَ اللهُ عنه في رِوايةِ مُحَمَّدِ بنِ عُبَيدِ اللَّهِ بنِ المُنادي: "أجمَعَ أصحابُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على هذا المُصحَفِ". قال أبو حَفصٍ: فبانَ بهذا أنَّ الصَّحابةَ إذا ظَهَرَ الشَّيءَ مِن بَعضِهم، ولم يَظهَرْ مِن الباقينَ خِلافُهم: أنَّه عِندَه إجماعٌ. وبهذا قال الأثرَمُ مِن أصحابِ أبي حَنيفةَ فيما حَكاه أبو سُفيانَ السَّرَخسيُّ والجُرْجانيُّ. وهو أيضًا قَولُ الأكثَرِ مِن أصحابِ الشَّافِعيِّ). وقال ابنُ قُدامةَ: (إذا قال بَعضُ الصَّحابةِ قَولًا فانتَشَرَ في بَقيَّةِ الصَّحابةِ فسَكَتوا؛ فإن لم يَكُن قَولًا في تَكليفٍ فليسَ بإجماعٍ، وإن كان فعن أحمَدَ رَضِيَ اللهُ عنه ما يَدُلُّ على أنَّه إجماعٌ، وبه قال أكثَرُ الشَّافِعيَّةِ). يُنظر: ((روضة الناظر)) (1/434). ، وغَيرُهم.
واشتَرَطوا لقَولهم شُروطًا، وهيَ الشُّروطُ اللَّازِمةُ لتَحَقُّقِ الإجماعِ السُّكوتيِّ بناءً على مَفهومِه المُتَقدِّمِ، وهيَ [915] يُنظر: ((تشنيف المسامع)) للزركشي (3/128، 129)، ((الفوائد السنية)) للبرماوي (1/430). :
1- أن يَكونَ قَولًا في حُكمٍ تَكليفيٍّ، فقَولُ القائِلِ: عَمَّارٌ رَضِيَ اللهُ عنه أفضَلُ مِن حُذَيفةَ رَضِيَ اللهُ عنه، لا يَدُلُّ السُّكوتُ فيه على شَيءٍ؛ إذ لا تَكليفَ على النَّاسِ فيه [916] يُنظر: ((روضة الناظر)) لابن قدامة (1/434)، ((شرح مختصر الروضة)) للطوفي (3/79)، ((كشف الأسرار)) لعلاء الدين البخاري (3/228). .
2- أن يُعلَمَ أنَّ القَولَ قد بَلغَ جَميعَ أهلِ العَصرِ، وانتَشَرَ بَينَهم ولم يُنكِروا [917] يُنظر: ((كشف الأسرار)) لعلاء الدين البخاري (3/228)، ((البحر المحيط)) للزركشي (6/470474). .
3- ألَّا يَظهَرَ على السَّاكِتينَ أماراتُ السَّخَطِ والغَضَبِ ولا أماراتُ الرِّضا [918] يُنظر: ((نهاية الوصول)) لصفي الدين الهندي (6/2571)، ((البحر المحيط)) للزركشي (6/471، 472). ، فإن ظَهَرَ مِن السَّاكِتينَ أمارةُ الغَضَبِ فلا يُحتَمَلُ مِنهم حينَئِذٍ الموافَقةُ، فلا يَكونُ إجماعًا، وإن ظَهَرَ مِنهم أمارةُ الرِّضا بما ذَهَبَ إليه مَن صَرَّح فهو إجماعٌ بلا خِلافٍ. قال ابنُ السُّبكيِّ: (إن ظَهَرَت عليهم أماراتُ الرِّضا بما ذَهَبوا إليه فهو إجماعٌ بلا خِلافٍ، قاله القاضي عَبدُ الوهَّابِ مِن المالكيَّةِ، والقاضي الرُّويانيُّ مِن أصحابِنا) [919] ((الإبهاج)) (5/2107). ويُنظر: ((البحر المحيط)) للزركشي (6/470). .
4- أن يَمضيَ على السَّاكِتينَ زَمَنٌ يَسَعُ قَدرَ مُهلةِ النَّظَرِ عادةً في تلك المَسألةِ، فلو احتَمَل أنَّ السَّاكِتينَ كانوا ما زالوا في مُهلةِ النَّظَرِ لم يَكُنْ إجماعًا سُكوتيًّا [920] يُنظر: ((كشف الأسرار)) للبخاري (3/228)، ((البحر المحيط)) للزركشي (6/472). .
5-أن يَكونَ قَبلَ استِقرارِ المَذاهِبِ، فأمَّا بَعدَ استِقرارِها فلا أثَرَ للسُّكوتِ قَطعًا؛ لأنَّ سُكوتَهم إنَّما هو لعِلمِ الجَميعِ بمَذهَبِهم ومَذهَبِه، كشافِعيٍّ يُفتي بنَقضِ الوُضوءِ بمَسِّ الذَّكَرِ، فلا يَدُلُّ سُكوتُ الحَنَفيِّ عنه على موافقَتِه؛ لحُصولِ العِلمِ برَأيِ الحَنَفيِّ باستِقرارِ المَذاهِبِ، فلا حاجةَ إلى إظهارِه [921] يُنظر: ((البحر المحيط)) للزركشي (6/472). .
واستَدَلُّوا على ذلك بالآتي:
1- الوُقوعُ؛ حَيثُ إنَّ المُجتَهدينَ مِن التَّابِعينَ كانوا إذا حَدَثَت حادِثةٌ بَينَهم، ولم يَجِدوا حُكمًا لها في نَصٍّ، أو إذا أشكَلَ عليهم مَسألةٌ، فنُقِل إليهم قَولُ صَحابيٍّ مُنتَشِرٌ لم يُنكَرْ، كانوا لا يُجَوِّزونَ العُدولَ عنه؛ فهو إجماعٌ مِنهم على كَونِه حُجَّةً [922] يُنظر: ((روضة الناظر)) لابن قدامة (1/437)، ((شرح مختصر الروضة)) للطوفي (3/84). .
2- لو لم يَدُلَّ سُكوتُ السَّاكِتِ على الرِّضا لتَعَذَّر وُجودُ الإجماعِ بالأصالةِ، أو تَعَذَّرَ وجودُه غالبًا؛ لأنَّ الإجماعَ النُّطقيَّ عَزيزٌ جِدًّا؛ إذ العِلمُ بتَصريحِ كُلِّ واحِدٍ مِن المُجتَهدينَ بحُكمٍ واحِدٍ في واقِعةٍ واحِدةٍ مُتَعَذِّرٌ، لكِنَّ الإجماعَ مَوجودٌ في كثيرٍ مِن مَسائِلِ الشَّرعِ الفرعيَّةِ وغَيرِها بهذا الطَّريقِ، وهو قَولُ البَعضِ وإقرارُ البَعضِ [923] يُنظر: ((روضة الناظر)) لابن قدامة (1/437)، ((شرح مختصر الروضة)) للطوفي (3/83). .
3- القياسُ على حُجِّيَّةِ الإقرارِ مِن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فإنَّ إقرارَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على ما سَمِعَه أو يَراه دَليلٌ على رِضاه وتَصويبِه، فكذلك سُكوتُ المُجتَهدينَ وإقرارُهم؛ لأنَّهم شُهَداءُ اللهِ في الأرضِ بنَصِّ السُّنَّةِ الصَّحيحةِ [924] يُنظر: ((شرح مختصر الروضة)) للطوفي (3/83)، ((الفوائد السنية)) للبرماوي (1/425). ولفظ الحديث: عن أنَسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((مَرُّوا بجِنازةٍ فأثنَوا عليها خَيرًا، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: وجَبَت، ثُمَّ مَرُّوا بأُخرى فأثنَوا عليها شَرًّا، فقال: وجَبَت، فقال عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه: ما وجَبَت؟ قال: هذا أثنَيتُم عليه خَيرًا فوجَبَت له الجَنَّةُ، وهذا أثنَيتُم عليه شَرًّا فوجَبَت له النَّارُ، أنتُم شُهَداءُ اللهِ في الأرضِ)) أخرجه البخاري (1367) واللفظ له، ومسلم (949). .
4- سُكوتُ المُجتَهدينَ ظاهِرٌ في موافقَتِهم؛ إذ يَبعُدُ سُكوتُ الكُلِّ مَعَ اعتِقادِ المُخالَفةِ عادةً؛ إذ لو كان الحُكمُ بخِلافِ ما يَعتَقِدُ لبادَرَ بإظهارِه، وإلَّا كان سُكوتُه تَركًا للأمرِ بالمَعروفِ والنَّهيِ عن المُنكَرِ، فوجَبَ أن يُحمَلَ سُكوتُهم على ما يَحِلُّ وعلى ما تَدُلُّ عليه عَدالتُهم، وهو السُّكوتُ عن الوِفاقِ لا عن الخِلافِ؛ فثَبَتَ أنَّ سُكوتَهم يورِثُ ظَنًّا غالبًا بموافقَتِهم، فيُفيدُ الاتِّفاقُ ظَنًّا، كقَولٍ ظاهرِ الدَّلالةِ غَيرِ قَطعيِّها، وليسَ الظَّنُّ الحاصِلُ به دونَ الحاصِلِ بالقياسِ وظَواهِرِ الأخبارِ؛ فوجَبَ العَمَلُ به [925] يُنظر: ((شرح العضد على المختصر)) للإيجي (2/347). .
5- أنَّ السَّاكِتَ لا يَخلو حالُه مِن أُمورٍ:
أحَدُها: أنَّه لم يَنظُرْ في المَسألةِ.
الثَّاني: أن يَنظُرَ فيها فلا يَتَبَيَّنَ له الحُكمُ.
وكِلاهما خِلافُ الظَّاهرِ؛ لأنَّ الدَّواعيَ مُتَوفِّرةٌ، والأدِلَّةَ ظاهرةٌ، وتَركَ النَّظَرِ خِلافُ عادةِ العُلماءِ عِندَ النَّازِلةِ، ثُمَّ يُفضي ذلك إلى خُلوِّ الأرضِ عن قائِمٍ للهِ بحُجَّتِه.
الثَّالثُ: أن يَسكُتَ تَقيَّةً، فلا يُظهِرَ سَبَبَها، ثُمَّ يُظهِرَ قَولَه عِندَ ثِقاتِه وخاصَّتِه، فلا يَلبَثَ القَولُ أن يَنتَشِرَ.
الرَّابعُ: أن يَكونَ سُكوتُه لعارِضٍ لم يَظهَرْ.
وهو خِلافُ الظَّاهرِ، وهو يُفضي إلى خُلوِّ العَصرِ عن قائِمٍ للهِ بحُجَّتِه.
الخامِسُ: أن يَعتَقِدَ أنَّ كُلَّ مُجتَهِدٍ مُصيبٌ.
فليسَ ذلك قَولًا لأحَدٍ مِن الصَّحابةِ؛ ولهذا عابَ بَعضُهم على بَعضٍ، وأنكَرَ بَعضُهم على بَعضٍ مَسائِلَ انتَحَلوها، ثُمَّ العادةُ: أنَّ مَن يَنتَحِلُ مَذهَبًا يُناظِرُ عليه ويَدعو إليه.
السَّادِسُ: ألَّا يَرى الإنكارَ في المُجتَهداتِ.
وهو بَعيدٌ؛ لأنَّ العادةَ أنَّ مَن يَنتَحِلُ مَذهَبًا يُناظِرُ عليه ويَدعو إليه، فثَبَتَ أنَّ سُكوتَه كان لموافقَتِه [926] يُنظر: ((روضة الناظر)) لابن قدامة (1/436، 437)، ((شرح مختصر الروضة)) للطوفي (3/80-83). .
وقيل: لا يَنعَقِدُ الإجماعُ بقَولِ البَعضِ وسُكوتِ الباقينَ، وهو اختيارُ الغَزاليِّ [927] يُنظر: ((المستصفى)) (ص:151). ، والرَّازيِّ [928] يُنظر: ((المحصول)) (4/153). . وقيل غَيرُ ذلك [929] يُنظر: ((الإجماع)) للباحسين (ص: 178). .
ثالثًا: مَراتِبُ الإجماعِ السُّكوتيِّ
ذَكَر الطُّوفيُّ للإجماعِ السُّكوتيِّ مَرتَبَتَينِ:
الأولى: الإجماعُ السُّكوتيُّ المَنقولُ بالتَّواتُرِ، بأن يُنقَلَ بالتَّواتُرِ تَصريحُ البَعضِ بالحُكمِ في المَسألةِ وسُكوتُ الباقينَ.
الثَّانيةُ: الإجماعُ السُّكوتيُّ المَنقولُ بالآحادِ [930] يُنظر: ((شرح مختصر الروضة)) (3/127، 128). .
وذَكَر العَلائيُّ للإجماعِ السُّكوتيِّ خَمسةَ مَراتِبَ على النَّحوِ التَّالي:
1- أن يُفرَضَ التَّصريحُ مِن البَعضِ والسُّكوتُ مِن البَعضِ في كُلِّ عَصرٍ مِن العُصورِ، فإن كان في العُصورِ التَّاليةِ لاستِقرارِ المَذاهِبِ فلا أثَرَ للسُّكوتِ قَطعًا، وإن كان التَّصريحُ والسُّكوتُ قَبلَ استِقرارِ المَذاهِبِ ففيه خِلافٌ.
2- أن يَكونَ ذلك في عَصرِ الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم، فهو أقوى مِن الأوَّلِ، وأَولى بأن يَكونَ السُّكوتُ مِنهم دَليلًا على الموافَقةِ؛ لعُلوِّ مَرتَبَتِهم في الأمرِ بالمَعروفِ والنَّهيِ عن المُنكَرِ، وعَدَمِ المُداهَنةِ، على مَن بَعدَهم، وإن كان لم يَكُنْ إجماعًا فالظَّاهِرُ أنَّه حُجَّةٌ.
3- أن يَكونَ ذلك فيما يَتَكَرَّرُ وُقوعُه، فهو أولى بأن يَكونَ إجماعًا أو حُجَّةً؛ لأنَّ تلك الاحتِمالاتِ المُقدَّرةَ تَبعُدُ فيه بُعدًا قَويًّا.
4- أن يَكونَ فيما تَعُمُّ به البَلوى، فكَونُ ذلك إجماعًا أقوى مِمَّا قَبلَه وأظهَرُ في الحُجِّيَّةِ؛ لأنَّ انتِشارَ ذلك الحُكمِ مَعَ عُمومِ البَلوى به يَقتَضي عِلمَهم بذلك الحُكمِ وموافقَتَهم فيه، وإلَّا لزِمَ تطابُقُهم على تَركِ إنكارِه.
5- أن يَكونَ فيما يَفوتُ وقتُه، كالدِّماءِ والفُروجِ؛ فاشتِهارُ ذلك بَينَهم مَعَ سُكوتِ الباقينَ عنه يَدُلُّ على الرِّضا أقوى مِمَّا في الصُّوَرِ المُتَقدِّمةِ، إلَّا أنَّ صورَتَه فيما تَعُمُّ به البَلوى ويَتَكَرَّرُ وُقوعُه أظهَرُ، أو الكُلُّ على السَّواءِ [931] يُنظر: ((إجمال الإصابة)) (ص:31-33). .

انظر أيضا: