موسوعة أصول الفقه

الفَرعُ الثَّالثُ: إطلاقاتُ القياسِ


للقياسِ إطلاقاتٌ أُخرى عِندَ عُلماءِ الأُصولِ، ومِنها:
1- إطلاقُ القياسِ على الاجتِهادِ:
ومِن ذلك قَولُ الشَّافِعيِّ: (قال: فما القياسُ؟ أهو الاجتِهادُ أم هما مُتَفرِّقانِ؟ قُلتُ: هما اسمانِ لمَعنًى واحِدٍ) [1069] ((الرسالة)) (ص: 477). .
وقد ذَكَرَ الماوَرديُّ مُرادَ الشَّافِعيِّ، فقال: (الذي قاله الشَّافِعيُّ في هذا الكِتابِ: إنَّ مَعنى الاجتِهادِ مَعنى القياسِ. يُريدُ به أنَّ كُلَّ واحِدٍ مِنهما يُتَوصَّلُ به إلى حُكمٍ غَيرِ مَنصوصٍ عليه.
والفرقُ بَينَ الاجتِهادِ والقياسِ: أنَّ الاجتِهادَ هو... طَلبُ الصَّوابِ بالأماراتِ الدَّالَّةِ عليه، والقياسُ هو الجَمعُ بَينَ الفَرعِ والأصلِ لاشتِراكِهما في عِلَّةِ الأصلِ، فافتَرَقا، غَيرَ أنَّ القياسَ يَفتَقِرُ إلى اجتِهادٍ، وقد لا يَفتَقِرُ الاجتِهادُ إلى القياسِ) [1070] ((أدب القاضي)) (1/489). .
فالمُلاحَظُ هنا أنَّ الشَّافِعيَّ لم يَعنِ اصطِلاحاتِ المُتَأخِّرينَ للقياسِ الأُصوليِّ، وإنَّما قَصَدَ أنَّ أهَمَّ أبوابِ الاجتِهادِ هو القياسُ، وهذا مُستَعمَلٌ في اللُّغةِ والشَّرعِ.
ومِن هنا أنكَرَ الغَزاليُّ إطلاقَ القياسِ على الاجتِهادِ بالاصطِلاحِ الأُصوليِّ المُتَأخِّرِ، فقال: (قال بَعضُ الفُقَهاءِ: القياسُ هو الاجتِهادُ. وهو خَطَأٌ؛ لأنَّ الاجتِهادَ أعَمُّ مِن القياسِ؛ لأنَّه قد يَكونُ بالنَّظَرِ في العُموماتِ، ودَقائِقِ الألفاظِ، وسائِرِ طُرُقِ الأدِلَّةِ سِوى القياسِ، ثُمَّ إنَّه لا يُنبئُ في عُرفِ العُلماءِ إلَّا عن بَذلِ المُجتَهِدِ وُسعَه في طَلَبِ الحُكمِ، ولا يُطلَقُ إلَّا على مَن يُجهِدُ نَفسَه ويَستَفرِغُ الوُسعَ، فمَن حَمَل خَردَلةً لا يُقالُ اجتَهَدَ، ولا يُنبئُ هذا عن خُصوصِ مَعنى القياسِ، بَل عن الجُهدِ الذي هو حالُ القياسِ فقَط) [1071] ((المستصفى)) (ص: 281). .
2- إطلاقُ القياسِ على الاستِدلالِ:
وهو مَنقولٌ عن الشَّافِعيِّ أيضًا؛ فقد نُقِل أنَّه كان يُسَمِّي القياسَ استِدلالًا؛ لأنَّه مَحضُ نَظَرٍ، ويُسَمِّي الاستِدلالَ قياسًا؛ لوُجودِ التَّعليلِ فيه [1072] يُنظر: ((قواطع الأدلة)) للسمعاني (2/71)، ((المعتمد)) لأبي الحسين البصري (2/192)، ((البحر المحيط)) للزركشي (7/13). .
3- إطلاقُ القياسِ على القَواعِدِ العامَّةِ والأُصولِ الكُلِّيَّةِ الثَّابتةِ بأدِلَّةٍ مُتَكاثِرةٍ:
ومِن ذلك قَولُهم: هذا موافِقٌ للقياسِ، وهذا على خِلافِ القياسِ، أي مخالفٌ للقواعِدِ العَامَّةِ [1073] يُنظر: ((مذكرة أصول الفقه)) لمحمد الأمين الشنقيطي (ص: 229). .

انظر أيضا: