موسوعة أصول الفقه

الفَرعُ الأوَّلُ: حُجِّيَّةُ القياسِ


القياسُ في الشَّريعةِ هو الدَّليلُ الرَّابعُ [1074] قال الشَّافِعيُّ: (العِلمُ مِن وجهَينِ: اتِّباعٌ، واستِنباطٌ. والاتِّباعُ: اتِّباعُ كِتابٍ، فإن لم يَكُنْ فسُنَّةٌ، فإن لم تَكُنْ فقَولُ عامَّةِ مَن سَلَفَنا لا نَعلمُ له مُخالفًا. فإن لم يَكُنْ فقياسٌ على كِتابِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ، فإن لم يَكُنْ فقياسٌ على سُنَّةِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فإن لم يَكُنْ فقياسٌ على قَولِ عامَّةِ سَلَفِنا لا مُخالِفَ له. ولا يَجوزُ القَولُ إلَّا بالقياسِ، وإذا قاسَ مَن له القياسُ فاختَلفوا: وَسِعَ كُلًّا أن يَقولَ بمَبلَغِ اجتِهادِه، ولم يَسَعْه اتِّباعُ غَيرِه فيما أدَّى إليه اجتِهادُه بخِلافِه. واللهُ أعلمُ). ((اختلاف الحديث)) (ص:91). وقال أيضًا: (ليسَ لأحَدٍ أبَدًا أن يَقولَ في شَيءٍ: حَلَّ ولا حَرُمَ، إلَّا مِن جِهةِ العِلمِ، وجِهةُ العِلمِ: الخَبَرُ في الكِتابِ، أو السُّنَّةِ، أو الإجماعِ، أو القياسِ). ((الرسالة)) (ص:39). مِن الأدِلَّةِ المُتَّفَقِ على حُجِّيَّتِها، وخِلافُ الظَّاهريَّةِ وغَيرِهم في حُجِّيَّتِه غَيرُ مُعتَبَرٍ؛ لأنَّه خِلافٌ وارِدٌ بَعدَ اتِّفاقٍ على العَمَلِ به، وكُلُّ خِلافٍ وردَ بَعدَ اتِّفاقٍ فهو غَيرُ مُعتَبَرٍ [1075] مِن شُروطِ الخِلافِ المُعتَبَرِ ألَّا يَكونَ وِرادًا بَعدَ اتِّفاقٍ؛ ولذلك لم يُسَلِّمِ الأُصوليُّونَ الخِلافَ الوارِدَ في إنكارِ النَّسخِ؛ فقد نَقَل الغَزاليُّ الإجماعَ على وُجودِ النَّسخِ، ثُمَّ حَكى مُخالفةَ هذا الإجماعِ واصِفًا لها بالشُّذوذِ، فقال: (مُنكِرُ هذا خارِقٌ للإجماعِ، وقد ذَهَبَ شُذوذٌ مِن المُسلمينَ إلى إنكارِ النَّسخِ، وهم مَسبوقونَ بهذا الإجماعِ، فهذا الإجماعُ حُجَّةٌ عليهم). ((المستصفى)) (ص: 89). ، فلا يُعتَدُّ بخِلافِهم في كونِه مَصدَرًا شرعيًّا، وأصلًا مِن أُصولِ الشَّريعةِ المُتَّفَقِ عليها.
قال القُرطُبيُّ: (القائِلونَ به هم الصَّحابةُ والتَّابعونَ، وجُمهورُ مَن بَعدَهم) [1076] ((تفسير القرطبي)) (7/171). .
وما نُقِل عن أحمَدَ مِن إنكارِ القياسِ، وتَبعَه بَعضُ الحَنابلةِ، فهذا لا يَدُلُّ على أنَّه ليسَ بحُجَّةٍ، وإنَّما يَدُلُّ على أنَّه لا يَجوزُ استِعمالُ القياسِ مَعَ النَّصِّ، ولا يُعارِضُ الأخبارَ إذا كانت خاصَّةً أو منصوصةً [1077] يُنظر: ((المسائل الأصولية من كتاب الروايتين والوجهين)) لأبي يعلى (ص: 65). .
فقد نَصَّ أحمَدُ على حاجةِ المُجتَهدِ إليه، فقال: (لا يَستَغني أحَدٌ عن القياسِ، وعلى الإمامِ والحاكِمِ يَرِدُ عليه الأمرُ أن يَجمَعَ له النَّاسَ ويَقيسَ) [1078] ((المسائل الأصولية من كتاب الروايتين والوجهين)) لأبي يعلى (ص: 65). .
وحُجِّيَّةُ القياسِ ثابتةٌ بالأدِلَّةِ مِن الكِتابِ، والسُّنَّةِ، والإجماعِ، والعَقلِ.
أوَّلًا: الأدِلَّةُ مِن القُرآنِ الكَريمِ:
1- الأمثِلةُ القُرآنيَّةُ:
اشتَمَل القُرآنُ على بضعةٍ وأربَعينَ مَثَلًا تَتَضَمَّنُ تَشبيهَ الشَّيءِ بنَظيرِه والتَّسويةَ بَينَهما في الحُكمِ [1079] يُنظر: ((إعلام الموقعين)) لابن القيم (1/277). .
فجاءَ فيه قياسُ النَّشأةِ الثَّانيةِ على النَّشأةِ الأولى في الإمكانِ، وجَعْلُ النَّشأةِ الأولى أصلًا والثَّانيةِ فَرعًا عليها، فقال اللهُ تعالى: قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ [العنكبوت: 20] ، وقال اللهُ تعالى: وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ * عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ * وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ [الواقعة: 60 - 62] .
وفيه قياسُ إحياءِ الأمواتِ بَعدَ المَوتِ على حَياةِ الأرضِ بَعدَ مَوتِها بالنَّباتِ، فقال تعالى: فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الروم: 50] .
وقياسُ الخَلقِ الجَديدِ على خَلقِ السَّمَواتِ والأرضِ، وجَعْلُه مِن قياسِ الأَولى، كما جُعِل قياسُ النَّشأةِ الثَّانيةِ على الأولى مِن قياسِ الأَولى، فقال تعالى: ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا * أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لَا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُورًا [الإسراء: 98-99] .
وقد ضَرَبَ اللهُ تعالى الأمثالَ، وصَرَّفها في الأنواعِ المُختَلفةِ، وكُلُّها أقيِسةٌ عَقليَّةٌ يُنَبِّهُ بها عِبادَه على أنَّ حُكمَ الشَّيءِ حُكمُ مِثلِه؛ فإنَّ الأمثالَ كُلَّها قياساتٌ يُعلَمُ مِنها حُكمُ المُمَثَّلِ مِن المُمَثَّلِ به [1080] يُنظر: ((إعلام الموقعين)) لابن القيم (1/277)، ((شرح مختصر الروضة)) للطوفي (3/249 - 258). .
2- قَولُ اللهِ تعالى: فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ [الحشر: 2] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ حَقيقةَ الاعتِبارِ حَملُ الشَّيءِ على نَظيرِه؛ ليُعرَفَ حُكمُه به. والقياسُ اعتِبارٌ؛ لأنَّه عُبورٌ بالحُكمِ مِن الأصلِ إلى الفَرعِ، كما أنَّ الاعتِبارَ عُبورٌ بالنَّظَرِ مِن حالِ الحاضِرِ إلى حالِ الغائِبِ، والاعتِبارُ مَأمورٌ به كما في الآيةِ الكَريمةِ؛ فثَبَتَ أنَّ القياسَ مَأمورٌ به [1081] يُنظر: ((المعتمد)) لأبي الحسين البصري (2/223)، ((المسائل الأصولية من كتاب الروايتين والوجهين)) لأبي يعلى (ص: 65)، ((قواطع الأدلة)) للسمعاني (2/92)، ((المحصول)) للرازي (5/26)، ((شرح تنقيح الفصول)) للقرافي (ص:385)، ((الإشارات الإلهية)) للطوفي (ص: 631). .
ثانيًا: الأدِلَّةُ مِن السُّنَّةِ
عَلَّمَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أُمَّتَه كيفيَّةَ القياسِ والاستِنباطِ في مَسائِلَ لها أُصولٌ ومَعانٍ في كِتابِ اللهِ ومَشروعِ سُنَّتِه؛ ليُريَهم كيف يَصنَعونَ فيما عَدِموا فيه النُّصوصَ؛ إذ قد عَلِمَ أنَّ اللَّهَ تعالى لا بُدَّ أن يُكمِلَ له الدِّينَ [1082] يُنظر: ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (10/355). .
وقد بَوَّبَ البُخاريُّ في صحيحِه في "كِتابِ الاعتِصامِ بالكِتابِ والسُّنَّةِ" مِنه: (بابُ مَن شَبَّهَ أصلًا مَعلومًا بأصلٍ مُبَيَّنٍ قد بَيَّنَ اللهُ حُكمَهما ليَفهَمَ السَّائِلُ) [1083] قال ابنُ القَيِّمِ: (هذا الذي تَرجَمَه البخاريُّ هو فَصلُ النِّزاعِ في القياسِ، لا كما يَقولُه المُفرِطونَ فيه، ولا المُفرِّطونَ؛ فإنَّ النَّاسَ فيه طَرَفانِ ووسَطٌ؛ فأحَدُ الطَّرَفينِ مَن يَنفي العِلَلَ والمَعانيَ والأوصافَ المُؤَثِّرةَ، ويُجَوِّزُ وُرودَ الشَّريعةِ بالفَرقِ بَينَ المُتَساويَينِ، والجَمعِ بَينَ المُختَلفَينِ، ولا يُثبِتُ أنَّ اللَّهَ سُبحانَه شَرَعَ الأحكامَ لعِلَلٍ ومَصالِحَ، ورَبَطَها بأوصافٍ مُؤَثِّرةٍ فيها مُقتَضيةٍ لها طَردًا وعَكسًا؛ وأنَّه قد يوجِبُ الشَّيءَ ويُحَرِّمُ نَظيرَه مِن كُلِّ وَجهٍ، ويُحَرِّمُ الشَّيءَ ويُبيحُ نَظيرَه مِن كُلِّ وَجهٍ، ويَنهى عن الشَّيءِ لا لمَفسَدةٍ فيه، ويَأمُرُ به لا لمَصلحةٍ بَل لمَحضِ المَشيئةِ المُجَرَّدةِ عن الحِكمةِ والمَصلَحةِ. وبإزاءِ هؤلاء قَومٌ أفرَطوا فيه، وتَوسَّعوا جدًّا، وجَمَعوا بَينَ الشَّيئَينِ اللَّذَينِ فرَّقَ اللَّهُ بَينَهما بأدنى جامِعٍ مِن شَبَهٍ أو طَردٍ أو وَصفٍ يَتَخَيَّلونَه عِلَّةً يُمكِنُ أن يَكونَ عِلَّتَه وأن لا يَكونَ، فيَجعَلونَه هو السَّبَبَ الذي عَلَّقَ اللهُ ورَسولُه عليه الحُكمَ بالخَرصِ والظَّنِّ. وهذا هو الذي أجمَعَ السَّلَفُ على ذَمِّه). ((إعلام الموقعين)) (1/398). . وذَكَرَ تَحتَه حَديثينِ:
1- حَديثُ أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ أعرابيًّا أتى رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: إنَّ امرَأتي ولدَت غُلامًا أسودَ، وإنِّي أنكَرتُه. فقال له رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((هَل لك مِن إبِلٍ؟ قال: نَعَم، قال: فما ألوانُها؟ قال: حُمرٌ، قال: هَل فيها مَن أورَقَ [1084] الأورَقُ: هو الذي فيه سَوادٌ ليسَ بحالِكٍ، بَل يَميلُ إلى الغُبرةِ. يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (9/ 443). ؟ قال: إنَّ فيها لوُرْقًا، قال: فأنَّى تَرى ذلك جاءَها؟! قال: يا رَسولَ اللهِ، عِرقٌ نَزَعَها، قال: ولعَلَّ هذا عِرقٌ نَزَعَه)) [1085] أخرجه البخاري (7314) واللفظ له، ومسلم (1500). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ هذا القَولَ مِن السَّائِلِ فيه تَعريضٌ بالرِّيبةِ، كأنَّه يُريدُ نَفيَ الوَلَدِ، فحَكَم النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بأنَّ الولدَ للفِراشِ، ولم يَجعَلْ خِلافَ الشَّبَهِ واللَّونِ دَلالةً يَجِبُ الحُكمُ بها، ورَدَّ أمرَ الآدَميِّينَ مِن اختِلافِ الخَلقِ والألوانِ إلى ألوانِ الحَيَوانِ، فضَرَبَ له المَثَلَ بما يوجَدُ مِن اختِلافِ الألوانِ في الإبِلِ، وفَحلُها ولِقاحُها واحِدٌ. وفي هذا إثباتُ القياسِ، وبَيانُ أنَّ المُتَشابِهَينِ حُكمُهما مِن حَيثُ اشتَبَها واحِدٌ [1086] يُنظر: ((معالم السنن)) للخطابي (3/272)، ((شرح صحيح البخاري)) للأصبهاني (5/375)، ((إكمال المعلم)) للقاضي عياض (5/96). .
2- حَديثُ ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّ امرَأةً جاءَت إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقالت: إنَّ أُمِّي نَذَرَت أن تَحُجَّ، فماتَت قَبلَ أن تَحُجَّ، أفأحُجُّ عنها؟ قال: ((نَعَم، حُجِّي عنها، أرَأيتِ لو كان على أُمِّك دَينٌ أكُنتِ قاضيَتَه؟ قالت: نَعَم، فقال: فاقضوا الذي له؛ فإنَّ اللَّهَ أحَقُّ بالوَفاءِ)) [1087] أخرجه البخاري (7315). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ في الحَديثِ تَنبيهًا على قياسِ دَينِ اللَّهِ على دَينِ الخَلقِ؛ فقد شَبَّهَ لها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم دَينَ اللهِ بما يُعرَفُ مِن دَينِ العِبادِ، غَيرَ أنَّه قال لها: ((فدَينُ اللَّهِ أحَقُّ))، وهذا هو عَينُ القياسِ عِندَ العَرَبِ، وعِندَ العُلماءِ بمَعاني الكَلامِ [1088] يُنظر: ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (10/361)، ((روضة الناظر)) لابن قدامة (2/174). .
ثالثًا: الإجماعُ
استَعمَل الصَّحابةُ رَضِيَ اللهُ عنهم القياسَ، ولم يُنكِرْه أحَدٌ مِنهم [1089] يُنظر: ((التقريب والإرشاد)) للباقلاني (3/204)، ((المسائل الأصولية من كتاب الروايتين والوجهين)) لأبي يعلى (ص: 66). .
قال ابنُ القَيِّمِ: (كانوا مُتَّفِقينَ على القَولِ بالقياسِ) [1090] ((إعلام الموقعين)) (1/277). .
ومِمَّن نَقلَ إجماعَ الصَّحابةِ على حُجِّيَّةِ القياسِ: ابنُ القَصَّارِ [1091] قال: (الدَّليلُ أيضًا على صِحَّةِ القياسِ، وهو إجماعُ الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم على تَسويغِ بَعضِهم لبَعضٍ القَولَ بالقياسِ، والاستِعمالَ له في الحَوادِثِ). ((المقدمة في الأصول)) (ص: 51). ، وأبو يَعلى [1092] قال: (يَدُلُّ عليه إجماعُ الصَّحابةِ مِن وجهَينِ؛ أحَدُهما: مِن جِهةِ النَّقلِ. والثَّاني: مِن جِهةِ الاستِدلالِ). ((العدة)) (4/1297). ، وابنُ العَرَبيِّ [1093] قال: (الدَّليلُ على صِحَّةِ القَولِ بالقياسِ لا يُحصى عَدُّه، وجُملتُه إجماعُ الصَّحابةِ، وإنكارُه بَهتٌ). ((المحصول)) (ص: 125). وقال القُرطُبيُّ: (القياسُ أصلٌ مِن أُصولِ الدِّينِ، وعِصمةٌ مِن عِصَمِ المُسلمينَ، يَرجِعُ إليه المُجتَهِدونَ، ويَفزَعُ إليه العُلماءُ العامِلونَ، فيَستَنبطونَ به الأحكامَ، وهذا قَولُ الجَماعةِ الذينَ هم الحُجَّةُ، ولا يُلتَفَتُ إلى مَن شَذَّ عنها). ((تفسير القرطبي)) (7/172). .
رابعًا: العَقلُ
استُدِلَّ بالعَقلِ على إثباتِ القياسِ مِن وَجهَينِ:
1- أنَّ القياسَ وضَربَ الأمثالِ مِن خاصِّيَّةِ العَقلِ، وقد رَكَزَ اللهُ في فِطَرِ النَّاسِ وعُقولِهم التَّسويةَ بَينَ المُتَماثِلينِ وإنكارَ التَّفريقِ بَينَهما، والفَرقَ بَينَ المُختَلفَينِ وإنكارَ الجَمعِ بَينَهما [1094] يُنظر: ((إعلام الموقعين)) لابن القيم (1/278). .
2- أنَّ الوحيَ قد انقَطَعَ نُزولُه بمَوتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، والنَّاظِرُ في واقِعِ الحَياةِ يُدرِكُ أنَّ الحَوادِثَ مُتَجَدِّدةٌ لا تَنتَهي إلى قيامِ السَّاعةِ، فلا بُدَّ مِن القياسِ للوُصولِ إلى أحكامِ الوقائِعِ المُتَجَدِّدةِ [1095] يُنظر: ((البرهان)) للجويني (2/3)، ((كشف الأسرار)) لعلاء الدين البخاري (3/271)، ((البحر المحيط)) للزركشي (7/34،33)، ((الدرر اللوامع)) للكوراني (3/191). .

انظر أيضا: