موسوعة أصول الفقه

الفَرعُ الأوَّلُ: أقسامُ القياسِ باعتِبارِ التَّصريحِ بالعِلَّةِ أو عَدَمِه


يَنقَسِمُ بهذا الاعتِبارِ إلى ثَلاثةِ أقسامٍ: قياسُ العِلَّةِ، وقياسُ الدَّلالةِ، والقياسُ في مَعنى الأصلِ [1561] يُنظر: ((الإحكام)) للآمدي (4/4)، ((الفائق)) للهندي (2/321)، ((بيان المختصر)) لشمس الدين الأصفهاني (3/140)، ((شرح الكوكب المنير)) لابن النجار (4/209). .
ووَجهُ هذا التَّقسيمِ [1562] يُنظر: ((الإحكام)) للآمدي (4/4)، ((الغيث الهامع)) لأبي زرعة العراقي (ص: 635). : أنَّه لا يَخلو: إمَّا أن يَكونَ الوَصفُ الجامِعُ بَينَ الأصلِ والفَرعِ قد صُرِّحَ به، أو لم يُصَرَّحْ به:
فإن صُرِّحَ به فلا يَخلو: إمَّا أن يَكونَ هو العِلَّةَ الباعِثةَ على الحُكمِ في الأصلِ، أو لا يَكونُ هو العِلَّةَ، بَل هو دَليلٌ عليها.
فإن كان الأوَّلَ فيُسَمَّى قياسَ العِلَّةِ. وإن كان الثَّانيَ فيُسَمَّى قياسَ الدَّلالةِ.
وإن كان الوَصفُ الجامِعُ لم يُصَرَّحْ به في القياسِ فيُسَمَّى القياسَ في مَعنى الأصلِ. وفيما يَلي بَيانُ هذه الأقسامِ:
الأوَّلُ: قياسُ العِلَّةِ [1563] يُنظر: ((المعونة)) للشيرازي (ص: 36)، ((البحر المحيط)) للزركشي (7/48). : وهو أن يُحمَلَ الفَرعُ على الأصلِ بالعِلَّةِ التي عُلِّقَ الحُكمُ عليها في الشَّرعِ. ويُسَمَّى قياسَ المَعنى، وإنَّما سُمِّيَ قياسَ العِلَّةِ للتَّصريحِ فيه بالعِلَّةِ.
مِثالُه: قياسُ النَّبيذِ على الخَمرِ بجامِعِ الإسكارِ.
الثَّاني: قياسُ الدَّلالةِ [1564] يُنظر: ((بيان المختصر)) لشمس الدين الأصفهاني (3/140)، ((أصول الفقه)) لابن مفلح (3/1302). : وهو ما يُجمَعُ فيه بَينَ الأصلِ والفَرعِ بما يُلازِمُ العِلَّةَ كالرَّائِحةِ المُلازِمةِ للشِّدَّةِ. أو جُمِعَ بَينَ الأصلِ والفَرعِ بأحَدِ موجِبَي العِلَّةِ في الأصلِ لمُلازَمةِ الآخَرِ ليُستَدَلَّ به عليه.
ومِثالُه: قياسُ قَطعِ أيدي جَماعةٍ بيَدِ واحِدٍ، على قَتلِ جَماعةٍ بقَتلِ واحِدٍ، بواسِطةِ اشتِراكِ الأصلِ والفَرعِ في وُجوبِ الدِّيةِ على الجَماعةِ بتَقديرِ إيجابِها.
فإنَّ الجامِعَ -الذي هو وُجوبُ الدِّيةِ على الجَماعةِ- يُلازِمُ العِلَّةَ في الأصلِ، وهيَ القَتلُ العَمدُ العُدوانُ، ووُجوبُ الدِّيةِ عليهم أحَدُ مُوجِبَي القَتلِ العَمدِ العُدوانِ، وموجِبُه الآخَرُ وُجوبُ القِصاصِ عليهم، فقد جَمَعَ بَينَهما بأحَدِ موجِبَي العِلَّةِ، الذي هو وُجوبُ الدِّيةِ؛ ليُستَدَلَّ به مَعَ موجِبِها الآخَرِ، وهو وُجوبُ القِصاصِ عليهم.
الثَّالثُ: قياسٌ في مَعنى الأصلِ [1565] يُنظر: ((المحصول)) للرازي (5/124)، ((الإحكام)) للآمدي (4/4). : وهو ما لم يُصَرَّحْ فيه بالوَصفِ الجامِعِ، وإنَّما جُمِع فيه بَينَ الأصلِ والفَرعِ بنَفي الفارِقِ المُؤَثِّرِ في الحُكمِ.
مِثالُه: قَولُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا يَبولَنَّ أحَدُكُم في الماءِ الرَّاكِدِ)) [1566] أخرجه مسلم (281) من حديثِ جابِرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما، بلفظ: ((نَهى أن يُبالَ في الماءِ الرَّاكِدِ)). ، فيُقاسُ عليه ما إذا بال في إناءٍ ثُمَّ صَبَّه في الماءِ الرَّاكِدِ، ولا تَفاوُتَ بَينَ الحُكمِ في الأصلِ والفرعِ.

انظر أيضا: