الفَرعُ الأوَّلُ: القياسُ في العُقوباتِ
المُرادُ بالعُقوباتِ: الحُدودُ والكَفَّاراتُ
[1665] يُنظر: ((الفصول)) للجصاص (4/106). .
مِثلُ: قياسُ النَّبَّاشِ
[1666] النَّبَّاشُ: اسمٌ لمَن يَنبُشُ القُبورَ، ويَأخُذُ أكفانَ المَوتى. يُنظر: ((الدر النقي في شرح ألفاظ الخرقي)) لابن عبد الهادي (3/ 755). على السَّارِقِ، واللَّائِطِ على الزَّاني
[1667] يُنظر: ((المستصفى)) للغزالي (ص: 331)، ((الواضح)) لابن عقيل (5/344). .
حُكمُ إجراءِ القياسِ في العُقوباتِ:يَجوزُ إجراءُ القياسِ في العُقوباتِ مِن الحُدودِ والكَفَّاراتِ التي لا نَصَّ فيها ولا إجماعَ، فإذا عُقِل المَعنى وجَبَ فيه الحُكمُ بالقياسِ. وهو مَذهَبُ: مالِكٍ
[1668] يُنظر: ((المقدمة)) لابن القصار (ص: 199). ، والشَّافِعيِّ
[1669] قال الشَّافِعيُّ: (لا يُقطَعُ مِن قُطَّاعِ الطَّريقِ إلَّا من أخَذَ قيمةَ رُبعِ دينارٍ فصاعِدًا؛ قياسًا على السُّنَّةِ في السَّارِقِ). ((الأم)) (6/164). ، وأحمَدَ
[1670] يُنظر: ((العدة)) لأبي يعلى (4/1409)، ((أصول الفقه)) لابن مفلح (3/1349). . وهو مَذهَبُ المالكيَّةِ
[1671] يُنظر: ((المقدمة)) لابن القصار (ص: 199)، ((إحكام الفصول)) للباجي (2/628). ، والشَّافِعيَّةِ
[1672] يُنظر: ((نهاية الوصول)) لصفي الدين الهندي (7/3220)، ((البحر المحيط)) للزركشي (7/68). ، والحَنابلةِ
[1673] يُنظر: ((أصول الفقه)) لابن مفلح (3/1348). ، وعَزاه الأصفهانيُّ لأكثَرِ الأُصوليِّينَ
[1674] يُنظر: ((بيان المختصر)) (3/171). ، وحَكاه الصَّنعانيُّ عن الجُمهورِ
[1675] يُنظر: ((إجابة السائل)) (ص: 176). .
الأدِلَّةُ على جَوازِ القياسِ في العُقوباتِ:1- عُمومُ الأدِلَّةِ السَّابقةِ في حُجِّيَّةِ القياسِ؛ فهيَ تَدُلُّ على جَوازِ القياسِ في الأحكامِ الشَّرعيَّةِ مُطلقًا مِن غَيرِ فَصلٍ بَينَ بابٍ وبابٍ؛ فالتَّخصيصُ ببابٍ دونَ بابٍ مُخالفٌ لإطلاقِ تلك الأدِلَّةِ، فكان باطِلًا
[1676] يُنظر: ((نهاية الوصول)) لصفي الدين الهندي (7/3220)، ((الإبهاج)) لابن السبكي ووالده (6/2250). .
ومِن هذه العُموماتِ: قَولُ اللهِ تعالى:
فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ [الحشر: 2] . فأمَرَ بالاعتِبارِ عُمومًا، ولم يُفرِّقْ بَينَ الأحكامِ في الحُدودِ والكَفَّاراتِ وغَيرِها، فهو على عُمومِه في جَميعِها حتَّى يَقومَ دَليلٌ يَمنَعُ مِنه، ولم يَقُمْ دَليلٌ يمنَعُ مِنه؛ فهو جائِزٌ
[1677] يُنظر: ((المقدمة)) لابن القصار (ص: 200). .
2- إجماعُ الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم؛ فإنَّهم أجمَعوا على إلحاقِ شارِبِ الخَمرِ بالقاذِفِ، وهذا قياسٌ في الحُدودِ، ولا شَكَّ في أنَّه قياسٌ؛ إذ ليسَ هو مِن قَبيلِ الاجتِهادِ في النَّصِّ، والبَراءةِ الأصليَّةِ، ولا هو إجماعٌ، فهو إذَن قياسٌ؛ فكان ذلك إجماعًا مِنهم على جَوازِ القياسِ في الحُدودِ
[1678] يُنظر: ((العدة)) لأبي يعلى (4/1410)، ((الواضح)) لابن عقيل (5/342)، ((نهاية الوصول)) لصفي الدين الهندي (7/3220). .
3- أنَّ العُقوباتِ تَثبُتُ بخَبَرِ الواحِدِ، وما جازَ إثباتُه بخَبَرِ الواحِدِ جاز إثباتُه بالقياسِ كذلك؛ لأنَّ القياسَ بمَنزِلةِ خَبَرِ الواحِدِ، بدَليلِ أنَّ كُلَّ واحِدٍ مِنهما يَثبُتُ بالاستِدلالِ، ولأنَّ ما جازَ أن يَثبُتَ به غَيرُ هذه الأحكامِ جازَ أن يَثبُتَ به هذه الأحكامُ
[1679] يُنظر: ((العدة)) لأبي يعلى (4/1411)، ((اللمع)) للشيرازي (ص: 98)، ((التبصرة)) له (ص: 441). .
أمثِلةٌ تَطبيقيَّةٌ للمَسألةِ:يَتَخَرَّجُ على هذه المَسألةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، ومِنها:
1- إيجابُ قَطعِ يَدِ النَّشَّالِ والطَّرَّارِ، وهو مَن يَقطَعُ الجَيبَ ليَأخُذَ ما فيه، فتُقطَعُ يَدُه قياسًا على السَّارِقِ، والجامِعُ بَينَهما: أخذُ مالِ غَيرِه خُفيةً
[1680] يُنظر: ((أصول الفقه على منهج أهل السنة)) للسعيدان (2/640). .
2- إيجابُ قَطعِ يَدِ النَّبَّاش، وهو مَن يَنبُشُ القَبرَ ليَأخُذَ ما فيه مِن الأكفانِ؛ فإنَّه تُقطَعُ يَدُه قياسًا على السَّارِقِ، والجامِعُ بَينَهما أخذُ مالِ غَيرِه خُفيةً مِن حِرزِه
[1681] يُنظر: ((التمهيد)) للإسنوي (ص: 467)، ((إجابة السائل)) للصنعاني (ص: 176)، ((أثر الاختلاف القواعد الأصولية)) للخن (ص: 510). .
3- إيجابُ الكَفَّارةِ على قاتِلِ النَّفسِ عَمدًا قياسًا على القاتِلِ خَطأً؛ لأنَّها وجَبَت في قَتلِ الخَطَأِ، ففي العَمدِ أَولى؛ لأنَّه أكبَرُ جُرمًا، وحاجَتُه إلى تَكفيرِ الذَّنبِ أشَدُّ
[1682] يُنظر: ((التمهيد)) للإسنوي (ص: 467)، ((أثر الاختلاف في القواعد الأصولية)) للخن (ص: 509). .
وقيل: لا يَجوزُ القياسُ في الحُدودِ والكَفَّاراتِ. حَكاه الكَرخيُّ عن أبي حَنيفةَ
[1683] يُنظر: ((بذل النظر)) للأسمندي (ص: 623). ، وهو مَذهَبُ الحَنَفيَّةِ
[1684] يُنظر: ((كشف الأسرار)) لعلاء الدين البخاري (2/221)، ((التقرير والتحبير)) لابن أمير الحاج (1/110). ، ووجهٌ عِندَ الشَّافِعيَّةِ
[1685] يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (16/152). .