موسوعة أصول الفقه

الفَرعُ السَّادِسُ: قادِحُ فسادِ الوَضعِ


المُرادُ به: أن يُعَلَّقَ على العِلَّةِ ضِدُّ ما تَقتَضيه [2032] يُنظر: ((المعونة)) للشيرازي (ص: 111)، ((التمهيد)) للكلوذاني (4/199)، ((الواضح)) لابن عقيل (2/288). .
وقيل: هو أن تُخالِفَ العِلَّةُ أصلًا تَتَقدَّمُ عليه مِن نَصِّ كِتابٍ أو سُنَّةٍ أو إجماعٍ أو قاعِدةٍ كُلِّيَّةٍ [2033] يُنظر: ((المنخول)) للغزالي (ص: 521). .
شَرحُ التَّعريفِ المُختارِ:
مَعناه أن يُبَيِّنَ أنَّ الحُكمَ المُعَلَّقَ على العِلَّةِ تَقتَضي العِلَّةُ نَقيضَه [2034] يُنظر: ((روضة الناظر)) لابن قدامة (2/304). ، أي: أن يَجعَلَ العِلَّةَ وصفًا لا يَليقُ بذلك الحُكمِ [2035] يُنظر: ((أصول الشاشي)) (ص: 352). .
وسُمِّي هذا بفسادِ الوضعِ؛ لأنَّ وضعَ الشَّيءِ مَعناه: جَعلُه في مَحَلٍّ على هَيئةٍ أو كيفيَّةٍ ما، فإذا كان ذلك المَحَلُّ أو تلك الهَيئةُ لا تُناسِبُه كان وَضعُه على خِلافِ الحِكمةِ، وما كان على خِلافِ الحِكمةِ يَكونُ فاسِدًا، فنَقولُ هاهنا: إنَّ العِلَّةَ إذا اقتَضَت نَقيضَ الحُكمِ المُدَّعى أو خِلافَه، كان ذلك مُخالفًا للحِكمةِ؛ إذ مِن شَأنِ العِلَّةِ أن تُناسِبَ مَعلولَها، لا أنَّها تُخالِفُه، فكان ذلك فاسِدَ الوضعِ بهذا الاعتِبارِ [2036] يُنظر: ((شرح مختصر الروضة)) للطوفي (3/472). .
قال الغَزاليُّ: (لستُ أرى لفسادِ الوَضعِ طَريقًا مَضبوطًا سِوى إبانةِ الإخلالِ بشَرطٍ مِن شَرائِطِ العِلَّةِ -أيَّ شَرطٍ كان- فيما يَعودُ إلى الإخالةِ، وتَقَدُّمِ المَرتَبةِ) [2037] ((المنخول)) (ص: 521). .
مِثالُ فسادِ الوضعِ: قَولُ اللهِ تعالى: أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ [الزخرف: 5] فإنَّه يُحتَجُّ به على بُطلانِ فسادِ الوَضعِ في الأقيِسةِ، وهو تَرتيبُ خِلافِ مُقتَضى العِلَّةِ عليها.
وتَقريرُه: أنَّ اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ أنكَرَ تَرتيبَ الإضرابِ والصَّفحِ عنهم على إسرافِهم، كأنَّه قال: إسرافُكُم يُناسِبُ أخذَكُم وتَعذيبَكُم لا الإضرابَ والصَّفحَ عنكُم [2038] يُنظر: ((الإشارات الإلهية)) للطوفي (ص: 570). .
وكذلك قَولُ اللهِ عَزَّ وجَلَّ: مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ [التوبة: 17] ، أي: إنَّ شِركَهم وشَهادَتَهم على أنفُسِهم بالكُفرِ لا يُناسِبُ عِمارَتَهم للمَسجِدِ؛ لأنَّهم رِجسٌ، وإنَّما يُناسِبُ مُجانَبَتَهم المَسجِدَ؛ تَنزيهًا له عن رِجسِهم ونَجَسِهم [2039] يُنظر: ((الإشارات الإلهية)) للطوفي (ص: 570). .
ومِن أمثِلتِه في الفِقهِ: قَولُهم في تَكرارِ مَسحِ الرَّأسِ: إنَّ هذا رُكنٌ في الوُضوءِ، فوجَبَ أن يُسَنَّ تثليثُه، قياسًا على غَسلِ الوَجهِ.
فيَقولُ المُعتَرِضُ: إنَّ هذا فاسِدُ الوَضعِ؛ لأنَّ المَسحَ يُبنى على التَّخفيفِ، وهو مُناسِبٌ له، والتَّثليثُ مِن بابِ التَّغليظِ، فهو مُنافٍ له؛ فكان اشتِراطُ التَّغليظِ فيما بُنيَ على التَّخفيفِ فاسِدًا؛ ولهذا لم يُسَنَّ في مَسحِ الخُفِّ [2040] يُنظر: ((ميزان الأصول)) للسمرقندي (ص770). .
وضابطُ فَسادِ الوَضعِ: أن يَكونَ الدَّليلُ على غَيرِ الهَيئةِ الصَّالحةِ لتَرَتُّبِ الحُكمِ عليه، وقد مَثَّل له الفُقَهاءُ بما تُلُقِّيَ الحُكمُ فيه مِن مُقابِلِه، كأن يَكونَ صالحًا لضِدِّ الحُكمِ أو نَقيضِه؛ كأخذِ التَّوسيعِ مِن التَّضييقِ، والتَّخفيفِ مِن التَّغليظِ، والنَّفيِ مِن الإثباتِ، أو الإثباتِ مِن النَّفيِ. وأن يَكونَ ما جَعَله عِلَّةً للحُكمِ مُشعِرًا بنَقيضِ الحُكمِ المُرَتَّبِ عليه [2041] يُنظر: ((الإحكام)) للآمدي (4/73)، ((البحر المحيط)) للزركشي (7/399)، ((الدرر اللوامع)) للكوراني (3/348)، ((مذكرة أصول الفقه)) لمحمد الأمين الشنقيطي (ص: 447). .
فمِثالُ أخذِ التَّوسيعِ مِن التَّضييقِ: أن يَقولَ الحَنَفيُّ: الزَّكاةُ واجِبةٌ على وَجهِ الإرفاقِ؛ لدَفعِ حاجةِ المِسكينِ، فكانت على التَّراخي؛ قياسًا على الدِّيةِ على العاقِلةِ.
فالتَّراخي الموسَّعُ يُنافي دَفعَ الحاجةِ المُضَيَّقَ؛ فإنَّ كَونَه وجَبَ لدَفعِ الحاجةِ يَقتَضي أن يَكونَ واجِبًا على الفورِ لا على التَّراخي [2042] يُنظر: ((نهاية الوصول)) لصفي الدين الهندي (8/3581)، ((مذكرة أصول الفقه)) لمحمد الأمين الشنقيطي (ص: 447). .
ومِثالُ أخذِ التَّخفيفِ مِن التَّغليظِ: أن يَقولَ المُستَدِلُّ (الحَنَفيُّ) في عَدَمِ وُجوبِ الكَفَّارةِ في القَتلِ العَمدِ: القَتلُ العَمدُ العُدوانُ جِنايةٌ عَظيمةٌ، وكَبيرةٌ مِن الكَبائِرِ، فلا تَجِبُ فيه الكَفَّارةُ؛ قياسًا على بَعضِ الكَبائِرِ كالرِّدَّةِ، والزِّنا، والفِرارِ مِن الزَّحفِ.
فيَقولُ المُعتَرِضُ (الشَّافِعيُّ): قياسُك فاسِدُ الوضعِ؛ لأنَّ العِلَّةَ -وهيَ كونُ القَتلِ كَبيرةً- تَقتَضي التَّغليظَ في العُقوبةِ لا التَّخفيفَ، فعِظَمُ الجِنايةِ يُناسِبُ تَغليظَ الحُكمِ لا تَخفيفَه بعَدَمِ الكَفَّارةِ، وإيجابُ الكَفَّارةِ تَغليظٌ، وإسقاطُها تَخفيفٌ [2043] يُنظر: ((قواطع الأدلة)) للسمعاني (2/203)، ((نهاية الوصول)) لصفي الدين الهندي (8/3581)، ((مذكرة أصول الفقه)) لمحمد الأمين الشنقيطي (ص: 447). .
ومِثالُ أخذِ النَّفيِ مِن الإثباتِ: قَولُ الشَّافِعيِّ في مُعاطاةِ المُحَقَّراتِ: لم يوجَدْ فيها سِوى الرِّضا، فلا يَنعَقِدُ بها البَيعُ، كغَيرِ المُحَقَّراتِ. فالرِّضا يُناسِبُ الانعِقادَ لا عَدَمَه [2044] يُنظر: ((مذكرة أصول الفقه)) لمحمد الأمين الشنقيطي (ص: 447). .
ومِثالُ أخذِ الإثباتِ مِن النَّفيِ: قَولُ مَن يَرى صِحَّةَ انعِقادِ البَيعِ في المُحَقَّراتِ وغَيرِها بالمُعاطاةِ، كالمالكيَّةِ: بَيعٌ لم توجَدْ فيه الصِّيغةُ فيَنعَقِدُ؛ فإنَّ انتِفاءَ الصِّيغةِ يُناسِبُ عَدَمَ الانعِقادِ لا الانعِقادَ [2045] يُنظر: ((مذكرة أصول الفقه)) لمحمد الأمين الشنقيطي (ص: 447). .
أقسامُ فَسادِ الوَضعِ:
يَنقَسِمُ فسادُ الوَضعِ إلى قِسمَينِ:
القِسمُ الأوَّلُ: أن يُرَتِّبَ المُستَدِلُّ على المَعنى الجامِعِ حُكمًا هو ضِدُّ ما يَقتَضيه ذلك المَعنى، كما إذا كان المَطلوبُ الإثباتَ، والقياسُ يَقتَضي النَّفيَ، أو بالعَكسِ، وكَأن يُرَتِّبَ المُستَدِلُّ على المَعنى الجامِعِ حُكمًا خَفيفًا، مَعَ أنَّ هذا المَعنى يَقتَضي التَّغليظَ، أو يُرَتِّبُ عليه حُكمًا واسِعًا وهو يَقتَضي التَّضييقَ [2046] يُنظر: ((الدرر اللوامع)) للكوراني (3/348)، ((المهذب)) لعبد الكريم النملة (5/2242). .
وقد سَبَقَت أمثِلتُه في بَيانِ ضابِطِ فَسادِ الوَضعِ.
القِسمُ الثَّاني: أن يَكونَ الجامِعُ في قياسِ المُستَدِلِّ قد ثَبَتَ اعتِبارُه بنَصٍّ أو إجماعٍ في نَقيضِ ذلك الحُكمِ، والوَصفُ الواحِدُ لا يَثبُتُ به النَّقيضانِ، وإلَّا لم يَكُنْ مُؤَثِّرًا في أحَدِهما؛ لثُبوتِ كُلٍّ مِنها بَدَلَ الآخَرِ [2047] يُنظر: ((بيان المختصر)) لشمس الدين الأصفهاني (3/185)، ((شرح العضد على مختصر ابن الحاجب)) (3/483)، ((الدرر اللوامع)) للكوراني (3/349). قال الكورانيُّ: (اعلَمْ أنَّ القِسمَ الأخيرَ مِن فَسادِ الوَضعِ يُشبِهُ النَّقضَ مِن حَيثُ تَخَلَّف الحُكمُ عن الوَصفِ المُدَّعى عِلِّيَّتُه، إلَّا أنَّ هنا الوَصفَ يُثبِتُ نَقيضُ الحُكمِ، وفي النَّقضِ لا تَعَرُّضَ لذلك، أي: لإثباتِه به، وإن كان الوَصفُ مَوجودًا. ويُشبِهُ القَلبَ مِن حَيثُ إنَّه إثباتُ نَقيضِ الحُكمِ بعِلَّةِ المُستَدِلِّ، إلَّا أنَّه يُفارِقُه مِن حَيثُ إنَّ في القَلبَ إثباتَ النَّقيضِ بأصلٍ آخَرَ. ويُشبِهُ القَدحَ في المُناسَبةِ مِن حَيثُ إنَّه ينفى مُناسَبَتَه للحُكمِ لمُناسَبَتِه لنَقيضِه، إلَّا أنَّه لا يُقصَدُ هنا بَيانُ عَدَمِ مُناسَبةِ الوَصفِ للحُكمِ، بَل بَيانُ بِناءِ نَقيضِ الحُكمِ عليه في أصلٍ آخَرَ). ((الدرر اللوامع)) (3/350). .
مِثالُ الأوَّلِ -وهو ما كان المَعنى الجامِعُ قد ثَبَتَ اعتِبارُه بنَصٍّ في نَقيضِ الحُكمِ- قَولُ المُستَدِلِّ: يَجوزُ بَيعُ الرُّطَبِ بالتَّمرِ؛ لأنَّ النَّقصَ يَحصُلُ بجَفافِ الرُّطَبِ، فلا يَمنَعُ هذا صِحَّةَ البَيعِ؛ قياسًا على بَيعِ التَّمرِ الحَديثِ بالتَّمرِ القديم.
فيَقولُ المُعتَرِضُ: قياسُك هذا فاسِدُ الوضعِ؛ لأنَّ الشَّارِعَ قد رَتَّبَ على العِلَّةِ التي ذَكَرتَها حُكمًا هو نَقيضُ ما رَتَّبتَه عليها في قياسِك، وذلك بالنَّصِّ، وهو أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سُئِل عن بَيعِ الرُّطَبِ بالتَّمرِ، فقال: ((أيَنقُصُ الرُّطَبُ إذا يَبسَ؟ قالوا: نَعَم، قال: فلا إذَنْ)) [2048] أخرجه أبو داود (3359)، والترمذي (1225)، وأحمد (1544) باختلافٍ يسيرٍ من حديثِ سَعدِ بنِ أبي وقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عنه، ولفظُ أحمَدَ: ((سُئِل سَعدٌ عن البَيضاءِ بالسَّلتِ فكَرِهَه، وقال: سَمِعتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُسأَلُ عن الرُّطَبِ بالتَّمرِ، فقال: يَنقُصُ إذا يَبِسَ؟ قالوا: نَعَم. قال: فلا إذًا)). صَحَّحه الترمذي، وابن حبان في ((صحيحه)) (4997)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (6/477)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (3359). ، فهنا جُعِل النَّقصُ بالجَفافِ عِلَّةً لمَنعِ البَيعِ، وعَدَمِ جَوازِه، وما جَعَله الشَّارِعُ عِلَّةً للمَنعِ لا يَجوزُ أن يُجعَلَ عِلَّةً للجَوازِ [2049] يُنظر: ((المهذب)) لعبد الكريم النملة (5/2242). .
ومِثالُ الثَّاني -وهو ما كان المَعنى الجامِعُ قد ثَبَتَ اعتِبارُه بإجماعٍ في نَقيضِ الحُكمِ- قَولُ المُستَدِلِّ: مَسحُ الرَّأسِ مَسحٌ، فاستُحِبَّ تَكرارُه؛ قياسًا على الاستِجمارِ بالحَجَرِ.
فيَقولُ المُعتَرِضُ: قياسُك هذا فاسِدُ الوضعِ؛ لأنَّ الإجماعَ قد رَتَّبَ على هذه العِلَّةِ التي ذَكَرتَها حُكمًا هو نَقيضُ ما رَتَّبتَه عليها مِن حُكمٍ، وذلك في مَسحِ الخُفِّ؛ حَيثُ لا يُستَحَبُّ فيه التَّكرارُ إجماعًا، مَعَ أنَّه مَسحٌ [2050] يُنظر: ((بيان المختصر)) لشمس الدين الأصفهاني (3/185)، ((الدرر اللوامع)) للكوراني (3/349). .
كيفيَّةُ الجَوابِ عن قادِحِ فَسادِ الوَضعِ:
جَوابُ فَسادِ الوَضعِ بأحَدِ أمرَينِ:
فأمَّا جَوابُ المُستَدِلِّ في القِسمِ الأوَّلِ: بتَقريرِ كَونِ الدَّليلِ صالحًا لتَرَتُّبِ الحُكمِ عليه، بأن يَكونَ للوَصفِ جِهَتانِ، نَظَر المُستَدِلُّ فيه مِن إحدى الجِهَتَينِ [2051] يُنظر: ((الدرر اللوامع)) للكوراني (3/350). .
مِثالُه: قَولُ المُستَدِلِّ: القَتلُ عَمدًا مَعنًى يوجِبُ القَتلَ، فلا يوجِبُ الكَفَّارةَ؛ قياسًا على الرِّدَّةِ.
فيَقولُ المُعتَرِضُ: قياسُك هذا فاسِدُ الوضعِ؛ لأنَّك قد رَتَّبتَ على العِلَّةِ التي تَقتَضي التَّشديدَ حُكمًا بالتَّخفيفِ؛ حَيثُ إنَّ عِظَمَ الجِنايةِ -وهيَ القَتلُ- يَقتَضي تَشديدَ الحُكمِ لا تَخفيفَه بعَدَمِ إيجابِ الكَفَّارةِ.
فيُجيبُ المُستَدِلُّ بقَولِه: لم أُرَتِّبْ على العِلَّةِ إلَّا ما اقتَضَته، لا ضِدَّ ذلك؛ لأنَّ تَشديدَ وتَغليظَ عُقوبةِ الجِنايةِ بإيجابِ القِصاصِ قد بَلَغَ الغايةَ في العُقوبةِ، فلا يُغَلَّظُ فيه بوجهٍ آخَرَ بإيجابِ الكَفَّارةِ [2052] يُنظر: ((المهذب)) لعبد الكريم النملة (5/2245). .
وأمَّا الجَوابُ في القِسمِ الثَّاني فبأن يَمنَعَ المستدِلُّ كَونَ عِلَّتِه تَقتَضي نَقيضَ ما عُلِّقَ بها.
أو بأن يُسَلِّمَ ذلك، ولكِن يُبَيِّنُ وُجودَ مانِعٍ في الأصلِ، أو يُبَيِّنُ أنَّ اقتِضاءَها للمَعنى الذي ذَكَرَه هو أرجَحُ مِن المَعنى الآخَرِ، فيُقدَّمُ لرُجحانِه [2053] يُنظر: ((شرح مختصر الروضة)) للطوفي (3/475)، ((الدرر اللوامع)) للكوراني (3/350). .
مِثالُه: ما سَبَقَ مِن أنَّه يُستَحَبُّ تَكرارُ مَسحِ الرَّأسِ؛ قياسًا على الاستِجمارِ بالحَجَرِ.
فيَقولُ المُعتَرِضُ: قياسُك فاسِدُ الوضعِ؛ لأنَّ الإجماعَ قد رَتَّبَ على هذه العِلَّةِ التي ذَكَرتَها حُكمًا نَقيضَ ما رَتَّبتَه عليها مِن حُكمٍ، وذلك في مَسحِ الخُفِّ؛ حَيثُ لا يُستَحَبُّ فيه التَّكرارُ إجماعًا مَعَ أنَّه مَسحٌ.
فيُجيبُ المُستَدِلُّ ببَيانِ المانِعِ مِن التَّكرارِ في مَسحِ الخُفِّ؛ فإنَّ الخُفَّ لتَعَرُّضِه للتَّلفِ كُرِهَ فيه تَكرارُ المَسحِ المُفضي إلى تَلَفِه، فكَونُ الخُفِّ مُتَعَرِّضًا للتَّلَفِ مانِعٌ مِن استِحبابِ تَكرارِ المَسحِ فيه [2054] يُنظر: ((بيان المختصر)) لشمس الدين الأصفهاني (3/185)، ((التقرير والتحبير)) لابن أمير الحاج (3/268)، ((الدرر اللوامع)) للكوراني (3/350). .
وسُؤالُ فَسادِ الوَضعِ هنا نَقضٌ في الحَقيقةِ؛ لأنَّه إثباتٌ للوَصفِ الجامِعِ الذي هو المَسحُ بدونِ الحُكمِ الذي هو استِحبابُ تَكرارِ المَسحِ، إلَّا أنَّ الوَصفَ الجامِعَ هاهنا أثبَتَ نَقيضَ الحُكمِ، فيَكونُ نَقضًا خاصًّا [2055] يُنظر: ((بيان المختصر)) لشمس الدين الأصفهاني (3/185). .

انظر أيضا: