موسوعة أصول الفقه

المَطلَبُ الأوَّلُ: تَعريفُ الاستِقراءِ


أوَّلًا: تَعريفُ الاستِقراءِ لُغةً
الاستِقراءُ: مَصدَرُ استَقرى يَستَقري، يُقالُ: قَرَوتُ البلادَ قَروًا، وقَرَيتُها واقتَرَيتُها واستَقرَيتُها: إذا تَتَبَّعتَها تَخرُجُ مِن أرضٍ إلى أرضٍ تَنظُرُ حالَها وأمرَها، واستَقرَأتُ الأشياءَ: إذا تَتَبَّعتَ أفرادَها لمَعرِفةِ أحوالِها وخَواصِّها، ومادَّةُ (قرى) -يائيَّةً وواويَّةً، مَهموزةً وغَيرَ مَهموزةٍ- تَدورُ على الجَمعِ، ومِن ذلك: القَريةُ، سُمِّيَت قَريةً لاجتِماعِ النَّاسِ فيها [2751] يُنظر: ((تهذيب اللغة)) للأزهري (9/210)، ((الصحاح)) للجوهري (6/2461)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/78)، ((المصباح المنير)) للفيومي (2/500)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (10/ 247)، ((تاج العروس)) للزبيدي (39/ 284). .
ثانيًا: تَعريفُ الاستِقراءِ اصطِلاحًا
الاستِقراءُ في اصطِلاحِ الأُصوليِّينَ: هو تَصفُّحُ أُمورٍ جُزئيَّةٍ ليُحكَمَ بحُكمِها على أمرٍ يَشمَلُ تلك الجُزئيَّاتِ [2752] يُنظر: ((المستصفى)) للغزالي (ص:41). .
وقيل هو: أن يُنظَرَ الحُكمُ في كَثيرٍ مِن أفرادِ الحَقيقةِ، فيُوجَدَ فيها على حالةٍ واحِدةٍ، فيَغلِبَ على الظَّنِّ أنَّه على تلك الحالةِ في جَميعِ أفرادِ الحَقيقةِ [2753] يُنظر: ((تقريب الوصول)) لابن جزي (ص:148). .
شَرحُ التَّعريفِ المُختارِ وبَيانُ مُحتَرَزاتِه [2754] يُنظر: ((الاستقراء وأثره في القواعد الأصولية)) للسنوسي (ص:56، 57). :
-كَلِمةُ "تَصَفُّحُ": تَعني المُلاحَظةَ المُتَكَرِّرةَ على سَبيلِ التَّأنِّي والاستِقصاءِ.
- عِبارةُ "أُمورٍ جُزئيَّةٍ": أي: أفرادٍ مُعَيَّنةٍ في الواقِعِ بمُلاحَظةِ عَوارِضِها.
- عِبارةُ "ليُحكَمَ بحُكمِها": هذا القَيدُ ذُكِرَ للدَّلالةِ على أنَّه لا بُدَّ مِن ثُبوتِ الحُكمِ في الجُزئيَّاتِ، فلا يُحكَمُ على الكُلِّيِّ بحُكمٍ مُتَوهَّمٍ في الجُزئيَّاتِ أو مَعدومٍ، وأيضًا ليَدُلَّ على أنَّ مَصدَرَ الحُكمِ على الكُلِّيِّ هو الحُكمُ الثَّابتُ في الأفرادِ التي لاحَظَها المُستَقري.
- عِبارةُ "على أمرٍ يَشمَلُ تلك الجُزئيَّاتِ": هذا القَيدُ جيءَ به لبَيانِ طَبيعةِ الاستِقراءِ، وهو أنَّ في نَتيجَتِه تَعميمًا للحُكمِ أو تَغليبًا، وذلك بإصدارِ الحُكمِ على أمرٍ له مَفهومٌ كُلِّيٌّ؛ فإنَّ الحُكمَ على العامِّ حُكمٌ على أفرادِه كُلِّها ما لوحِظَ وما لم يُلاحَظْ، كَما أنَّ هذا القَيدَ مُخرِجٌ للحُكمِ على كُلِّيٍّ لا عَلاقةَ بَينَه وبَينَ الجُزئيَّاتِ التي لوحِظَت.
فالاستِقراءُ أن يَتَتَبَّعَ المُجتَهِدُ الحُكمَ في جُزئيَّاتِه، فيَجِدَه على صورةٍ مُعيَّنةٍ، فيَغلِبَ على ظَنِّه أنَّه في صورةِ النِّزاعِ على تلك الحالةِ أيضًا [2755] يُنظر: ((شرح تنقيح الفصول)) للقرافي (ص:448). .

انظر أيضا: