موسوعة أصول الفقه

المَطلَبُ الرَّابعُ: تَطبيقاتٌ فِقهيَّةٌ


1- مِقدارُ الصَّاعِ في زَكاةِ الفِطرِ:
اختَلف الفُقَهاءُ في مِقدارِ الصَّاعِ، على قَولينِ:
القَولُ الأوَّلُ: خَمسةُ أرطالٍ وثُلُثٌ. وهو قَولُ: مالِكٍ [2848]  يُنظر: ((المعونة)) للقاضي عبد الوهاب (1/250). ، والشَّافِعيِّ [2849]  يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (3/382). ، وأحمَدَ [2850]  يُنظر: ((مسائل الإمام أحمد برواية ابنه عبد الله)) (ص: 169). ، وأبي يوسُفَ، وأكثَرِ فُقَهاءِ العِراقِ [2851]  يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (3/90)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/274). .
القَولُ الثَّاني: ثَمانيةُ أرطالٍ. وهو قَولُ أبي حَنيفةَ، ومُحَمَّدٍ [2852]  يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/73)، ((الجوهرة النيرة)) للحداد (1/165). .
فمَن أخَذَ بأقَلِّ ما قيل قال بالقَولِ الأوَّلِ، وهو خَمسةُ أرطالٍ [2853]  يُنظر: ((شرح اللمع)) للشيرازي (2/993)، ((الإبهاج)) لابن السبكي (6/2626). .
2- دِيةُ الكِتابيِّ:
اختَلف العُلماءُ في ديةِ الكِتابيِّ؛ فقيل: ديَتُه كدِيةِ المُسلِمِ، وأخَذَ به الحَنَفيَّةُ [2854] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (26/84)، ((مجمع الأنهر)) لزاده (2/639). ، وقيل: ديَتُه نِصفُ ديةِ المُسلمِ، وهو مَذهَبُ المالِكيَّةِ [2855] يُنظر: ((المعونة)) للقاضي عبد الوهاب (3/1336)، ((المقدمات الممهدات)) لابن رشد (3/295). ، ورِوايةٌ عن أحمَدَ [2856] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (8/398-400). ، وقيل: ديَتُه الثُّلُثُ. وأخَذَ به الشَّافِعيَّةُ [2857] يُنظر: ((نهاية المطلب)) لإمام الحرمين (16/438)، ((الإقناع)) للخطيب الشربيني (2/505)، ((المبدع)) لابن مفلح (7/290). ، وهو رِوايةٌ أُخرى عن أحمَدَ [2858] يُنظر: ((المبدع)) لابن مفلح (7/290)، ((الإنصاف)) للمرداوي (10/65). ، واستَنَدَ الشَّافِعيَّةُ في القَولِ بالثُّلُثِ إلى الأخذِ بأقَلِّ ما قيل في المَسألةِ [2859] ذَكَرَ كَثيرٌ مِنَ العُلماءِ اعتِمادَ الشَّافِعيِّ على الأخذِ بأقَلِّ ما قيل في هذه المَسألةِ، إلَّا أنَّ المُطيعيَّ مَنَعَ ذلك وقال: (القَولُ بأنَّ الشَّافِعيَّ أخَذَ بأقَلِّ ما قيل في ديةِ اليَهوديِّ فاسِدٌ، والحَقُّ أنَّه تَرجيحٌ للعَمَلِ؛ لكَونِه الأقَلَّ مُتَيَقَّنًا، لا أنَّه استِدلالٌ، فهو كالأخذِ بالأصلِ في تَعارُضِ الأشباهِ؛ فإنَّه عِندَ تَعارُضِها يَعمَلُ بما وافقَ الأصلَ، فهو مُرَجحٌ كَما قال الحَنَفيَّةُ في سُؤرِ الحِمارِ، وأمَّا القَولُ بأنَّ الشَّافِعيَّ -وحاشاه- أخَذَ بذلك مُستَدِلًّا بأنَّه الأقَلُّ، وحينَئِذٍ فلا إجماعَ، والبَراءةُ الأصليَّةُ غَيرُ مُتَحَقِّقةٍ ظَنًّا فهو قَولٌ فاسِدٌ لا يَليقُ أن يُنسَبَ إلى هذا الإمامِ الجَليلِ). يُنظر: ((سلم الوصول)) (4/381). وبالرُّجوعِ إلى كِتابِ الأُمّ نَجِدُ أنَّ الشَّافِعيَّ أخَذَ بأقَلِّ ما قيل؛ حَيثُ قال في سياقِ بَيانِه لديةِ المُعاهَدِ: (أمر اللهُ تعالى في المَعاهَدِ يُقتَلُ خَطَأً بديةٍ مُسَلَّمةٍ إلى أهلِه، ودَلَّت سُنَّةُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على ألَّا يُقتَلَ مُؤمِنٌ بكافِرٍ مَعَ ما فرَّقَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ بَينَ المُؤمِنينَ والكافِرينَ، فلم يَجُزْ أن يُحكَمَ على قاتِلِ الكافِرِ إلَّا بديةٍ ولا أن يُنقَصَ مِنها إلَّا بخَبَرٍ لازِمٍ، فقَضى عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ وعُثمانُ بنُ عَفَّانَ -رَضِيَ اللهُ عنهما- في ديةِ اليَهوديِّ والنَّصرانيِّ بثُلثِ ديةِ المُسلِمِ، وقَضى عُمَرُ في ديةِ المَجوسيِّ بثَمانمِائةِ دِرهَمٍ، وذلك ثُلثا عُشرِ ديةِ المُسلِمِ؛ لأنَّه كان يَقولُ: تُقَوَّمُ الدِّيةُ اثنَي عَشَرَ ألفَ دِرهَمٍ، ولم نَعلَمْ أحَدًا قال في دياتِهم أقَلَّ مِن هذا، وقد قيل: إنَّ دِياتِهم أكثَرُ مِن هذا، فألزَمنا قاتِلَ كُلِّ واحِدٍ مِن هؤلاء الأقَلَّ مِمَّا اجتَمَعَ عليه؛ فمَن قَتَل يَهوديًّا أو نَصرانيًّا خَطَأً، وللمَقتولِ ذِمَّةٌ بأمانٍ إلى مُدَّةٍ، أو ذِمَّةٌ بإعطاءِ جِزيةٍ، أو أمانُ ساعةٍ، فقَتَله في وقتِ أمانِه مِنَ المُسلِمينَ، فعليه ثُلُثُ ديةِ المُسلمِ، وذلك ثَلاثٌ وثَلاثونَ مِنَ الإبِلِ وثُلثٌ، ومَن قَتَل مَجوسيًّا أو وثَنيًّا له أمانٌ فعليه ثُلُثا عُشرِ دِيةِ مُسلمٍ، وذلك سِتُّ فرائِضَ وثُلُثَا فَريضةِ مُسلِمٍ). ((الأم)) (6/113). ونَسَبَ إليه هذا القَولَ كذلك: الغَزاليُّ، والسيناونيُّ. قال الغَزاليُّ عن أخذِ الشَّافِعيِّ بهذا الدَّليلِ في مَسألةِ ديةِ الكِتابيِّ: (أخَذَ الشَّافِعيُّ بالثُّلُثِ الذي هو الأقَلُّ، وظَنَّ ظانُّونَ أنَّه تَمَسُّكٌ بالإجماعِ، وهو سوءُ ظَنٍّ بالشَّافِعيِّ رَحِمَه اللهُ؛ فإنَّ المُجمَعَ عليه وُجوبُ هذا القَدْرِ، فلا مُخالِفَ فيه، وإنَّما المُختَلَفُ فيه سُقوطُ الزِّيادةِ، ولا إجماعَ فيه، بَل لو كان الإجماعُ على الثُّلثِ إجماعًا على سُقوطِ الزِّيادةِ لكان موجِبُ الزِّيادةِ خارِقًا للإجماعِ، ولكان مَذهَبُه باطِلًا على القَطعِ، لكِنَّ الشَّافِعيَّ أوجَبَ ما أجمَعوا عليه، وبَحَثَ عن مَدارِكِ الأدِلَّةِ، فلم يَصِحَّ عِندَه دَليلٌ على إيجابِ الزِّيادةِ، فرَجَعَ إلى استِصحابِ الحالِ في البَراءةِ الأصليَّةِ التي يَدُلُّ عليها العَقلُ، فهو تَمسُّكٌ بالاستِصحابِ ودَليلِ العَقلِ لا بدَليلِ الإجماعِ). ((المستصفى)) (ص: 159). وقال السيناونيُّ: (أخذ الشَّافِعيُّ بالثُّلثِ، وهو أقَلَّ ما قيل، وهو دَليلٌ مُرَكَّبٌ مِنَ الإجماعِ والبَراءةِ الأصليَّةِ؛ فإنَّ إيجابَ الثُّلثِ مُجمَعٌ عليه، ووُجوبَ الزِّيادةِ عليه مَرفوعٌ بالبَراءةِ الأصليَّةِ، ولم يَقُمْ دَليلٌ على إيجابِها). ((الأصل الجامع)) (2/ 100). .
3- أسنانُ الإبِلِ في دِيَةِ الخَطَأِ:
فقد ذَهَبَ الأئِمَّةُ الأربَعةُ [2860] يُنظر: ((أصول السرخسي)) (26/76)، ((التلقين)) للقاضي عبد الوهاب (2/189)، ((المغني)) لابن قدامة (8/377). إلى أنَّ ديةَ الخَطَأِ أخماسٌ، وذَهَب إسحاقُ إلى أنَّها أرباعٌ، واستَدَلَّ الشَّافِعيُّ على أنَّها أخماسٌ بالأخذِ بأقَلِّ ما قيل؛ حَيثُ قال: (قدِ اختَلف النَّاسُ فيها، فأُلزِمَ القاتِلُ عَدَدَ مِائةٍ مِنَ الإبِلِ بالسُّنَّةِ، ثُمَّ ما لم يَختَلِفوا فيه، ولا أُلزِمُه مِن أسنانِ الإبِلِ إلَّا أقَلَّ ما قالوا: يَلزَمُه؛ لأنَّ اسمَ الإبِلِ يَلزَمُ الصِّغارَ والكِبارَ. فِديةُ الخَطَأِ أخماسٌ: عِشرونَ بنتَ مَخاضٍ، وعِشرونَ بنتَ لَبونٍ، وعِشرونَ ابنَ لَبونٍ ذَكَرٍ، وعِشرونَ حِقَّةً، وعِشرونَ جَذَعةً) [2861] ((الأم)) (6/122). .
4- إذا سَرَقَ شَخصٌ ثَوبًا وشَهدَ عليه أربَعةُ شُهودٍ؛ اثنانِ مِنهم شَهِدوا بأنَّ قيمَتَه كَذا، وشَهدَ الآخَرانِ بأنَّ قيمَتَه كَذا، وكانت إحدى الشَّهادَتَينِ يَجِبُ فيها القَطعُ، والأُخرى لا يَجِبُ بها القَطعُ، فقال الشَّافِعيُّ: (لا قَطعَ عليه مِن قِبَلِ أنَّا نَدرَأُ الحُدودَ بالشُّبهةِ، وهذا أقوى ما يُدرَأُ به الحَدُّ، ونَأخُذُه بالأقَلِّ مِنَ القيمَتَينِ في الغُرمِ لصاحِبِ السَّرِقةِ) [2862] ((الأم)) (7/55). .





انظر أيضا: