موسوعة أصول الفقه

المَسألةُ الرَّابِعةُ: تَقسيمُ المُفرَدِ إذا نُسِبَ للمَعنى باعتِبارِ وَحدَتِه ووَحدةِ مَدلولِه، وتَعَدُّدِهما


يَنقَسِمُ اللَّفظُ المُفرَدُ بهذا الاعتِبارِ إلى أربَعةِ أقسامٍ؛ لأنَّ اللَّفظَ والمَعنى إمَّا أن يَتَّحِدا، أو يَتَعَدَّدا، أو يَتَعَدَّدَ اللَّفظُ ويَتَّحِدَ المَعنى، أو يَتَّحِدَ اللَّفظُ ويَتَعَدَّدَ المَعنى، فهذه أربَعةُ أقسامٍ:
1- أن يَتَّحِدَ اللَّفظُ والمَعنى: ويُسَمَّى: المُنفرِدَ، وسُمِّي بذلك لانفِرادِ لَفظِه بمَعناه، ويَنقَسِمُ إلى: كُلِّيٍّ، وجُزئيٍّ [56] يُنظر: ((الإبهاج)) لابن السبكي ووالده (3/545)، ((تشنيف المسامع)) للزركشي (1/400)، ((الغيث الهامع)) لأبي زرعة العراقي (ص: 149). ، وقد سَبَقَ بَيانُهما.
2- أن يَتَعَدَّدَ اللَّفظُ والمَعنى: وهيَ: الألفاظُ المُتَبايِنةُ، مِثلُ: الإنسانِ والفرَسِ والبَقَرِ، وغَيرِ ذلك مِنَ الألفاظِ المُختَلِفةِ المَوضوعةِ لمَعانٍ مُختَلِفةٍ، وسُمِّي بذلك لتَبايُنِها في الدَّلالةِ والألفاظِ، فكُلُّ واحِدٍ منها مُبايِنٌ للآخَرِ في مَعناه [57] يُنظر: ((المستصفى)) للغزالي (ص: 26)، ((نهاية الوصول)) لصفي الدين الهندي (1/140)، ((بيان المختصر)) لشمس الدين الأصفهاني (1/159)، ((تشنيف المسامع)) للزركشي (1/403). .
3- أن يَتَعَدَّدَ اللَّفظُ ويَتَّحِدَ المَعنى: وهو الألفاظُ المُتَرادِفةُ، وهيَ الألفاظُ المُختَلِفةُ والصِّيَغُ المُتَوارِدةُ على مُسَمًّى واحِدٍ، مِثلُ: الخَمرِ والعُقارِ، واللَّيثِ والأسَدِ [58] يُنظر: ((المستصفى)) للغزالي (ص: 26)، ((المحصول)) للرازي (1/228)، ((تشنيف المسامع)) للزركشي (1/403). .
4- أن يَتَّحِدَ اللَّفظُ، ويَتَعَدَّدَ المَعنى: وهو عَكسُ الثَّالِثِ، وهذا نَوعانِ:
النَّوعُ الأوَّلُ: أن يوضَعَ اللَّفظُ لمَعنَيَينِ مُختَلِفينِ أو أزيَد وضعًا أوَّليًّا، وهذا هو المُشتَرَكُ، وهو ما يُطلَقُ على مُسَمَّياتٍ مُختَلِفةٍ لا تَشتَرِكُ في الحَدِّ والحَقيقةِ البتَّةَ، مِثلُ: لَفظِ (القُرءِ) للطُّهرِ والحَيضِ، ولَفظِ (العَينِ) للعُضوِ الباصِرِ، وللميزانِ، وللمَوضِعِ الذي يَتَفجَّرُ منه الماءُ، وهيَ العَينُ الفوَّارةُ، وللذَّهَبِ، والشَّمسِ [59] يُنظر: ((المستصفى)) للغزالي (ص: 26)، ((الإحكام)) للآمدي (1/18)، ((بيان المختصر)) لشمس الدين الأصفهاني (1/159)، ((تشنيف المسامع)) للزركشي (1/404). .
النَّوعُ الثَّاني: أن يوضَعَ اللَّفظُ لأحَدِ المَعاني، ثُمَّ يُنقَلُ إلى الثَّاني، وهذا فيه تَفصيلٌ:
أوَّلًا: إن وُضِعَ اللَّفظُ لمَعنًى، ثُمَّ نُقِلَ عنه إلى مَعنًى آخَرَ؛ لعَلاقةٍ، ولَم يَغلِبِ استِعمالُه في المَنقولِ إليه، فهو بالنِّسبةِ إلى المَعنى الأوَّلِ حَقيقةٌ، وإلى الثَّاني مَجازٌ [60] وسيأتي الحديث عنه في مبحث خاص بالمجاز. ، مِثلُ: لَفظِ (الأسَدِ) فإنَّه مَوضوعٌ للحَيَوانِ المُفتَرِسِ، مَنقولٌ إلى الرَّجُلِ الشُّجاعِ؛ للمُناسَبةِ بَينَهما [61] يُنظر: ((المحصول)) للرازي (1/229)، ((بيان المختصر)) لشمس الدين الأصفهاني (1/160)، ((تشنيف المسامع)) للزركشي (1/404)، ((الغيث الهامع)) لأبي زرعة العراقي (ص: 151). .
ثانيًا: إن وُضِعَ اللَّفظُ لأحَدِ المَعاني، ثُمَّ نُقِلَ لغَيرِه بدونِ عَلاقةٍ؛ فإنَّه يُسَمَّى بالمُرتَجَلِ، وقد يُطلَقُ عليه أيضًا المُشتَرَكُ، مِثلُ: جَعفَرٍ، إذا جُعِلَ عَلَمًا لشَخصٍ إنسانيٍّ؛ فجَعفَرٌ في النَّهرِ -الصَّغيرِ أوِ الكَبيرِ- مُرتَجَلٌ، وفي الشَّخصِ عَلَمًا ليس بمُرتَجَلٍ؛ لتَقدُّمِ وَضعِه [62] يُنظر: ((المحصول)) للرازي (1/228)، ((شرح تنقيح الفصول)) للقرافي (ص: 32)، ((الإبهاج)) لابن السبكي ووالده (3/546). ((المهذب)) لعبد الكريم النملة (3/1077). والجَعفَرُ قيل هو: النَّهرُ الكبيرُ الواسِعُ. يُنظر: ((العين)) للخليل (2/ 321). وقيل هو: النَّهرُ الصَّغيرُ. يُنظر: ((الصحاح)) للجوهري (2/ 615). .
ثالِثًا: إن وُضِعَ اللَّفظُ لمَعنًى، ثُمَّ نُقِلَ إلى مَعنًى آخَرَ لعَلاقةٍ، وغَلَبَ استِعمالُه في المَنقولِ إليه، سُمِّي اللَّفظُ منقولًا، وهو بالنِّسبةِ إلى المَعنى الأوَّلِ منقولٌ عنه، وبالنِّسبةِ إلى المَعنى الثَّاني منقولٌ إليه [63] يُنظر: ((المحصول)) للرازي (1/228)، ((الإبهاج)) لابن السبكي ووالده (3/547)، ((تشنيف المسامع)) للزركشي (1/404)، ((الغيث الهامع)) لأبي زرعة العراقي (ص: 151). .
ويَنقَسِمُ المَنقولُ باعتِبارِ النَّاقِلِ إلى ثَلاثةِ أقسامٍ:
لأنَّ النَّاقِلَ: إمَّا الشَّرعُ، أوِ العُرفُ العامُّ، أوِ الخاصُّ [64] يُنظر: ((المحصول)) للرازي (1/229)، ((نهاية الوصول)) لصفي الدين الهندي (1/139)، ((الإبهاج)) لابن السبكي ووالده (3/547)، ((المهذب)) لعبد الكريم النملة (3/1077). :
1- المَنقولُ الشَّرعيُّ: إن كان النَّاقِلُ هو الشَّرعَ، مِثلُ الصَّلاةِ؛ فإنَّها في اللُّغةِ: الدُّعاءُ، ثُمَّ نَقَلَ الشَّرعُ ذلك إلى ذاتِ الأركانِ لعَلاقةٍ.
2- المَنقولُ العُرفيُّ: إن كان النَّاقِلُ هو العُرفَ العامَّ، مِثلُ: الدَّابَّةِ؛ فإنَّها اسمٌ لِما يَدِبُّ على الأرضِ، ثُمَّ نَقَلَ ذلك العُرفُ العامُّ إلى ذاتِ الحافِرِ.
3- المَنقولُ الاصطِلاحيُّ: إن كان النَّاقِلُ هو العُرفَ الخاصَّ، كاصطِلاحِ أهلِ الأُصولِ، مِثلُ: القياسِ، والقَلبِ، والرُّكنِ، واصطِلاحِ أهلِ النَّحوِ، مِثلُ: الرَّفعِ، والنَّصبِ.

انظر أيضا: