موسوعة أصول الفقه

المَطلَبُ الرَّابِعُ: هَلِ الاشتِراكُ خِلافُ الأصلِ؟


والمُرادُ بذلك أنَّ اللَّفظَ إذا دارَ بَينَ الاشتِراكِ وعَدَمِه، كان الأغلَبُ على الظَّنِّ عَدَمَ الاشتِراكِ، فإذا دارَ بَينَ أن يَكونَ مُشتَرَكًا أو مُفرَدًا؛ فإنَّه يُحمَلُ على إفرادِه، كلَفظِ (النِّكاحِ)؛ فإنَّه مُشتَرَكٌ بَينَ الوطءِ وبَينَ سَبَبِه الذي هو العَقدُ، فيُحمَلُ على الوطءِ لا على الاشتِراكِ؛ لذا إن أمكَنَ تَرجيحُ أحَدِ مَعاني المُشتَرَكِ؛ فإنَّه يُحمَلُ عليه، ويُترَكُ الاشتِراكُ [137] يُنظر: ((كشف الأسرار)) للنسفي (1/203)، ((كشف الأسرار)) لعلاء الدين البخاري (1/39)، ((الإبهاج)) لابن السبكي ووالده (3/648)، ((قواعد أصول الفقه)) لصفوان داوودي (1/133). .
الأدِلَّةُ:
1- أنَّ الألفاظَ وُضِعَت للإفهامِ، والِاشتِراكُ يَلزَمُ منه الإجمالُ، وهو مُخِلٌّ بمَقصودِ الوضعِ، فكان على خِلافِ الدَّليلِ والقاعِدةِ؛ لأنَّ الأصلَ أن يوضَعَ اللَّفظُ لمَعنًى واحِدٍ، ولَو كان احتِمالُ الاشتِراكِ مُساويًا لاحتِمالِ الانفِرادِ لَما حَصَلَ التَّفاهمُ بَينَ أربابِ اللِّسانِ حالَ التَّخاطُبِ في أغلَبِ الأحوالِ مِن غَيرِ استِفسارٍ واستِكشافٍ عَمَّا أرادَه المُتَكَلِّمُ؛ فإنَّ الفهمَ يَحصُلُ بمُجَرَّدِ إطلاقِ اللَّفظِ، فكان الغالِبُ على الظَّنِّ حُصولَ الانفِرادِ [138] يُنظر: ((شرح المعالم)) لابن التلمساني (1/175)، ((الإبهاج)) لابن السبكي ووالده (3/648). .
2- أنَّ الاشتِراكَ يُخِلُّ بالفَهمِ في حَقِّ السَّامِعِ؛ لتَرَدُّدِ الذِّهنِ بَينَ مَفهوماتِه، وقد يَتَعَذَّرُ عليه الاستِكشافُ؛ إمَّا لهَيبةِ المُتَكَلِّمِ، أو للِاستِنكافِ مِنَ السُّؤالِ، فيَحمِلُه على غَيرِ المُرادِ، فيَقَعُ في الجَهلِ، ورُبَّما ذَكَرَه لغَيرِه فيَصيرُ ذلك سَبَبًا لجَهلِ جَمعٍ كَثيرٍ [139] يُنظر: ((كشف الأسرار)) لعلاء الدين البخاري (1/39). .
3- لَو تَساوى الاحتِمالانِ لامتَنَعَ الاستِدلالُ بالنُّصوصِ على إفادةِ الظَّنِّ، فضلًا عنِ اليَقينِ؛ لاحتِمالِ أن تَكونَ الألفاظُ مُشتَرَكةً بَينَ ما ظَهَرَ لَنا وبَينَ غَيرِه، وعلى هذا التَّقديرِ يُحتَمَلُ أن يَكونَ المُرادُ غَيرَ ما ظَهَرَ لَنا، فلا يَبقى التَّمَسُّكُ بالأخبارِ والآثارِ مُفيدًا ظَنًّا فَضلًا عن إفادةِ اليَقينِ [140] يُنظر: ((الإبهاج)) لابن السبكي ووالده (3/648). .

انظر أيضا: