موسوعة أصول الفقه

المَطلَبُ السَّابِعُ: حالاتُ اللَّفظِ المُشتَرَكِ عِندَ وُجودِ القَرينةِ أو عَدَمِها


اللَّفظُ المُشتَرَكُ باعتِبارِ وُجودِ القَرينةِ أو عَدَمِها على قِسمَينِ:
القِسمُ الأوَّلُ: أن يَتَجَرَّدَ المُشتَرَكُ عنِ القَرينةِ:
فإذا تَجَرَّدَ اللَّفظُ المُشتَرَكُ عنِ القَرائِنِ العامِلةِ أوِ المُلغيةِ لكُلِّ المَعاني أو لبَعضِها، فإنَّ هذا يَكونُ مجمَلًا عِندَ مَن يَمنَعُ حَملَ المُشتَرَكِ على مَعانيه، فلا يُحمَلُ على شَيءٍ مِنَ المَعاني حتَّى تَقومَ القَرينةُ.
أمَّا عِندَ مَن جَوَّزَ حَملَ المُشتَرَكِ على مَعانيه، فإن جَعَلَه مِن بابِ العُمومِ لَم يَكُنْ عِندَه مُجمَلًا، بَل يَكونُ مَحمولًا على المَعاني التي لا تتضادُّ. وإن جَعَلَه مِن بابِ الاحتياطِ فقد يُقالُ: لا يُنافي الحَملَ على مَعنَيَينِ لأجلِ الاحتياطِ كَونُه مُجمَلًا بالنِّسبةِ إلى الواحِدِ المُعَيَّنِ، ويَكونُ وُجوبُ العَمَلِ به في الجَميعِ لأجلِ الإتيانِ بذلك المُعَيَّنِ، وهذا هو عَينُ الاحتياطِ [161] يُنظر: ((التحصيل)) للأرموي (1/218)، ((الفائق)) لصفي الدين الهندي (1/78)، ((الإبهاج)) لابن السبكي ووالده (3/688)، ((البحر المحيط)) للزركشي (2/382). .
القِسمُ الثَّاني: أن تَقتَرِنَ بالمُشتَرَكِ قَرينةٌ:
وهو على أربَعِ أحوالٍ:
الحالُ الأولى: أن توجَبَ تلك القَرينةُ اعتِبارَ واحِدٍ مُعَيَّنٍ، مِثلُ: إنِّي رَأيتُ عَينًا باصِرةً. فيَتَعَيَّنُ حَملُ ذلك اللَّفظِ على ذلك الواحِدِ قَطعًا.
الحالُ الثَّانيةُ: أن توجِبَ القَرينةُ اعتِبارَ أكثَرَ مِن واحِدٍ، فيَتَعَيَّنُ ذلك الأكثَرُ عِندَ مَن يُجَوِّزُ إعمالَ اللَّفظِ المُشتَرَكِ في مَعنَيَيه؛ لأنَّ القَرينةَ هنا توجِبُ الحَملَ قَطعًا عِندَ مَن يُجَوِّزُه. ويَكونُ مُجمَلًا عِندَ مَن لا يُجَوِّزُه. ومِثالُه: إنِّي رَأيتُ عَينًا صافيةً؛ فإنَّ الصَّفاءَ صِفةٌ مُشتَرَكةٌ بَينَ العَينِ الباصِرةِ، والجاريةِ، والشَّمسِ.
الحالُ الثَّالِثةُ: أن توجِبَ تلك القَرينةُ إلغاءَ بَعضِ مَعانيه، فيَنحَصِرُ المُرادُ في الباقي، أي: يَتَعَيَّنُ ذلك الباقي إن كان واحِدًا.
الحالُ الرَّابِعةُ: أن توجِبَ القَرينةُ إلغاءَ كُلِّ مَعانيه، ففي هذه الحالِ لا يُحمَلُ على شَيءٍ مِن مَعانيه الحَقيقيَّةِ؛ لوُجودِ القَرينةِ المانِعةِ، ولَكِن يُحمَلُ اللَّفظُ على مَجازِه، وحينَئِذٍ لا يَخلو:
إمَّا أن يَكونَ المَجازُ واحِدًا؛ فإنَّه يُحمَلُ عليه.
وإمَّا أن تَكونَ المَجازاتُ مُتَعَدِّدةً، فلا يَخلو:
إمَّا أن تَتَساوى تلك المَجازاتُ، ففي هذه الحالِ يَكونُ اللَّفظُ مُجمَلًا عِندَ مَن مَنَعَ حَملَ اللَّفظِ على جَميعِ مَعانيه، ويُحمَلُ على تلك المَجازاتِ جَميعِها عِندَ مَن جَوَّز استِعمالَه في الكُلِّ.
وإمَّا أن لا تَتَساوى تلك المَجازاتُ، بَل ترَجَّح بَعضُها على البَعضِ الآخَرِ، فإن كان الرَّاجِحُ واحِدًا فإنَّه يُحمَلُ عليه، وإن كان مُتَعَدِّدًا فإنَّه يَكونُ مجمَلًا عِندَ مَن مَنَعَ حَملَ اللَّفظِ على جَميعِ مَعانيه، ويُحمَلُ على الكُلِّ عِندَ مَن جَوَّز حَملَ اللَّفظِ على جَميعِ مَعانيه [162] يُنظر: ((التحصيل)) للأرموي (1/218)، ((الإبهاج)) لابن السبكي ووالده (3/689)، ((نهاية السول)) للإسنوي (ص:117)، ((البحر المحيط)) للزركشي (2/383)، ((تيسير الوصول)) لابن إمام الكاملية (2/325)، ((المهذب)) لعبد الكريم النملة (3/1111). .

انظر أيضا: