موسوعة أصول الفقه

المسألةُ الثَّانيةُ: العَلاقةُ بينَ الواجِبِ والفَرضِ


الواجِبُ والفَرضُ اسمانِ دالَّانِ على مُسَمًّى واحِدٍ [132] يُنظر: ((البحر المحيط)) للزركشي (1/ 240)، ((شرح مختصر الروضة)) للطوفي (1/274). ؛ فهما اسمانِ لِما يَلزَمُ فِعلُه ويُعاقَبُ على تَركِه، وهذا قَولُ المالكيَّةِ [133] يُنظر: ((التقريب والإرشاد)) للباقلاني (1/294). ، والشَّافِعيَّةِ [134] يُنظر: ((شرح اللمع)) للشيرازي (1/285)، ((المستصفى)) للغزالي (ص: 53)، ((المحصول)) للرازي (1/97). ، والصَّحيحُ عِندَ الحنابِلةِ [135] يُنظر: ((التحبير)) للمرداوي (2/836). ويُنظر أيضًا: ((الواضح)) لابن عقيل (3/163، 201)، ((القواعد)) لابن اللحام (ص: 94). .
الأدِلَّةُ:
1- أنَّ اللَّهَ تعالى أطلَقَ اسمَ الفَرضِ على مَعنى الواجِبِ في الجُملةِ، فقال اللهُ عزَّ وجَلَّ: فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ [البقرة: 197] يعني: أوجَبَ فيهن، وقال اللهُ سُبحانَه: وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً [البقرة: 237] ، يعني: أوجَبْتم [136] يُنظر: ((الواضح)) لابن عقيل (1/125). .
2- عن طَلحةَ بنِ عُبَيدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنه قال: جاءَ رَجُلٌ إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فإذا هو يَسألُه عنِ الإسلامِ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((خَمسُ صَلَواتٍ في اليَومِ واللَّيلةِ)) فقال: هل عليَّ غيرُها؟ قال: ((لا، إلَّا أن تَطَّوَّعَ)) الحَديث [137] أخرجه البخاري (2678) واللفظ له، ومسلم (11).
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لَم يَجعَلْ بينَ الفرضِ والتَّطَوُّعِ واسِطةً، بَل الخارِجُ عنِ الفرضِ داخِلٌ في التَّطَوُّعِ [138] يُنظر: ((البحر المحيط)) للزركشي (1/ 240). .
3- أنَّ الفَرضَ والواجِبَ استَويا في الحَدِّ، فوجَبَ أن يَستَويا في عُمومِ الحَقيقةِ؛ فإنَّ حَدَ الواجِبِ: ما يُثابُ على فِعلِه، ويُعاقَبُ على تَركِه إلى غيرِ بَدَلٍ، وحَدُّ الفَرضِ كذلك [139] يُنظر: ((المسائل الأصولية)) لأبي يعلى (ص: 43)، ((الوصول)) لابن برهان (1/78). قال الطُّوفيُّ: (الذي نَصَرَه أكثَرُ الأُصوليِّينَ هو... أنَّ الواجِبَ مُرادِفٌ للفَرضِ، لَكِنَّ أحكامَ الفُروعِ قَد بُنيَت على الفَرقِ بينَهما؛ فإنَّ الفُقَهاءَ ذَكروا أنَّ الصَّلاةَ مُشتَمِلةٌ على فُروضٍ وواجِباتٍ ومَسنوناتٍ، وأرادوا بالفُروضِ الأركانَ، وحُكمُهما مُختَلِفٌ مِن وجهينِ: أحَدُهما: أنَّ طَريقَ الفَرضِ مِنها أقوى مِن طَريقِ الواجِبِ. والثَّاني: أنَّ الواجِبَ يُجبَرُ إذا تُرِك نِسيانًا بسُجودِ السَّهوِ، والفَرضُ لا يَقبَلُ الجَبرَ، وكذا الكلامُ في فُروضِ الحَجِّ وواجِباتِه؛ حيثُ جُبِرَت بالدَّمِ دونَ الأركانِ). ((شرح مختصر الروضة)) (1/ 277). .
وقيلَ: الفرضُ والواجِبُ مُتَبايِنانِ؛ فالفَرضُ: ما ثَبَتَ بدَليلٍ قَطعيٍّ، والواجِبُ: ما ثَبَتَ بدَليلٍ ظَنِّيٍّ، فالفَرضُ آكَدُ مِنَ الواجِبِ. وهي رِوايةٌ عن أحمَدَ بنِ حَنبَلٍ [140] يُنظر: ((المسودة)) لآل تيمية (ص: 50)، ((روضة الناظر)) لابن قدامة (1/104)، ((التحبير)) للمرداوي (2/837). ، وهو قَولُ الحَنَفيَّةِ [141] يُنظر: ((تقويم الأدلة)) للدبوسي (ص: 77)، ((أصول البزدوي)) (ص: 327)، ((أصول السرخسي)) (1/110). .

انظر أيضا: