موسوعة أصول الفقه

المَسألةُ الثَّالثةُ: الصِّيَغُ الدَّالَّةُ على النَّدبِ


الصِّيَغُ الدَّالَّةُ على النَّدبِ كثيرةٌ؛ مِن أهَمِّها:
1- الطَّلَبُ المُقتَرِنُ بقَرينةٍ لَفظيَّةٍ تَدُلُّ على أنَّ الأمرَ للنَّدبِ.
مِثالُه: قَولُ اللهِ تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ فلفظُ: اكْتُبُوهُ أمرٌ صُرِفَ مِنَ الوُجوبِ إلى النَّدبِ بقَرينةٍ في الآيةِ نَفسِها، وهي قَولُ اللهِ تعالى: فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ [البقرة: 283] ، فكِتابةُ الدَّينِ مَندوبةٌ؛ لأنَّ الدَّائِنَ إن وثِقَ بمَدينِه وائتَمَنَه فلا إيجابَ في كِتابةِ الدَّينِ عليه [416] يُنظر: ((علم أصول الفقه)) لخلاف (ص: 111)، ((التفسير المنير)) لوهبة الزحيلي (3/ 119). .
2- عَدَمُ تَرتيبِ العُقوبةِ على تَركِ الفِعلِ، مَعَ طَلَبِه مِنَ الشَّارِعِ.
مِثالُه: قَولُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((نَهيتُكُم عن زيارةِ القُبورِ، فزُوروها)) [417] أخرجه مسلم (977) من حديث بريدة بن الحصيب رَضِيَ اللهُ عنه. فأمَرَ بزيارَتِها ولَم يُعاقِبْ على تَركِ ذلك.
3- مواظَبةُ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على الفِعلِ في مُعظَمِ الأحيانِ، وتَركُه في بَعضِ الأحيانِ؛ ليَدُلَّ على عَدَمِ العِقابِ على التَّركِ.
مِثالُه: السُّنَنُ المُؤَكَّدةُ قَبلَ الصَّلاةِ المَفروضةِ أو بَعدَها.
4- الأساليبُ العَرَبيَّةُ التي تَدُلُّ على عَدَمِ الإلزامِ وعَدَمِ التَّحتيمِ.
مِثالُه: قَولُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَن تَوضَّأ يَومَ الجُمُعةِ فبها ونِعْمَت، ومَنِ اغتَسَلَ فالغُسلُ أفضَلُ)) [418] أخرجه أبو داود (354) باختلاف يسير، والترمذي (497)، والنسائي (1380) واللفظُ لهما من حديثِ سَمُرةَ بنِ جُندَبٍ رَضِيَ اللهُ عنه. صحَّحه ابن خزيمة في ((الصحيح)) (3/238)، وابن الملقن على شرط البخاري في ((خلاصة البدر المنير)) (1/218)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (497). .
فهذا الحَديثُ يَدُلُّ على طَلَبِ الفِعلِ، ولَكِنْ بدونِ إلزامٍ ولا تَحتيمٍ، وبدونِ تَرتيبِ العُقوبةِ على التَّارِكِ، وإنَّما اقتَصَرَ الطَّلَبُ على بيانِ الفَضلِ والتَّرغيبِ في الفِعلِ [419] يُنظر: ((المعتمد)) لأبي الحسين البصري (1/356)، ((علم أصول الفقه)) لخلاف (ص: 111)، ((الوجيز)) لمحمد الزحيلي (1/336). .

انظر أيضا: