موسوعة أصول الفقه

المَسألةُ السَّادِسةُ: انقِسامُ المَندوبِ إلى عينيٍّ وكِفائيٍّ


كما يَنقَسِمُ الواجِبُ إلى عينيٍّ وكِفائيٍّ، فكذلك يَنقَسِمُ المَندوبُ [451] نَبَّهَ القَرافيُّ على ذلك، وقال: (قَصَدتُ بهذه الفائِدةِ التَّنبيهَ على أنَّ النَّدبَ يوصَفُ بالكِفايةِ، وأكثَرُ النَّاسِ إنَّما يَتَخيَّلونَ ذلك في الفُروضِ الواجِبةِ؛ فلذلك نَبَّهتُ عليه) ((شرح تنقيح الفصول)) (ص: 158). .
فالكِفايةُ والأعيانُ كما يَتَصَوَّرانِ في الواجِباتِ يَتَصَوَّرانِ في المَندوباتِ أيضًا.
فالمَندوباتُ على الكِفايةِ: أن يَقَعَ الامتِثالُ لأمرِ الاستِحبابِ بفِعلِ بَعضِ المُكلَّفينَ، ويَكفي فيها مَن قامَ بها، فالمَقصودُ حُصولُها مِن غيرِ نَظَرٍ بالذَّاتِ إلى فاعِلِها [452] يُنظر: ((تشنيف المسامع)) للزركشي (1/257)، ((الضياء اللامع)) لحلولو (1/328). .
أمَّا المَندوباتُ العينيَّةُ: فلا يَقَعُ الامتِثالُ فيها إلَّا بفِعلِ كُلِّ مُكلَّفٍ [453] يُنظر: ((تشنيف المسامع)) للزركشي (1/257)، ((التحبير)) للمرداوي (2/873). .
الفرقُ بينَ الفرضِ على الكِفايةِ والمَندوبِ على الكِفايةِ:
الفرضُ على الكِفايةِ لا يُنافيه الاستِحبابُ في حَقِّ مَن زادَ على القَدرِ الذي سَقَطَ به الفَرضُ. والمَندوبُ على الكِفايةِ يُنافيه الاستِحبابُ فيما زادَ مِن الوَجهِ الذي اقتَضى الاستِحبابَ.
فمَعنى المَندوبِ على الكِفايةِ: أن يَقَعَ الامتِثالُ لأمرِ الاستِحبابِ بفِعلِ البَعضِ، فتَنقَطِعُ دَلالةُ النَّصِّ على الاستِحبابِ فيما زادَ على ذلك، ولا يَبقى مُستَحَبًّا، بَل هو داخِلٌ في حيِّز المُباحِ أو غيرِه [454] يُنظر: ((شرح الإلمام)) لابن دقيق العيد (2/53)، ((البحر المحيط)) للزركشي (1/389). .
أمثِلةُ المَندوباتِ على الكِفايةِ:
التَّسليمُ على المُسلِمينَ، يَعني الابتِداءَ به؛ لأنَّ الابتِداءَ بالسَّلامِ سُنَّةٌ على الكِفايةِ على المَشهورِ عِندَ الفُقَهاءِ، وأمَّا رَدُّ السَّلامِ فهو: فَرضُ كِفايةٍ [455] قال ابنُ دقيقِ العيدِ: (المشهورُ أنَّ ابتداءَ السَّلامِ سُنَّةٌ، وذكَر أبو عُمَرَ بنُ عبدِ البَرِّ فيما حكاه القاضي عنه: أنَّه أجمع العُلَماءُ أنَّ ابتداءَ السَّلامِ سُنَّةٌ، والرَّدَّ فَرضٌ). ((شرح الإلمام)) (2/273). .
وكذلك ما يُفعَلُ بالأمواتِ مِنَ المَندوباتِ، كتَلقينِ المُحتَضَرِ، وتَوجيهِه إلى القِبلةِ، وإغماضِ عَينَيه، وتَحنيطِه.
فهذه مَندوباتٌ يُكتَفى فيها ببَعضِ النَّاسِ، كما اكتُفيَ في الواجِباتِ بالبَعضِ [456] يُنظر: ((رفع الحاجب)) لابن السبكي (1/506)، ((رفع النقاب)) للشوشاوي (2/626). .
أمثِلةُ المَندوباتِ على الأعيانِ:
صَلاةُ الوِترِ، وتَحيَّةُ المَسجِدِ، وصَلاةُ الضُّحى، وصيامُ الأيَّامِ الفاضِلةِ، والطَّوافُ في غيرِ الحَجِّ والعُمرةِ الواجِبَينِ، والصَّدَقاتِ، وغيرِ ذلك.
فهذه المَندوباتُ كُلُّها على الأعيانِ [457] يُنظر: ((شرح تنقيح الفصول)) للقرافي (ص: 158)، ((رفع النقاب)) للشوشاوي (2/630). .

انظر أيضا: