غريبُ الكَلِماتِ:
تُولِجُ: تُدخِل هذا في هذا، إمَّا بالتَّعقيبِ، أو الزِّيادة والنَّقص؛ فما زاد في واحدٍ نقَصَ من الآخَرِ مِثلُه يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 103)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 161)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (6/142)، ((المفردات)) للراغب (ص: 883)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 120)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 323). .
مشكل الإعراب:
قوله قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ:
مَالِكَ: منصوبٌ على أنَّه مُنادى مُضاف، وحُذفتْ أداة النِّداء، والتقديرُ: يا مالكَ الملكِ. وقيل: هو بدَلٌ من (اللهمَّ)، أو عطفُ بيان. وقيل: نعتٌ له يُنظر: ((مشكل إعراب القرآن)) لمكي (1/154)، ((التبيان في إعراب القرآن)) للعكبري (1/250)، ((الدر المصون)) للسمين الحلبي (3/99). .
المَعنَى الإجماليُّ :
أمَر اللهُ سُبحانَه وتَعالَى رسولَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يَدْعوَه معظِّمًا له, مُوكِلًا الأمرَ إليه، فيقول: يا أللهُ، يا مَن لكَ جميعُ المُلك، وجميعُ الأمْر في الدُّنيا والآخِرة، تُصرِّف جميعَ الممالك وتُدبِّرُها, فتُعطي المُلْك من تشاءُ من عِبادك, وتَنزِعه ممَّن تشاء, وتُعِزُّ مَن تشاءُ منهم, وتُذِلُّ مَن تشاء؛ فأنت الخيرُ كلُّه بيديك، لا يُشارِكك فيه أحدٌ, وأنت قادرٌ على كلِّ شيءٍ، فلا شيءَ يمتنع عليك, ولا يحُول بينك وبين ما تُريد حائلٌ، تُدخِل اللَّيل في النَّهار، وتُدخِل النَّهار في اللَّيل, وتُخرِج المخلوقَ الحيَّ من المخلوقِ الميِّتِ, والمخلوقَ الميِّتَ من المخلوقِ الحيِّ, وتهَبُ مَن تشاء ما تشاء مِن الرِّزقِ الواسعِ الكثيرِ بلا حِسابٍ.
تفسير الآيتين:
قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
مُناسَبةُ الآيةِ لِمَا قَبلَها:
لَمَّا أخْبَر تعالى أنَّ الكفَّارَ سيُغلَبون، وأنَّه ليس لهم من ناصرين، كان حالُهم مقتضيًا لأنْ يقولوا: كيف نُغلَبُ مع قوَّتنا وكثرتِنا وقلَّة أعدائِنا وضَعْفِهم؟ فقال الله تعالى يُنظر: ((نظم الدرر في تناسب الآيات والسور)) (4/308). :
قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ
أي: قُلْ- يا محمَّدُ-: يا أللهُ (لا خِلاف أنَّ لفظة (اللهمَّ) معناها يا ألله. وقيل: زِيدت الميم للتعظيم والتفخيم. وهذا القولُ صحيح، ولكن يحتاج إلى تتمَّة، وقائله لحَظَ معنًى صحيحًا لا بدَّ من بيانه، وهو أنَّ الميم تدلُّ على الجمْع وتَقتضيه، ومَخرجُها يَقتضي ذلك. وإذا عُلِم هذا من شأن الميم، فهُم ألْحقوها في آخِر هذا الاسم الذي يُسأل اللهُ سبحانه به في كلِّ حاجة وكلِّ حال؛ إيذانًا بجميعِ أسمائه وصفاتِه؛ فالسائلُ إذا قال: اللهمَّ إني أسألك، كأنه قال: أدعو اللهَ الذي له الأسماء الحسنى والصِّفات العلى بأسمائِه وصفاته، فأتَى بالميمِ المؤذِنةِ بالجمع في آخِرِ هذا الاسم؛ إيذانًا بسؤاله تعالى بأسمائه كلِّها. وهذا القول الذي اخترناه جاءَ عن غيرِ واحدٍ مِن السلف؛ قال الحسن البصري: (اللهمَّ) مَجمَعُ الدعاء، وقال أبو رجاء العطاردي: إنَّ الميم في قوله: (اللهم) فيها تِسعةٌ وتسعون اسمًا من أسماء الله تعالى. وقال النضرُ بن شُمَيل: مَن قال اللهمَّ، فقد دعا الله بجميعِ أسمائه) ((جلاء الأفهام)) لابن القيِّم (ص: 143) بتصرف. ، يا مَن لك الملكُ كلُّه؛ مُلكُ الدُّنيا والآخِرة، فتملِك جميعَ الممالكِ وتُصرِّفها وتُدبِّرها ينظر: ((تفسير ابن جرير)) (5/302)، ((تفسير ابن كثير)) (2/29)، ((تفسير السعدي)) (ص: 126)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/155). .
ثمَّ فصَّل في بعضِ وجوه تصاريفِه وتدابيرِه في مُلكِه فقال:
تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ
أي: تُعطي المُلكَ مَن تشاءُ أنْ تُعطيَه ينظر: ((تفسير ابن جرير)) (5/303)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/156). .
وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ
أي: وتَنزِعُ الملكَ ممَّن تشاءُ أنْ تنزعَه منه؛ فتُزيلُ عنه وصْفَ المُلكِ ينظر: ((تفسير ابن جرير)) (5/303)، ((تفسير ابن عاشور)) (3/213)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/157). .
وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ
أي: وتُعزُّ مَن تشاء أنْ تُعزَّه بطاعتِك، أو بإعطائِه المُلكَ، وبَسْطِ القدرةِ له، أو نَصْرِه، وغير ذلك ينظر: ((تفسير ابن جرير)) (5/304)، ((تفسير السعدي)) (ص: 126)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/157). والإعزازُ سواء قِيل بالطاعة، أو الملك، أو النصر، أو غير ذلك يَنبغي حملُه على التمثيل، وكذلك الإذلال بضد ما ذكَرْنا؛ لأنَّه لا مُخصِّص في الآية، فالذي يقعُ به العزُّ والذلُّ مسكوتٌ عنه. يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (3/86)، ((روح المعاني)) للألوسي (2/110). .
وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ
أي: وتذلُّ مَن تشاءُ أنْ تذلَّه بمعصيتِك، أو بسَلْبِ مُلكِه، وتسليطِ أعدائِه عليه، أو هزيمتِه، وغير ذلك ينظر: ((تفسير ابن جرير)) (5/304)، ((تفسير السعدي)) (ص: 126)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/157). .
بِيَدِكَ الْخَيْرُ
أي: الخيرُ كلُّه بيديك، ليس لأحدٍ معك منه شيءٌ يُنظر: ((شفاء العليل)) لابن القيِّم (ص: 179)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/158). فهذه التصرُّفات كلُّها بيده وكلها خير؛ فسَلْبُه الملك عمَّن يشاء، وإذلاله مَن يشاء خيرٌ، وإنْ كان شرًّا بالنسبة إلى المسلوب الذليل؛ فإنَّ هذا التصرف دائر بين العدل والفضل والحِكمة والمصلحة لا تخرج عن ذلك، وهذا كلُّه خيرٌ يُحمَد عليه الربُّ، ويُثنَى عليه به، كما يُحمد ويُثنى عليه بتنزيهِه عن الشرِّ، وأنَّه ليس إليه. يُنظر: ((شفاء العليل)) لابن القيِّم الموضع السابق. .
وفي حديثِ عليِّ بن أبي طالبٍ، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان يُثْني على ربِّه في دُعاءِ الاستفتاحِ فيقول: ((لبَّيْكَ وسَعْدَيْك، والخيرُ في يَديك، والشَّرُّ ليس إليك )) أخرجه مسلم (771). .
إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
أي: إنَّ الله قديرٌ على كلِّ شيءٍ، على ما شاءَه وما لم يَشَأْه؛ فلا يمتنعُ عليه أمرٌ من الأمور ينظر: ((تفسير ابن جرير)) (5/304)، ((تفسير السعدي)) (ص: 126)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/159). .
تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ
تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ
أي: تُدخِلُ اللَّيلَ في النَّهار، وتُدخِل النَّهارَ في اللَّيل، فتجعلُ ما نَقَصْتَ من ساعاتِ اللَّيل زيادةً في ساعاتِ النَّهار، وما نَقصْتَ من ساعاتِ النَّهار زيادةً في ساعات اللَّيل ينظر: ((تفسير ابن جرير)) (5/304)، ((التفسير الوسيط)) للواحدي (1/427) وعزاه لجميع المفسِّرين، ((تفسير ابن كثير)) (2/30)، ((تفسير ابن عطية)) (1/417) وقال: وتحتمل ألفاظُ الآية أن يَدخُل فيها تعاقبُ الليل والنهار كأنَّ زوالَ أحدهما ولوجٌ في الآخر. .
وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ
أي: وتُخرجُ الإنسانَ الحيَّ والأنعامَ والبهائمَ الأحياءَ من النُّطَف الميتةِ، وتُخرج الزَّرعَ من الحَبَّةِ، والنَّخلةَ من النَّواة, والدَّجاجةَ مِن البيضةِ, والمؤمنَ من الكافِر، إلى غيرِ ذلك ينظر: ((تفسير ابن جرير)) (5/311)، ((تفسير ابن كثير)) (2/29)، ((تفسير السعدي)) (ص: 126)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/164). .
وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ
أي: وتُخرجُ النُّطفةَ الميِّتة من الإنسانِ الحيِّ والأنعامِ والبهائمِ الأحياءِ، وتُخرجُ الحَبَّةَ من الزَّرع، والنَّواةَ من النَّخلةِ، والبيضةَ من الدَّجاجةِ، والكافرَ من المؤمِن، إلى غير ذلك ينظر: ((تفسير ابن جرير)) (5/311)، ((تفسير ابن كثير)) (2/29)، ((تفسير السعدي)) (ص: 126)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/164). لكن يرَى ابنُ جرير: أنَّ تأويلَ مَن تأوَّله بمعنى الحبَّة من السُّنبلة، والسُّنبلة من الحبَّة، والبيضة من الدجاجة، والدجاجة من البيضة، والمؤمن من الكافر، والكافر من المؤمن، وإنْ كان له وجهٌ مفهوم، لكنَّه ليس هو الأغلبَ الظاهر في استعمالِ الناس في الكلام. ((تفسير ابن جرير)) (5/311). .
وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ
أي: وتُعطي مَن تشاءُ من الخَلْقِ الرِّزقَ الواسعَ دون تَقتيرٍ أو تضييقٍ أو مُحاسَبةٍ ينظر: ((تفسير ابن جرير)) (5/313)، ((التفسير الوسيط)) للواحدي (1/427)، ((تفسير القرطبي)) (4/57)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/165). .
الفوائد التربوية :
1- في قوله تعالى: قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ... الآية: تَعليمٌ من الله تعالى لنبيِّه محمَّد صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يفوِّضَ الأمرَ إليه، والخِطاب الموجَّهُ له موجَّهٌ لأمَّته، إمَّا عن طريق التَّأسِّي، وإمَّا لأنَّ الخِطاب للإمام خِطابٌ له ولِمَن اتَّبَعه، ما لم يدلَّ الدَّليلُ على أنَّه خاصٌّ به يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/160). .
2- في قوله تعالى: تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ تقديمُ الإيتاءِ على النَّزع إشارةً إلى أنَّ الداعي يَنبغي أن يبدأَ بالترغيبِ، ووَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ فيه إشارةٌ إلى إنَّ الدعاء باللِّين إنْ لم يُجدِ ثُنِّي بالترهيب ينظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (4/314). .
3- من قوله تعالى: وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ يُؤخَذ أنَّ اللهَ سبحانه وتعالى تامُّ الملك والسُّلطان؛ لكونه يُذِلُّ مَن يشاء، ولو بلَغ ما بلغ من العِزَّة البشريَّة؛ فإنَّ يدَ الله فوقَه مهما بلَغ الإنسانُ مِن العزِّ؛ فالله قادرٌ على إذلاله يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/161). .
4- أنَّ الله سبحانه وتعالى بيده الخيرُ, فإذا كان كذلك فإنَّه لا يُطلَب الخيرُ إلَّا منه؛ لأنَّه لا أحدَ بيده الخيرُ إلَّا هو؛ كما في قوله تعالى: بِيَدِكَ الْخَيْرُ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/161). .
5- في قوله تعالى: تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ بيانُ ضَعْفِ الإنسان وحاجتِه؛ فإيلاجُ اللَّيل في النَّهار والعكس، وما يَنتجُ عنه من تقلُّبٍ في الفصول يُعرِّفُ الإنسانَ بمدَى ضَعْفِه وافتقارِه إلى ربِّه, فإنْ جاءَ البردُ احتاج إليه، وإنْ جاء الحرُّ احتاج إليه يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/167). .
6- في قوله: وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ أنَّ الرِّزقَ بيد الله؛ وعليه فإنَّه يَنبغي للعاقل فضلًا عن المؤمن، ألَّا يَطلُبَ الرِّزق مِن أيدي النَّاس، وإنَّما يَطلُبه من الله عزَّ وجلَّ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/168). .
الفَوائدُ العِلميَّةُ واللَّطائِف:
1- في قوله: تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ تعريضٌ بأهلِ الكتاب، بأنَّ إعراضَهم إنَّما هو حسَدٌ على زوالِ النُّبوَّة وانقراضِ المُلكِ منهم، مع الإيماءِ إلى أنَّ الشَّريعةَ الإسلاميَّة مُقارِنةٌ للسُّلطان والمُلك يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (3/212). .
2- في قوله: تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ، تسليةٌ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في مقامِ بَيانِ عِنادِ المنكِرين، ومكابَرة الجاحدين، وتذكيرِه بقُدرتِه تعالى على نَصرِه وإعلاءِ كَلمةِ دِينه يُنظر: ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (3/222). .
3- في قوله تبارَك وتعالَى: تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ، إشارةٌ إلى أنَّه لا تلازُمَ بين العزِّ والمُلك؛ فقد يكون الملِكُ ذليلًا إذا ضَعُف استقلالُه بسوءِ السِّياسةِ وفسادِ التدبير، حتَّى صارتِ الدُّولُ الأخرى تَفْتاتُ عليه يُنظر: ((تفسير المنار)) (3/223). .
4- في قوله تبارَك وتعالَى: تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ أنَّ الثناءَ ممَّا يُتوسَّل به إلى الله، وهو في الآية يتضمَّنُ ما تدلُّ عليه هذه الجملةُ, فإذا أثنيتَ على الله بأنَّه يُعِزُّ مَن يشاء، فأنت تسألُه العزَّة يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/162). .
5- في قوله تعالى: بِيَدِكَ الْخَيْرُ تنزيهُ اللهِ عن نِسبة الشَّرِّ إليه، بل كلُّ ما نُسِب إليه فهو خيرٌ، والشَّرُّ إنَّما صار شرًّا؛ لانقطاع نسبتِه وإضافتِه إليه، فلو أُضيف إليه لم يكن شرًّا، وهو سبحانه خالقُ الخيرِ والشَّرِّ؛ فالشَّرُّ في بعض مخلوقاتِه لا في خَلقِه وفِعلِه؛ فخَلْقُه وفعلُه وقضاؤُه وقدَرُه خيرٌ كلُّه يُنظر: ((شفاء العليل)) لابن القيِّم (ص: 179)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/158). .
بلاغة الآيتين:
1- قوله تعالى: مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ:
- تُؤْتِي المُلْكَ مَن تَشَاءُ: عبَّر بالإيتاءِ؛ للدَّلالةِ على أنَّه نِيلَ من الله تعالى من غير قوَّةٍ وغلبةٍ ولا مطاولةٍ فيه، ولإفهامِ مجرَّد الإعطاءِ على (التمليك) المؤذِن بثُبوتِ المالكيَّةِ حقيقةً؛ فإنَّ المُلك حقيقةً هو لله وحْدَه يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (4/311)، ((تفسير أبي السعود)) (2/21)، ((تفسير القاسمي)) (2/302). .
- قوله: بِيَدِكَ الخَيْرُ: فيه تقديمٌ وتأخيرٌ؛ لإفادةِ الحَصر، كأنَّه قال: بيَدِك الخيرُ لا بيدِ غيرِك يُنظر: ((تفسير الرازي)) (8/190). .
- وتعريفُ (الخير)؛ للتعميمِ يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (2/21). .
- قوله تعالى: مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ: فيه تكرار (الـمُلك) في جُمَل عديدة؛ للتَّفخيم والتَّعظيم- إنْ كان المرادُ واحدًا- وإنِ اختَلف المرادُ، كان مِن تَكرار اللَّفْظ يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (3/90). ، وفيه تكرارُ مَنْ تَشَاءُ أيضًا؛ للتأكيدِ يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (3/91). .
- قوله تعالى: إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ: هذا كالتأكيدِ لِمَا تقدَّم من كونِه مالكًا لإيتاءِ المُلك ونَزْعِه، والإعزازِ والإذلال يُنظر: ((تفسير الرازي)) (8/190). ، مع ما فيه مِن التأكيد بـ(إنَّ)، واسميَّة الجملة، وتقديم الجارِّ والمجرور عَلَى كُلِّ يُنظر: ((دليل البلاغة القرآنية)) للدبل (ص: 410- 411). .
2- قوله تعالى: وَتُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ، وقوله: وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ: فيهما وفي متعلِّقيهما (الليل والنهار- والحي والميِّت) تَكرارٌ أيضًا، وردُّ الأعجازِ على الصُّدور، والصُّدورِ على الأعجازِ، مِثل قولهم: (عاداتُ السَّاداتِ ساداتُ العاداتِ)، وهو مِن مَحاسِن البديعِ يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (3/91)، ((الدر المصون)) للسمين الحلبي (3/106). .