غريب الكلمات:
نَكَثُوا: أي: نَقَضوا، وأصلُ (نكث): يدلُّ على نَقضِ شَيءٍ [138] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/362)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 462، 507)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 117) .
نَكَثُوا: أي: نَقَضوا، وأصلُ (نكث): يدلُّ على نَقضِ شَيءٍ [138] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/362)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 462، 507)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 117) .
يُخبِرُ تعالى أنَّ المُشرِكينَ استبدَلوا بآياتِ اللهِ شَيئًا قليلًا مِن عَرَضِ الدُّنيا، فصَدُّوا أنفسهم عن قبولِ الحقِّ واتباعِه، وصدُّوا غيرَهم من النَّاسِ عن الدُّخولِ في الإسلامِ، وحاولوا ردَّ مَن أسلَمَ عن اتِّباعِ الحَقِّ، إنَّهم ساء ما كانوا يعملونَ؛ لا يُراعُونَ في مؤمِنٍ قَدَرُوا عليه اللهَ ولا قَرابةً ولا عَهدًا، وأولئك هم المُعتَدونَ.
ثم يُخاطِبُ المؤمنينَ قائِلًا لهم: فإنْ تاب المُشرِكونَ، وأدَّوُا الصَّلاةَ المفروضةَ على وجهِها الأكمَلِ، وأعطَوُا الزَّكاةَ الواجِبةَ لِمُستحِقِّيها، فهم إخوانُكم في الإسلامِ، ونُبَيِّنُ الآياتِ لِقَومٍ يَعلمونَ، وإنْ نَقَضوا عُهودَهم من بعدِ ما عاهَدُوكم، وقَدَحوا في دينِكم وانتَقَصوه، فقاتِلُوا رُؤَساءَ الكُفرِ؛ إنَّهم لا عُهودَ لهم صادقةً يُوفونَ بها؛ لعلَّهم يَنتَهونَ عَن الكُفرِ والضَّلالِ.
اشْتَرَوْاْ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (9).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
أنَّه لَمَّا كشَفَ تعالى سرائِرَهم؛ شرعَ سبحانه يُقيمُ لهم الدَّليلَ على فِسقِهم وخِيانَتِهم، بتَذكيرِهم ما بدا مِن بَعضِهم مِن النَّقضِ، بعد أن أثبَتَ فيما مضى أنَّهم شَرعٌ واحِدٌ [139] أي: سواء، لا يفوقُ بعضُهم بعضًا. يُنظر: ((لسان العرب)) لابن منظور (8/178). ، بعضُهم أولياءُ بَعضٍ [140] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (8/385). .
وأيضا فهذا بيانٌ مُستأنَفٌ لِمَن عساه يستغرِبُ غَلَبةَ الفِسقِ، والخُروجَ مِن دائرةِ الفَضائِلِ الفِطريَّةِ والتقليديَّةِ على أكثَرِهم، حتى مُراعاة اللهِ والقرابةِ والوفاءِ بالعَهدِ الممدوحَينِ عِندَهم، ويسألُ عن سبَبِه، وجَوابُه [141] يُنظر: ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (10/168). :
اشْتَرَوْاْ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً.
أي: استبدَلَ أولئك المُشرِكونَ، بآياتِ القُرآنِ شَيئًا قليلًا مِن عَرَضِ الدُّنيا، ومَتاعِها الفاني، فتَرَكوا اتِّباعَها لذلك، واتَّبَعوا أهواءَهم [142] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (4/116)، ((تفسير السعدي)) (ص: 330)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (5/297، 298). قال ابنُ عاشور: (هؤلاءِ الذين بَقُوا على الشِّركِ مِن العَرَبِ بعد فتحِ مكَّةَ وظهورِ الإسلامِ على مُعظَمِ بلادِ العَرَبِ، ليس لهم امتراءٌ في صِحَّةِ الإسلامِ ونُهوضِ حُجَّتِه، ولكنَّهم بَقُوا على الشِّركِ لِمَنافِعَ يَجتنُونَها من عوائِدِ قَومِهم؛ مِن غاراتٍ يَشُنُّها بعضُهم على بعضٍ، ومحبَّة الأحوالِ الجاهليَّة مِن خَمرٍ ومَيسرٍ وزِنًا، وغير ذلك من المذمَّات واللذَّات الفائتة، وذلك شيءٌ قليلٌ، آثَرُوه على الهدى والنَّجاة في الآخرة، فلِكَونِ آياتِ صِدقِ القُرآنِ أصبحت ثابتةً عندهم جُعِلت مثلَ مالٍ بأيديهم، بذَلُوه وفرَّطوا فيه لأجلِ اقتناءِ منافِعَ قليلةٍ؛ فلذلك مثَّل حالَهم بحالِ مَنِ اشترى شيئًا بِشَيءٍ). ((تفسير ابن عاشور)) (10/125). واستبعَدَ الشنقيطيُّ جِدًّا ما قاله جماعةٌ مِن العُلَماءِ: أنَّ هذه الآيةَ نزَلَت في قومٍ مِن الأعرابِ كانوا عاهَدُوا النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فدعاهم أبو سفيانَ بنُ حَربٍ، وأطعَمَهم أكلةً، ونقَضُوا العهودُ بسبَبِ ذلك. قال: (لأنَّ هذه الآيةَ مِن براءةَ نزَلَت بعد إسلامِ أبي سفيانَ؛ لأنَّ أبا سفيانَ أسلَمَ عامَ الفَتحِ عامَ ثَمانٍ، وهذه نزلَتْ عامَ تِسعٍ). ((العذب النمير)) (5/297). وقال الشنقيطي أيضًا: (واختلَفَ العلماءُ بالمراد بهذا الثَّمَنِ القَلِيل ... والتَّحقيقُ- إن شاء اللهُ تعالى- أنَّ المعنى: أنَّ الكُفَّار تبَدَّلوا من آياتِ اللهِ والعمَلِ بما جاء عن اللهِ ثَمنًا قَليلًا مِن مَتاعِ الحياةِ الدُّنيا، وهو-مَثلًا- عدَمُ التقيُّدِ بالشَّرعِ، وبقاؤُهم على ما كانوا عليه، واتِّباعُهم أهواءَهم، كما قال جلَّ وعلا: بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ [البقرة:90] فتعَوَّضوا من هذا اتِّباعَهم هواهم، وبقاءَهم على ما كانوا عليه؛ لأنَّه أحَبُّ إليهم. وهذا شيءٌ تافِهٌ تَعوَّضوا منه سَعادةَ الدُّنيا والآخِرةِ). ((العذب النمير)) (5/297). .
فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِ.
أي: فتسبَّبَ عن ضَلالِهم قيامُهم بإضلالِ غَيرِهم، فمَنَعوا أنفسهم من قبولِ الحقِّ واتِّباعِه، ومنعوا غيرَهم مِن الدُّخولِ في الإسلامِ، وحاوَلُوا رَدَّ المُسلِمينَ عن اتِّباعِ الحَقِّ [143] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/360)، ((البسيط)) للواحدي (10/310)، ((تفسير ابن كثير)) (4/116)، ((تفسير السعدي)) (ص: 329)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (5/298). .
إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ.
أي: بِئسَ ما كان يعمَلُه أولئك المُشرِكونَ؛ مِن استبدالِهم الكُفرَ بالإيمانِ، وصَدِّهم النَّاسَ عن سبيلِ الرَّحمنِ [144] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/360)، ((البسيط)) للواحدي (10/310)، ((تفسير البغوي)) (2/320). .
لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (10).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
لَمَّا أخبَرَ تعالى بعَراقَتِهم في الفِسقِ، دلَّ عليه بأنَّ خِيانَتَهم ليست خاصَّةً بالمُخاطَبينَ، بل عامَّةٌ لكُلِّ مَن اتَّصَف بصِفةِ الإيمانِ [145] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (8/389). ، فقال تعالى:
لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً.
أي: لا يُراعي أولئك المُشرِكونَ في أيِّ مُؤمنٍ قَدَرُوا عليه اللهَ ولا قَرابةً ولا عَهدًا [146] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/360)، ((معاني القرآن)) للنحاس (3/186، 187)، ((البسيط)) للواحدي (10/310، 311)، ((الصارم المسلول)) لابن تيمية (ص: 13). .
وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ.
أي: وأولئك المُشرِكونَ هم المُجاوِزونَ حُدودَ اللهِ، الظَّالِمونَ لِعبادِ اللَّهِ [147] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/361)، ((البسيط)) للواحدي (10/311)، ((تفسير السمعاني)) (2/291)، ((تفسير الرازي)) (15/533)، ((تفسير الشوكاني)) (2/388). .
فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (11).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
لَمَّا بيَّنَ اللهُ تعالى حالَ مَن لا يَرقُبُ في اللهِ إلًّا ولا ذِمَّةً، وينقُضُ العَهدَ، وينطوي على النِّفاقِ، ويتعَدَّى ما حُدَّ له؛ بيَّنَ مِن بعدُ أنَّهم إن أقاموا الصَّلاةَ وآتَوُا الزَّكاةَ كيف حُكمُهم [148] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (15/533). ، فقال تعالى:
فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ.
أي: فإن رجَعَ المُشرِكونَ عن كُفرِهم إلى الإيمانِ باللهِ، وأدَّوُا الصَّلواتِ المفروضةَ، وأعطَوُا الزَّكاةَ الواجبةَ مُستحِقِّيها؛ فهُم إخوانُكم- أيُّها المُسلِمونَ- في الإسلامِ [149] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/361)، ((تفسير السعدي)) (ص: 330)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (5/299). .
وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ.
أي: ونُبَيِّنُ آياتِ القُرآنِ لِقَومٍ يَعقِلونَ عن اللهِ بَيانَه وآياتِه، فيَفهمُونَها، ويتفَكَّرونَ فيها، وينتَفِعونَ بها [150] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/361)، ((تفسير السعدي)) (ص: 330)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (5/300). .
كما قال تعالى: كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ [فصلت: 3] .
وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ (12).
مَناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
لَمَّا استوفى اللهُ تعالى بيانَ أصنافِ المُشرِكينَ، الذين أمَرَ اللهُ بالبراءةِ مِن عَهدِهم، والذينَ أمَرَ بإتمامِ عَهدِهم إلى مُدَّتِهم ما استقاموا على العَهدِ، والذين يَستجِيبونَ- عطَفَ على أولئك بيانَ الذين يُعلِنونَ بِنَكْثِ العَهدِ، ويُعلِنونَ بما يُسخِطُ المُسلِمينَ [151] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (10/129). ، فقال تعالى:
وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ.
أي: وإن نقَضَ أولئك المُشرِكونَ عُهودَهم مِن بعدِ ما عاهَدُوكم على ألَّا يُقاتِلوكم، ولا يُظاهِروا عليكم أحدًا مِن أعدائِكم [152] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/362)، ((تفسير ابن كثير)) (4/116)، ((تفسير السعدي)) (ص: 330)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (5/302). قال الشنقيطي: (وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ الأيمانُ: جمعُ يمينٍ. قال بعضُ العلماء: هي العهودُ. وقال بعض العلماء: هي الأيمانُ التي تؤكَّدُ بها العهودُ؛ لأنَّهم إذا أُخِذَت عليهم العُهودُ، أكَّدُوها بالأيمانِ). ((العذب النمير)) (5/302). ولكِن ردَّ ابنُ تيميَّةَ هذا القولَ، فقال: (واليَمينُ هنا المرادُ بها العُهودُ لا القَسَمُ باللهِ- فيما ذَكَره المفَسِّرونَ- وهو كذلك؛ فالنبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يقاسِمْهم باللهِ عامَ الحُدَيبيَةِ، وإنما عاقَدَهم عقدًا، ونسخةُ الكِتابِ معروفةٌ ليس فيها قسَمٌ؛ وهذا لأنَّ اليمينَ يقال: إنَّما سُمِّيَت بذلك؛ لأنَّ المُعاهِدَينِ يمُدُّ كُلٌّ منهما يمينَه إلى الآخَرِ، ثم غُلِّبَت حتى صار مجرَّدُ الكلامِ بالعَهدِ يُسمَّى يمينًا، ويقال: سُمِّيت يمينًا؛ لأنَّ اليمينَ هي القوَّةُ والشِّدَّةُ... فلما كان الحِلْفُ معقودًا مشَدَّدًا سُمِّيَ يمينًا، فاسمُ اليمينِ جامِعٌ للعَقدِ الذي بين العَبدِ وبين ربِّه، وإن كان نَذْرًا... وللعَهدِ الذي بين المخلوقينَ، ومنه قولُه تعالى: وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا والنَّهيُ عن نقضِ العُهودِ وإن لم يكُن فيها قَسَمٌ، وقال تعالى: وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ وإنما لفظُ العهدِ: «بايعناك على ألَّا نَفِرَّ» ليس فيه قَسَمٌ، وقد سمَّاهم مُعاهِدينَ لله). ((الصارم المسلول)) (ص: 17- 18). .
وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ.
أي: وقدحوا في دينِكم الإسلامِ، وعابُوه وانتقَصُوه [153] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/362، 363)، ((تفسير ابن كثير)) (4/116)، ((تفسير السعدي)) (ص: 330). قال السعدي: (ويدخُلُ في هذا جميعُ أنواعِ الطَّعنِ المُوجَّهةِ إلى الدِّينِ، أو إلى القُرآنِ). ((تفسير السعدي)) (ص: 330). .
فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ.
أي: فقاتِلوا- أيُّها المُؤمِنونَ- رؤساءَ الكُفرِ [154] قال الشنقيطي: (ما جرى على ألسِنةِ كثيرٍ مِن العُلَماءِ هنا أنَّهم: أبو جهلٍ وأميَّةُ بنُ خَلفٍ وسُهَيلُ بن عمرٍو، إلى أشرافِ المذكورينَ في غزوةِ بَدرٍ، فهو خلافُ الظَّاهِرِ؛ للإجماعِ على تأخُّرِ هذه الآياتِ كثيرًا إلى عامِ تِسعٍ، أو إلى أنَّها نزلت قبل الفَتحِ عامَ ثَمانٍ). ((العذب النمير)) (5/304). الذين نقَضُوا العُهودَ، وطَعَنوا في الإسلامِ [155] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/363)، ((تفسير السعدي)) (ص: 330)، ((تفسير ابن عاشور)) (10/130)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (5/304). .
إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ.
القِراءاتُ ذاتُ الأثَرِ في التَّفسيرِ:
1- قراءةُ لَا إِيْمَانَ قيل: على معنى أنَّهم لا إسلامَ لهم ولا دينَ، فهم كفَّارٌ. وقيل: المرادُ معنى الأمنِ، أي: لا أمانَ لهم، فقد بطَلَ الأمانُ الذي أعطَيتُموهم؛ لأنَّهم قد نقَضُوا عَهْدَهم [156] قرأ بها ابن عامر. يُنظر: ((النشر)) لابن الجزري (2/278). ويُنظر: لمعنى هذه القراءة: ((الحجة في القراءات السبع)) لابن خالويه (ص: 174)، ((معاني القراءات)) للأزهري (1/448)، ((حجة القراءات)) لابن زنجلة (ص: 315)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (5/305). .
2- قِراءةُ لَا أَيْمَانَ على معنى أنَّه لا عَهْدَ لهم، أي: هم لا يُوفُونَ بِعُهودِهم ومَواثيقِهم [157] قرأ بها الباقون. يُنظر: ((النشر)) لابن الجزري (2/278). ويُنظر: لمعنى هذه القراءة: ((الحجة في القراءات السبع)) لابن خالويه (ص: 174)، ((معاني القراءات)) للأزهري (1/448)، ((حجة القراءات)) لابن زنجلة (ص: 315)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (5/305). .
إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ.
أي: إنَّ رُؤَساءَ الكُفرِ لا عُهودَ لهم صادقةً يُوفُونَ بها [158] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/363)، ((البسيط)) للواحدي (10/317)، ((تفسير السعدي)) (ص: 330)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (5/304). .
لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ.
أي: قاتِلُوهم؛ كي ينتَهُوا عن الكُفرِ والضَّلالِ [159] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/363)، ((تفسير ابن كثير)) (4/116)، ((تفسير السعدي)) (ص: 330)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (5/306، 307). وممَّن فسَّر قولَه تعالى: لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ بأنَّ معناه انتهاؤُهم عن الكُفر: الواحديُّ، وابنُ كثير، وابنُ عاشور. يُنظر: ((الوجيز)) للواحدي (ص: 455)، ((تفسير ابن كثير)) (4/116)، ((تفسير ابن عاشور)) (10/131). وممن فسَّره بأنه: الانتهاءُ عن الطَّعنِ في الدِّين، والمظاهرةِ على المسلمين: ابنُ جريرٍ. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/363). وممَّن فسَّره بأنَّه: انتهاؤُهم عن الكُفرِ وعن الطَّعنِ في الإسلامِ، فجمَع بينَ المعنيينِ: السعديُّ، والشنقيطيُّ. يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 330)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (5/306، 307). وذهب ابن تيميَّةَ إلى أنَّ المُرادَ: الانتهاءُ عن نقضِ العَهدِ، والطَّعنِ في الدِّينِ. يُنظر: ((الصارم المسلول)) (ص: 392). وردَّ ابنُ عاشورٍ أن يكونَ المرادُ بالانتهاءِ: الانتهاءُ عن نقضِ العَهدِ، أو الطَّعنِ في الدِّينِ. فقال: (لم يُذكَر مُتعَلِّق فعل يَنْتَهُونَ ولا يُحتَمَلُ أن يكونَ الانتهاءُ عن نكْثِ العَهدِ؛ لأنَّ عَهدَهم لا يُقبَلُ بعد أن نكَثوا؛ لِقَولِ الله تعالى: إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ، ولا أن يكونَ الانتهاءُ عن الطَّعنِ في الدِّينِ؛ لأنَّه إن كان طعْنُهم في دينِنا حاصلًا في مدَّةِ قِتالِهم، فلا جَدْوى لِرَجاءِ انتِهائِهم عنه، وإن كان بعد أن تضَعَ الحَربُ أوزارَها، فإنَّه لا يستقيمُ؛ إذ لا غايةَ لِتَنهيةِ القَتلِ بين المُسلِمينَ وبينهم، فتعيَّنَ أنَّ المُرادَ: لعلَّهم ينتهونَ عن الكُفرِ). ((تفسير ابن عاشور)) (10/131). .
1- دلَّ قولُه تعالى: لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً على ذمِّ قطيعةِ الرَّحِمِ، ونَقْضِ الذِّمَّة [160] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (29/140). .
2- قال الله تعالى: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ هذه الأُخوَّةُ أوَّلُ مَزيَّةٍ دُنيويَّةٍ للإسلامِ؛ فإنَّ المُشرِكينَ كانوا مَحرومينَ مِن هذه الأُخوَّةِ العظيمةِ، بعضُهم حَربٌ لِبَعضٍ في كلِّ وَقتٍ، إلَّا ما يكونُ مِن عَهدٍ أو جِوارٍ، قلَّما يفي به القَويُّ للضَّعيفِ دائمًا [161] يُنظر: ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (10/169). .
3- قال الله تعالى: وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ أي: لِيكُنْ غَرَضُكم في مُقاتَلتِهم- بعد ما وُجِدَ منهم من العظائِم ما وُجِد- انتهاءَهم عمَّا هم فيه، وهذا مِن كَرَمِه سبحانَه وفَضلِه، وعَوْدِه على المُسيءِ بالرَّحمةِ [162] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (5/381). .
4- ممَّا امتاز به الإسلامُ على جميعِ شَرائعِ الأُمَمِ وقَوانينِها: جَعلُ الحَربِ ضَرورةً مُقَيَّدةً بإرادةِ مَنعِ الباطِلِ، وتقريرِ الحَقِّ والفضائِلِ؛ يُبيِّنُ ذلك قَولُ الله تعالى: وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ أي: قاتِلُوهم راجِينَ بِقِتالِكم إيَّاهم أن يَنتَهوا عن كُفرِهم وشِرْكِهم، وما يحمِلُهم عليه مِن نَكْثِ أيمانِهم، ونَقضِ عُهودِهم، والضَّراوةِ بِقتالِكم كلَّما قَدَرُوا عليه، وهو يتضَمَّنُ النَّهيَ عن القتالِ اتِّباعًا لِهَوى النَّفسِ أو إرادةِ منافِعِ الدُّنيا؛ مِن سَلبٍ وكَسْبٍ، وانتقامٍ مَحضٍ بالأَوْلى [163] يُنظر: ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (10/172). .
1- قَولُ اللهِ تعالى: اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ بيَّنَ عَراقَتَهم في القبائِحِ وأنَّها في جِبِلَّتِهم، بذِكرِ الكَونِ، فقال: كَانُوا يَعْمَلُونَ، أي: يُجَدِّدونَ عَمَلَه في كلِّ وَقتٍ [164] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (8/386). .
2- قَولُه تعالى: فِي مُؤْمِنٍ إعلامٌ بأنَّ عَداوَتَهم إنَّما هي بحسَبِ الإيمانِ فقط، وقَولُه أوَّلًا: لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ [التوبة: 8] كان يحتمِلُ أن يظُنَّ ظانٌّ أنَّ ذلك للإحَنِ التي وقعَت، فزال هذا الاحتمالُ بِقَولِه: فِي مُؤْمِنٍ [165] يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (3/11)، ((تفسير السعدي)) (ص: 330). .
3- قال اللهُ تعالى: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ هذه الآيةُ دليلٌ على أنَّ الصَّلاةَ والزَّكاةَ مَقرونتانِ بالشَّهادةِ، في كَفِّ السَّيفِ وحَقنِ الدَّمِ، ودليلٌ على أنَّ المُؤاخاةَ بالإسلامِ بين المُسلِمينَ مَوقوفةٌ على فِعلِ الصَّلاةِ والزَّكاةِ جَميعًا؛ لأنَّ اللهَ تعالى شَرَطَهما في إثباتِ المُؤاخاةِ، ومَن لم يكُنْ مِن أهلِ وُجوبِ الزَّكاةِ وجَبَ عليه أن يُقِرَّ بِحُكمِها، فإذا أقَرَّ بحُكمِها دخل في الصِّفةِ التي تجِبُ بها الأخُوَّةُ [166] يُنظر: ((البسيط)) للواحدي (10/311)، ((تفسير الرازي)) (15/534). .
4- في قولِ الله تعالى: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ علَّقَ الأخُوَّةَ في الدِّينِ على التَّوبةِ مِن الشِّركِ، وإقامِ الصَّلاةِ، وإيتاءِ الزَّكاةِ؛ والمُعَلَّقُ بالشَّرطِ ينعَدِمُ عند عَدَمِه، فمَن لم يفعلْ ذلك فليس بأخٍ في الدِّينِ، ومَن ليس بأخٍ في الدِّينِ فهو كافِرٌ؛ لأنَّ المؤمنينَ إخوةٌ- رغم قيامِ الكبائِرِ بهم- بدليلِ قَولِه تعالى في آيةِ المُقتَتِلين: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات: 10] ، وهذا مع أنَّه قد سمَّى قتالَ المؤمِنِ كُفرًا [167] يُنظر: ((شرح العمدة - كتاب الصلاة)) لابن تيمية (ص: 73). .
5- دلَّ قولُه تعالى: وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ على أنَّ عَهدَ المُشرِكِ ينتقِضُ بذلك؛ فإنَّه حتى لو كان مُستقيمًا فيه بدونِ نَكْثٍ؛ فإنَّ مُجاهَرتَنا بالشَّتيمةِ، والوقيعةِ في رَبِّنا ونَبِيِّنا وكتابِنا ودِينِنا، يقدحُ في الاستقامةِ، كما تقدَحُ مُجاهَرتُنا بالمحاربةِ، في العَهدِ، بل ذلك أشَدُّ علينا إنْ كنَّا مُؤمِنينَ [168] يُنظر: ((الصارم المسلول)) لابن تيمية (ص: 13). .
6- دَعوةُ الذِّميِّ أو المُعاهَدِ إلى دينِه، وترغيبُه المسلمينَ إليه، مِن أَوْلى الأشياءِ أن ينتقِضَ العهدُ بها؛ فإنَّه حِرابُ الله ورسولِه باللِّسانِ، وقد يكون أعظَمَ مِن الحِرابِ باليَدِ، كما أنَّ الدَّعوةَ إلى اللهِ ورَسولِه جهادٌ بالقَلبِ وباللِّسانِ، وقد يكون أفضَلَ من الجهادِ باليَدِ. ولَمَّا كانت الدَّعوةُ إلى الباطِلِ مُستلزِمةً- ولا بُدَّ- للطَّعنِ في الحَقِّ، كان دعاؤُهم إلى دينِهم، وتَرغيبُهم فيه طعنًا في دينِ الإسلامِ، وقد قال تعالى: وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ ولا ريب أنَّ الطَّعنَ في الدِّينِ أعظَمُ مِن الطَّعنِ بالرُّمحِ والسَّيفِ، فأَوْلى ما انتقَضَ به العَهدُ الطَّعنُ في الدينِ، ولو لم يكُن مَشروطًا عليهم؛ فالشَّرطُ ما زادَه إلَّا تأكيدًا وقُوَّةً [169] يُنظر: ((أحكام أهل الذمة)) لابن القيم (3/1255). .
7- مَن كان مِن المؤمنينَ بأرضٍ هو فيها مُستضعَفٌ، أو في وقتٍ هو فيه مُستضعَفٌ؛ فليعمَلْ بآياتِ الصَّبرِ والصَّفحِ، وأمّا أهلُ القُوَّةِ فإنَّما يَعملونَ بآيةِ قِتالِ أئمَّةِ الكُفرِ: فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ الذين يطعَنونَ في الدِّينِ، وبآيةِ قِتالِ الذينَ أوتُوا الكتابَ حتى يعطُوا الجِزيةَ عن يدٍ وهم صاغِرونَ [170] يُنظر: ((الصارم المسلول)) لابن تيمية (ص: 221). .
8- قَولُ اللهِ تعالى: وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ استدَلَّ به مَن قال: إنَّ الذِّميَّ يُقتَلُ إذا طعنَ في الإسلامِ، سواءٌ شَرَطَ انتقاضَ العَهدِ به أم لا. واستدَلَّ من قال بقَبولِ تَوبَتِه بِقَولِه: لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ [171] يُنظر: ((الإكليل)) للسيوطي (ص:138)، وينظر أيضًا: ((معاني القرآن)) للزجاج (2/434)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (5/307). .
9- قال الله تعالى: وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ مِن هاهنا أُخِذَ قَتلُ مَن سَبَّ الرَّسولَ، صلواتُ اللهِ وسلامُه عليه، أو مَن طعَنَ في دينِ الإسلامِ، أو ذَكَرَه بتنَقُّصٍ [172] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (4/116). .
10- قال تعالى: وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ فسَمَّاهم أئمَّةَ الكُفرِ لِطعنِهم في الدِّينِ؛ فكُلُّ طاعِنٍ في الدِّينِ، فهو إمامٌ في الكُفرِ؛ وذلك لأنَّه علَّلَ ذلك بأنَّهم لا أيمانَ لهم، وذلك يشمَلُ جَميعَ النَّاكِثينَ الطَّاعِنينَ، ولأنَّ النَّكثَ والطَّعنَ وصفٌ مُشتَقٌّ مُناسِبٌ لِوجوبِ القِتالِ، وقد رُتِّبَ عليه بحرفِ الفاءِ تَرتيبَ الجَزاءِ على شرطِه، فإذا طعَنَ الذِّمِّيُّ في الدِّينِ، فهو إمامٌ في الكُفرِ، فيجِبُ قَتْلُه؛ لِقَولِه تعالى: فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ ولا يَمينَ له؛ لأنَّه عاهَدَنا على ألَّا يُظهِرَ عَيبَ الدِّينِ، وخالَفَ [173] يُنظر: ((الصارم المسلول)) لابن تيمية (ص: 17-18). .
1- قَولُه تعالى: اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
- قولُهُ: فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ الإضافةُ في سَبيلِهِ؛ للتَّشريفِ [174] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (4/46). .
- قَولُ اللهِ تعالى: اشْتَرَوْا بآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ مَفعولُ فَصَدُّوا مَحذوفٌ لِقَصدِ العُمومِ، أي: صَدُّوا كلَّ قاصدٍ [175] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (10/126). .
- قولُهُ: إِنَّهُمْ ساءَ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ فيه الافتتاحُ بحَرْفِ التَّأكيدِ (إنَّ)؛ للاهْتِمامِ بهذا الذَّمِّ لهم، وعبَّر عن عَمَلِهم بـ كانُوا يَعْمَلُونَ؛ للإشارةِ إلى أنَّه دَأَبٌ لهم، ومُتكرِّرٌ منهم [176] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (10/126). .
2- قوله تعالى: لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ
- في قولِه تعالى: لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً تَكرارٌ لِمَعْنى قولِه: لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً؛ حيث ذُكِرَ الأوَّلُ وجُعِلَ جَزَاءً للشَّرْطِوَإِنْ يَظْهَرُوا، ثمَّ أُعيدَ ذَلِك تَقبيحًا لهم فقال: إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً [177] يُنظر: ((أسرار التكرار في القرآن)) للكرماني (ص: 134). . وفي تَكرارِ ذلِك بإبدالِ الضَّميرِ في قوله: فِيكُمْ بقولِه: فِي مُؤْمِنٍ مُناسَبةٌ حَسَنةٌ؛ إذ الأوَّلُ وقَعَ جوابًا لِقَولِه: وَإِنْ يَظْهَرُوا، والثاني وقَعَ إخبارًا عن تَقبيحِ حالِهم [178] يُنظر: ((فتح الرحمن)) للأنصاري (ص:226-227). .
- قولُه: وَأُولئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ فيه قَصْرٌ؛ وهو إمَّا أنْ يكونَ للمُبالغةِ في اعتدائِهم؛ لأنَّه اعتداءٌ عَظيمٌ باطِنيٌّ على قومٍ حالَفوهم وعاهَدوهم، ولم يُلْحِقوا بهم ضُرًّا مع تَمكُّنهم منه، وإمَّا أن يَكونَ قَصْرَ قَلْبٍ، أي: هم المعتَدُونَ لا أنتُم؛ لأنَّهم بَدؤُوكم بنَقضِ العَهْدِ [179] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (10/127). .
- قولُه: وَأُولئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ عَطفٌ على جُملةِ: لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً لِمُناسبةِ أنَّ إثباتَ الاعتداءِ العَظيمِ لهم، نَشَأ عن الحِقدِ- الشَّيءِ الذي أضمَرُوه للمُؤمِنينَ- لا لِشَيءٍ إلَّا لأنَّهم مُؤمِنونَ [180] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (10/127). .
3- قَولُه تعالى: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ
- فيه تَكرارُ قولِه: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لاختلافِ جزاءِ الشَّرطِ؛ إذْ جزاءُ الشَّرطِ في الأوَّلِ تَخليةُ سبيلِهم في الدُّنيا، وهو قَولُه تعالى: فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ، وفي الثَّاني إثباتُ أُخُوَّتِهم لنا في الدِّينِ، وهو قَولُه تعالى: فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ، وهي ليستْ عينَ تَخليَتِهم، بل سَبَبُها [181] يُنظر: ((أسرار التكرار في القرآن)) للكرماني (ص: 133)، ((فتح الرحمن)) للأنصاري (1/226). .
- قَولُ اللهِ تعالى: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ.
- قَولُه: فَإِخْوَانُكُمْ خبَرٌ لِمَحذوفٍ، أي: فَهُم إخوانُكم. وصِيغَ هذا الخبَرُ بالجُملةِ الاسميَّةِ؛ للدَّلالةِ على أنَّ إيمانَهم يقتَضي ثباتَ الأُخُوَّةِ ودوامَها، تنبيهًا على أنَّهم يَعودونَ كالمُؤمِنينَ السَّابقينَ مِن قَبلُ، في أصلِ الأخُوَّةِ الدِّينيَّةِ [182] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (10/127). .
- قولُهُ: وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ اعتراضٌ؛ للحَثِّ على التَّأمُّلِ في الأحكامِ المُندرِجةِ في تَضاعيفِها، والمحافظةِ عليها [183] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (2/251)، ((تفسير أبي حيان)) (5/379)، ((تفسير أبي السعود)) (4/47). ؛ فهو اعتراضٌ وتذييلٌ أيضًا، وعُطِفَ هذا التَّذييلُ على جُملةِ: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ؛ لأنَّه به أَعْلقُ؛ لأنَّهم إنْ تابوا فقد صاروا إخوانًا للمُسْلمين، فصاروا مِن قَومٍ يَعْلمونَ؛ إذ ساووا المُسلِمينَ في الاهتداءِ بالآياتِ المُفصَّلةِ [184] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (10/128). .
4- قوله تعالى: وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ
- قولُه: وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ فيه التَّعبيرُ عن نَقْضِ العَهْدِ بنَكْثِ الأيمانِ؛ تَشنيعًا للنَّكْثِ [185] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (10/129). .
- وزِيدَ قولُه: مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ زِيادةً في تَسجيلِ شناعةِ نَكْثِهم، بتذكيرِ أنَّه غَدْرٌ لعَهْدٍ [186] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (10/129). .
- وقَولُ اللهِ تعالى: وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ بعد قوله: وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ مِن عَطفِ الخاصِّ على العامِّ؛ فالطَّعنُ في الإسلامِ ضَربٌ مِن ضُروبِ نَكْثِ الأيمانِ، ونَقضِ السَّلْمِ والوَلاءِ، كالقِتالِ ومُظاهَرةِ الأعداءِ [187] يُنظر: ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (10/172). .
- قولُهُ: فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ فيه وَضْعُ المُظْهَرِ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ مَوضِعَ الضَّميرِ- حيثُ لَم يَقُلْ: (فقاتِلوهم)-؛ لزيادةِ التَّشنيعِ عليهم ببُلوغِهم هذه المنزلةَ من الكُفْرِ، وللدَّلالةِ على أنَّهم صاروا بذلك ذَوي الرِّئاسةِ والتَّقدُّمِ في الكُفْرِ، أحقَّاءَ بالقَتْلِ. وعلى أنَّ المرادَ بالأئمَّةِ رؤساءُ المشركينَ؛ فالتَّخصيصُ إمَّا لأنَّ قَتْلَهم أهمُّ، وهُمْ به أحقُّ، أو للمَنْعِ من مُراقبتِهم [188] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (2/251)، ((تفسير البيضاوي)) (3/73)، ((تفسير ابن عاشور)) (10/130). ، أو خَصَّ الأئمَّةَ بالذِّكرِ؛ لأنَّهم هم الذين يُحرِّضونَ الأتباعَ على البقاءِ على الكُفْرِ [189] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (5/379). .
- وجُملةُ: إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ تَعليلٌ لقِتالِهم بأنَّهم اسْتَحقُّوه لأجْلِ اسْتِخفافهم بالأَيْمانِ التي حَلَفوها على السَّلْمِ، فغَدَروا [190] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (10/130). .
- ونَفْيُ الأَيْمانِ لهم: نفيٌ للماهيةِ الحقِّ لليَمينِ، وهي قَصْدُ تعظيمِه والوفاءِ به، فلمَّا لم يُوفُوا بأيمانِهم، نُزِّلتْ أيمانُهم مَنْزلةَ العَدَمِ؛ لفُقْدانِ أَخَصِّ خواصِّها، وهو العملُ بما اقْتَضتْه [191] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (10/130). .