موسوعة الآداب الشرعية

واحدٌ وعِشرونَ: عَدَمُ مَسِّ المُصحَفِ دونَ وُضوءٍ


لا يجوزُ مَسُّ المُصحَفِ مِن غيرِ وُضوءٍ [1813] وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّةِ، والمالكيَّةِ، والشَّافعيَّةِ، والحنابلةِ. يُنظر: ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/57)، ((الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي)) (1/ 107)، ((المجموع)) للنووي (2/67)، ((الفروع)) لابن مفلح (1/241). قال ابنُ عبدِ البَرِّ: (أجمَع فقهاءُ الأمصارِ الذين تدورُ عليهم الفتوى وعلى أصحابِهم بأنَّ المُصحَفَ لا يَمسُّه إلَّا الطَّاهِرُ). ((الاستذكار)) (2/472). وقال ابنُ قُدامةَ: (لا يمسُّ المصحَفَ إلَّا طاهرٌ، يعني: طاهرًا من الحَدَثينِ جميعًا؛ رُوي هذا عن ابنِ عُمَرَ، والحسَنِ، وعطاءٍ، وطاوسٍ، والشَّعبيِّ، والقاسِمِ بنِ محمَّدٍ، وهو قولُ مالكٍ، والشَّافعيِّ، وأصحابِ الرَّأيِ، ولا نعلَمُ مخالفًا لهم إلَّا داودَ؛ فإنَّه أباح مسَّه). ((المغني)) (1/108). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ الكِتابِ والآثارِ:
أ- مِنَ الكِتابِ
قَولُه تعالى: إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ [الواقعة: 77-79] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ المُطَهَّرَ هو المُتَطَهِّرُ مِنَ الحَدَثَينِ: الأصغَرِ والأكبَرِ [1814] ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (1/315). .
ب- مِن الآثارِ
عن عَبدِ الرَّحمَنِ بنِ يَزيدَ، قال: (كُنَّا مَعَ سَلمانَ فخَرَجَ فقَضى حاجَتَه، ثُمَّ جاءَ فقُلتُ: يا أبا عَبدِ اللهِ، لو تَوضَّأتَ لعَلَّنا أن نَسألكَ عن آياتٍ، فقال: إنِّي لستُ أمَسُّه، إنَّما لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ، فقَرَأ علينا ما يَشاءُ)) [1815] أخرجه ابن أبي شيبة (1106) باختلاف يسير، والدارقطني (1/223)، والبيهقي (415) واللفظ لهما. صَحَّحه الدارقطني كما في ((تنقيح التحقيق)) لمحمد ابن عبد الهادي (1/234)، وجوده الزيلعي في ((نصب الراية)) (1/199). .
فائدةٌ في مسِّ الصَّغيرِ للمُصحَفِ على غيرِ طَهارةٍ:
يَجوزُ للصَّغيرِ المُمَيِّزِ مَسُّ المُصحَفِ للتَّعَلُّمِ والحِفظِ، ولو كان على غَيرِ طَهارةٍ [1816] نَصَّ على هذا جُمهورُ الفُقَهاءِ: الحَنَفيَّةُ، والمالكيَّةُ، والشَّافِعيَّةُ، وهو وجهٌ للحَنابلةِ. يُنظر: (((تبيين الحقائق للزيلعي وحاشية الشلبي)) (1/58)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (1/443)، ((المجموع)) للنووي (2/69)، (الفروع)) لابن مفلح (1/243). .
وذلك للآتي:
1- أنَّ الحاجةَ ماسَّةٌ إلى تَعَلُّمِ الصِّبيانِ للقُرآنِ، وفي تَكليفِهم بالوُضوءِ حَرَجٌ عليهم؛ وذلك لتَكَرُّرِه، بالإضافةِ إلى عَدَمِ قُدرَتِهم على الاحتِفاظِ بوُضوئِهم غالبًا، ويَشُقُّ مَنعُهم مِنه بدونِ طَهارةٍ [1817] ((المجموع)) للنووي (2/69)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/38)، ((فتح الباري)) لابن رجب (5/299). .
2- أنَّ الصِّبيانَ لو مُنِعوا مِن مَسِّ المُصحَفِ إلَّا بطَهارةٍ لم يَحفَظوا القُرآنَ، ولنَفَروا مِن تَعَلُّمِه، وفي تَأخيرِهم إلى البُلوغِ تَقليلٌ لحِفظِ القُرآنِ؛ فيُرَخَّصُ لهم للضَّرورةِ [1818] ((الجامع لأحكام القرآن)) للقرطبي (17/227)، ((المجموع)) للنووي (2/69)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/38). .
3- أنَّ الصِّبيانَ لا يُخاطَبونَ بالطَّهارةِ، ولكِن يُؤمَرون به تَخَلُّقًا واعتيادًا [1819] ((تبيين الحقائق للزيلعي وحاشية الشلبي)) (1/58)، ((حاشية ابن عابدين)) (1/174). .
4- أنَّ الصَّبيَّ وإن كانت له طَهارةٌ إلَّا أنَّها ليسَت بكامِلةٍ؛ لأنَّ النِّيَّةَ لا تَصِحُّ مِنه، فإذا جازَ أن يَحمِلَه على غَيرِ طَهارةٍ كامِلةٍ جازَ أن يَحمِلَه مُحدِثًا [1820] ((الجامع لأحكام القرآن)) للقرطبي (17/227). .

انظر أيضا: