موسوعة الآداب الشرعية

رابعًا: التَّنَظُّفُ واجتِنابُ الرَّوائِحِ الكَريهةِ


مِنَ الأدَبِ مَعَ المَلائِكةِ: الحِرصُ على التَّنَظُّفِ وطِيبِ الرَّائِحةِ -ومِن ذلك طِيبُ رائِحةِ الفمِ للمُصَلِّي وغَيرِه-، واجتِنابُ الرَّوائِحِ الكَريهةِ خاصةً قبلَ الذَّهابِ إلى المسجدِ؛ فإنَّ المَلائِكةَ تَتَأذَّى مِمَّا يَتَأذَّى مِنه بَنو آدَمَ.
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
1-عن جابِرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((مَن أكَل مِن هذه البَقلةِ؛ الثُّومِ -وقال مَرَّةً: مَن أكَل البَصَلَ والثُّومَ والكُرَّاثَ- فلا يَقرَبَنَّ مَسجِدَنا؛ فإنَّ المَلائِكةَ تَتَأذَّى مِمَّا يَتَأذَّى مِنه بَنو آدَمَ)) [724] أخرجه البخاري (854) مُختَصَرًا، ومسلم (564) واللَّفظُ له. .
وفي رِوايةٍ: ((نَهى رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن أكلِ البَصَلِ والكُرَّاثِ، فغَلبَتنا الحاجةُ، فأكَلنا مِنها، فقال: مَن أكَل مِن هذه الشَّجَرةِ المُنتِنةِ فلا يَقرَبَنَّ مَسجِدَنا؛ فإنَّ المَلائِكةَ تَأذَّى مِمَّا يَتَأذَّى مِنه الإنسُ)) [725] أخرجها مسلم (564). .
2-عن جابِرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((مَن أكَل ثومًا أو بَصَلًا فليَعتَزِلْنا أو ليَعتَزِلْ مَسجِدَنا، وليَقعُدْ في بَيتِه، وإنَّه أُتيَ بقِدرٍ فيه خَضِراتٌ مِن بُقولٍ، فوجَدَ لها ريحًا، فسَأل فأُخبِرَ بما فيها مِنَ البُقولِ، فقال: قَرِّبوها، إلى بَعضِ أصحابِه، فلمَّا رَآه كَرِهَ أكلَها، قال: كُلْ فإنِّي أُناجي مَن لا تُناجي)) [726] أخرجه البخاري (855)، ومسلم (564). .
قال المازَريُّ: (أمَّا قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «فإنِّي أناجي مَن لا تُناجي» فإنَّه يَدُلُّ على أنَّ المَلائِكةَ عليهمُ السَّلامُ تُنَزَّهُ عن هذه الرَّوائِحِ. وفي بَعضِ الأحاديثِ: "أنَّها تَتَأذَّى مِمَّا يَتَأذَّى مِنه بَنو آدَمَ".
قالوا: وعلى هذا يُمنَعُ الدُّخولُ بهذه الرَّوائِحِ إلى المَسجِدِ وإن كان خاليًا؛ لأنَّه مَحَلُّ المَلائِكةِ) [727] ((المعلم بفوائد مسلم)) (1/ 417). .
3-عن جابِرِ بنِ سَمُرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عن أبي أيُّوبَ الأنصاريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((كان رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا أُتيَ بطَعامٍ أكَل مِنه، وبَعَثَ بفَضلِه إليَّ، وإنَّه بَعَثَ إليَّ يَومًا بفضلةٍ لم يَأكُلْ مِنها؛ لأنَّ فيها ثُومًا، فسَألتُه: أحرامٌ هو؟ قال: لا، ولكِنِّي أكرَهُه مِن أجلِ ريحِه. قال: فإنِّي أكرَهُ ما كَرِهتَ)) [728] أخرجه مسلم (2053). .
وفي رِوايةٍ عن أفلحَ مَولى أبي أيُّوبَ، عن أبي أيُّوبَ رَضِيَ اللهُ عنه ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نَزَل عليه، فنَزَل النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في السُّفلِ، وأبو أيُّوبَ في العُلوِ، قال: فانتَبَهَ أبو أيُّوبَ ليلةً، فقال: نَمشي فوقَ رَأسِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم! فتَنحَّوا فباتوا في جانِبٍ، ثُمَّ قال للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: السُّفلُ أرفَقُ، فقال: لا أعلو سَقيفةً أنتَ تَحتَها، فتَحَوَّل النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في العُلوِ، وأبو أيُّوبَ في السُّفلِ، فكان يَصنَعُ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم طَعامًا، فإذا جيءَ به إليه سَأل عن مَوضِعِ أصابعِه، فيَتَتَبَّعُ مَوضِعَ أصابعِه، فصَنَع له طَعامًا فيه ثومٌ، فلمَّا رُدَّ إليه سَأل عن مَوضِعِ أصابعِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقيل له: لم يَأكُلْ، ففزِعَ وصَعِدَ إليه، فقال: أحرامٌ هو؟ فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: لا، ولكِنِّي أكرَهُه، قال: فإنِّي أكرَهُ ما تَكرَهُ -أو ما كَرِهتَ-، قال: وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُؤتى [729] يُؤتى: قد فسَّرَه راوي الحَديثِ بقَولِه: (يَعني: يَأتيه الوحيُ)، ومَعناه: يُؤتى بالوَحيِ، أي: يُجاءُ إليه به. والوَحيُ: ما يُبَلَّغُه عنِ اللهِ تعالى مِمَّا يُبَلِّغُه جِبريلُ عليه السَّلامُ. يُنظر: ((المفهم)) لأبي العباس القرطبي (5/ 329). ) [730] أخرجها مسلم (2053). .

انظر أيضا: