موسوعة الآداب الشرعية

عاشرًا: عَدَمُ رَفعِ الصَّوتِ


يَنبَغي للذَّاكِرِ عَدَمُ رَفعِ صَوتِه إلَّا لحاجةٍ أو مَصلَحةٍ [2032] قال صِدِّيق حَسَن خان: (الطَّريقةُ المُثلى في هذا البابِ أن يَجهَرَ في المَوضِعِ الذي ورَدَ فيه الجَهرُ، ويُسِرَّ في المَوضِعِ الذي ورَدَ فيه السِّرُّ، وهذه المَواضِعُ مُبَيَّنةٌ في عِلمِ الحَديثِ، مُتَعَيِّنةٌ في دَواوينِ الإسلامِ، والمَوضِعُ الذي لَم يَرِدِ الدَّليلُ على الجَهرِ فيه أوِ السِّرِّ فالذَّاكِرُ فيه بالخيارِ؛ إن شاءَ جَهَرَ، وإن شاءَ أسَرَّ، ولَكِنْ لا بُدَّ له مِن مُلاحَظةِ قَولِه سُبحانَه: وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا [الإسراء: 110] ؛ لئَلَّا يَتَجاوزَ الحُدودَ المَضروبةَ له). ((نزل الأبرار)) (ص: 8). وفي ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (21/ 251): (يُستَثنى مِن هذا الأصلِ مَواضِعُ يَنبَغي فيها الجَهرُ بالذِّكرِ ورَفعُ الصَّوتِ به؛ لِما في ذلك مِنَ المَصالحِ التي قدَّرَها الشَّرعُ في ذلك؛ فمِنها: 1- ما قُصِدَ به الإسماعُ والتَّبليغُ، كالأذانِ والإقامةِ وتَكبيراتِ الإمامِ وقِراءَتِه في الجَهريَّةِ وتَكبيراتِ المُبَلِّغِ وإلقاءِ السَّلامِ وجَوابِه، ونَحوِ ذلك؛ فيَجهَرُ في ذلك بالقَدرِ الذي يَحصُلُ به المَقصودُ. 2- بَعضُ أنواعِ أذكارِ الصَّلاةِ ورَدَتِ السُّنَّةُ فيها بالجَهرِ، كالبَسمَلةِ، والتَّأمينِ، والقُنوتِ، والتَّكبيرِ والتَّسبيحِ والتَّحميدِ بَعدَ الصَّلاةِ، وتَكبيراتِ العيدِ، والتَّلبيةِ في الحَجِّ، وفي بَعضِ ذلك خِلافٌ. 3- بَعضُ الأذكارِ التي يُرادُ بها التَّنبيهُ أوِ التَّعليمُ، أو فائِدةٌ أُخرى، كَأن يَرفعَ صَوتَه بالتَّسميةِ على الطَّعامِ حَتَّى يُنَبِّهَ غَيرَه، أو بالقِراءةِ في صَلاةِ اللَّيلِ ليُسمِعَ أهلَه. قال المالِكيَّةُ: ورَفعُ صَوتِ مُرابطٍ وحارِسِ بَحرٍ بالتَّكبيرِ في حَرَسِهم؛ لأنَّه شِعارُهم لَيلًا ونَهارًا). .
الدَّليلُ على ذلك مِن الكتابِ والسُّنَّةِ:
أ- مِنَ الكِتابِ
قال تعالى: وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ [الأعراف: 205] .
أي: واذكُرِ اللَّهَ تعالى بلسانِك فيما بَينَك وبَينَه، مِن حَيثُ لا يَشعُرُ بذلك أحَدٌ، مُتَذَكِّرًا ومُستَحضِرًا بقَلبِك عَظمَتَه وصِفاتِه، وثَوابَه وعِقابَه، ونَحوَ ذلك، تَضَرُّعًا وَخِيفَةً، أي: وأنتَ مُتَخَشِّعٌ مُتَذَلِّلٌ، مُتَواضِعٌ مُستَكينٌ للهِ، وخائِفٌ وَجِلُ القَلبِ مِنَ اللهِ تعالى، ومِن عِقابِه سُبحانَه وَدُونَ الْجَهْرِ، أي: اذكُرِ اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ بلسانِك في خَفاءٍ مِنَ القَولِ، مِن غَيرِ رَفعٍ للصَّوتِ، باِلْغُدُوِّ وَالآصَالِ، أي: اذكُرِ اللَّهَ في أوَّلِ النَّهارِ، وفي آخِرِه مِنَ العَصرِ إلى المَغرِبِ، وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ، أي: وأكثِرْ مِن ذِكرِ اللهِ تعالى، ولا تَكُنْ مِنَ الغافِلينَ عن ذِكرِه سُبحانَه [2033] يُنظر: ((التفسير المحرر)) إعداد القسم العلمي بمؤسسة الدُّرَر السَّنيَّة (6/ 812-815). .
ب- مِنَ السُّنَّةِ
- عن أبي موسى رَضيَ اللهُ عنه، قال: ((كُنَّا مَعَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في سَفَرٍ، فجَعل النَّاسُ يَجهَرونَ بالتَّكبيرِ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أيُّها النَّاسُ ارْبَعوا [2034] ارْبَعوا (بهَمزةِ وَصلٍ وفتحِ الباءِ): أي: ارفُقوا ولا تُجهِدوا أنفُسَكُم. يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (11/188). على أنفُسِكُم؛ إنَّكُم ليس تَدعونَ أصَمَّ ولا غائِبًا، إنَّكُم تَدْعونَ سَميعًا قَريبًا، وهو مَعَكُم. قال: وأنا خَلفَه، وأنا أقولُ: لا حَولَ ولا قوَّةَ إلَّا باللهِ، فقال: يا عَبدَ اللهِ بنَ قَيسٍ، ألَا أدُلُّك على كَنزٍ مِن كُنوزِ الجَنَّةِ؟ فقُلتُ: بَلى، يا رَسولَ اللهِ، قال: قُل: لا حَولَ ولا قُوَّةَ إلَّا باللهِ)) [2035] أخرجه البخاري (2992)، ومسلم (2704) واللفظ له. .

انظر أيضا: