موسوعة الآداب الشرعية

ثانيًا: عَدَمُ كِتمانِ العِلمِ


مِن أدَبِ المعَلِّمِ: عَدَمُ كِتمانِ العِلمِ عن أهلِه.
الدَّليلُ على ذلك مِنَ الكِتابِ والسُّنَّةِ:
أ- مِنَ الكِتابِ
1- قال تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ [آل عمران: 187] .
أي: واذكُرْ -يا رَسولَ اللهِ- حينَ عَهِدَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ إلى اليَهودِ وغَيرِهم مِن أهلِ الكِتابِ عَهدًا مُؤَكَّدًا بأن يُبَيِّنوا ما في كُتُبِهم للنَّاسِ ولا يُخفوه أبَدًا، ومِن ذلك صِفةُ مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وإثباتُ رِسالتِه فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ أي: فكانتِ النَّتيجةُ أنَّهم نَقَضوا هذا العَهدَ، وتَرَكوا العَمَلَ به، كَكِتمانِهم صِفةَ مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عنِ النَّاسِ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أي: أرادوا مُقابِلَ نَقضِهم عَهدَ اللهِ تعالى بكِتمانِهم ما في كُتُبِهم الحُصولَ على حُظوظٍ دُنيَويَّةٍ خَسيسةٍ مِن مَناصِبَ أو أموالٍ، أو غَيرِ ذلك، فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ أي: فبئسَتِ الصَّفقةُ صَفقَتُهم، وما أخسَرَها مِن تِجارةٍ! لأنَّهمُ اختاروا الدَّنيءَ الخَسيسَ، وتَرَكوا العاليَ النَّفيسَ [2365] يُنظر: ((التفسير المحرر)) إعداد القسم العلمي بمؤسسة الدُّرَر السَّنيَّة (2/ 707، 708). .
وفي هذا تَحذيرٌ للعُلماءِ أن يَسلُكوا مَسلَكَهم فيُصيبَهم ما أصابَهم، ويَسَلُكَ بهم مَسلَكَهم، فعلى العُلماءِ أن يَبذُلوا ما بأيديهم مِنَ العِلمِ النَّافِعِ الدَّالِّ على العَمَلِ الصَّالحِ، ولا يَكتُموا مِنه شَيئًا [2366] ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (2/ 180، 181). .
(قال قتادةُ: هذا ميثاقٌ أخَذَه اللهُ تعالى على أهلِ العِلمِ، فمَن عَلِمَ شَيئًا فليُعَلِّمْه، وإيَّاكُم وكِتمانَ العِلمِ؛ فإنَّه هَلَكةٌ.
وقال أبو هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه: إنَّ النَّاسَ يقولونَ أكْثَرَ أبو هُرَيْرَةَ، ولَوْلَا آيَتَانِ في كِتَابِ اللَّهِ ما حَدَّثْتُ حَدِيثًا، ثُمَّ يَتْلُو إنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أنْزَلْنَا مِنَ البَيِّنَاتِ والهُدَى [البقرة: 159] إلى قَوْلِهِ الرَّحِيمُ [البقرة: 160] [2367] أخرجه البخاري (118). .
وقال الحَسَنُ بنُ عمارةَ: أتَيتُ الزُّهريَّ بَعدَ أن تَرَكَ الحَديثَ فألفيتُه على بابِه، فقُلتُ: إن رَأيتَ أن تُحَدِّثَني، فقال: أما عَلِمتَ أنِّي قد تَرَكتُ الحَديثَ؟ فقُلتُ: إمَّا أن تُحَدِّثَني وإمَّا أن أحدِّثَك، فقال: حَدِّثْني، فقُلتُ: حَدَّثَني الحَكَمُ بنُ عُتَيبةَ عن يَحيى بنِ الجَزَّارِ، قال: سَمِعتُ عليَّ بنَ أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عنه يَقولُ: ما أخَذَ اللَّهُ على أهلِ الجَهلِ أن يَتَعَلَّموا حتَّى أخَذَ على أهلِ العِلمِ أن يُعَلِّموا، قال: فحَدَّثَني أربَعينَ حَديثًا) [2368] يُنظر: ((معالم التنزيل)) للبغوي (2/ 149). .
2- قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ [البقرة: 159] .
قال الطَّبَريُّ: (هذه الآيةُ وإن كانت نَزَلت في خاصٍّ مِنَ النَّاسِ، فإنَّها مَعنيٌّ بها كُلُّ كاتِمٍ عِلمًا فرَضَ اللهُ تعالى بَيانَه للنَّاسِ) [2369] ((جامع البيان)) (2/ 731). .
وقال ابنُ كَثيرٍ: (هذا وعيدٌ شَديدٌ لمَن كَتَمَ ما جاءَت به الرُّسُلُ مِنَ الدَّلالاتِ البَيِّنةِ على المَقاصِدِ الصَّحيحةِ والهدى النَّافِعِ للقُلوبِ، مِن بَعدِ ما بَيَّنَه اللهُ تعالى لعِبادِه في كُتُبِه التي أنزَلها على رُسُلِه) [2370] ((تفسير القرآن العظيم)) (1/ 472). .
ب- مِنَ السُّنَّةِ
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: ((مَن سُئلَ عَن علمٍ علمَهُ، ثمَّ كتمَهُ، أُلجِمَ يومَ القِيامةِ بلِجامٍ مِن نارٍ)) [2371] أخرجه أبو داود (3658)، والترمذي (2649) واللفظ له، وابن ماجه (261). صححه ابن حبان في ((صحيحه)) (95)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (2649)، وحسنه الترمذي، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (1364)، وصحح إسناده الحاكم في ((المستدرك)) (349)، والذهبي في ((الكبائر)) (287). .

انظر أيضا: