موسوعة الآداب الشرعية

جملةٌ مِن آدابِ مجالسِ العلمِ


قال ابنُ حَزمٍ: (إذا حَضَرتَ مَجلسَ عِلمٍ فلا يَكُنْ حُضورُك إلَّا حُضورَ مُستَزيدٍ عِلمًا وأجرًا، لا حُضورَ مُستَغنٍ بما عِندَك طالِبٍ عَثرةً تُشَنِّعُها أو غَريبةً تُشَيِّعُها، فهذه أفعالُ الأرذالِ الذينَ لا يُفلِحونَ في العالمِ أبَدًا.
فإذا حَضَرتَها على هذه النِّيَّةِ فقد حَصَّلتَ خَيرًا على كُلِّ حالٍ، فإن لم تَحضُرْها على هذه النِّيَّةِ فجُلوسُك في مَنزِلِك أروحُ لبَدَنِك، وأكرَمُ لخُلُقِك، وأسلَمُ لدينِك.
فإذا حَضَرتَها كما ذَكَرنا فالتَزِمْ أحَدَ ثَلاثةِ أوجُهٍ لا رابعَ لها، وهي:
إمَّا أن تَسكُتَ سُكوتَ الجُهَّالِ فتَحصُلَ على أجرِ النِّيَّةِ في المُشاهَدةِ، وعلى الثَّناءِ عليك بقِلَّةِ الفُضولِ وعلى كَرَمِ المُجالَسةِ ومَودَّةِ مَن تُجالِسُ.
فإن لم تَفعَلْ فاسأَلْ سُؤالَ المُتَعَلِّمِ فتَحصُلَ على هذه الأربَعِ المَحاسِنِ وعلى خامِسةٍ، وهيَ استِزادةُ العِلمِ.
وصِفةُ سُؤالِ المُتَعَلِّمِ هو أن تَسألَ عمَّا لا تَدري لا عمَّا تَدري؛ فإنَّ السُّؤالَ عَمَّا تَدريه سُخفٌ وقِلَّةُ عَقلٍ وشَغلٌ لكَلامِك وقَطعٌ لزَمانِك بما لا فائِدةَ فيه لا لك ولا لغَيرِك، ورُبَّما أدَّى إلى اكتِسابِ العَداواتِ. وهو يُعَدُّ عَينَ الفُضولِ، فيَجِبُ عليك ألَّا تَكونَ فُضوليًّا؛ فإنَّها صِفةُ سوءٍ.
فإن أجابَك الذي سَألتَ بما فيه كِفايةٌ لك فاقطَعِ الكَلامَ، فإن لم يُجِبْك بما فيه كِفايةٌ أو أجابَك بما لم تَفهَمْ فقُلْ له: لم أفهَمْ، واستَزِده، فإن لم يَزِدْك بَيانًا وسَكت أو أعادَ عليك الكَلامَ الأوَّلَ ولا مَزيدَ، فأمسِكْ عنه، وإلَّا حَصَلتَ على الشَّرِّ والعَداوةِ، ولم تَحصُلْ على ما تُريدُه مِنَ الزِّيادةِ.
والوَجهُ الثَّالثُ: أن تُراجِعَ مُراجَعةَ العالمِ، وصِفةُ ذلك أن تُعارِضَ جَوابَه بما يَنقُضُه نَقضًا بَيِّنًا، فإنْ لم يَكُنْ ذلك عِندَك ولم يَكُنْ عِندَك إلَّا تَكرارُ قَولِك أوِ المُعارَضةُ بما لا يَراه خَصمُك مُعارَضةً، فأمسِكْ؛ لأنَّك لا تَحصُلُ بتَكرارِ ذلك على أجرٍ زائِدٍ ولا على تَعليمٍ، بل على الغَيظِ لك ولخَصمِك، والعَداوةِ التي رُبَّما أدَّت إلى المضَرَّاتِ.
وإيَّاك وسُؤالَ المُعنِتِ ومُراجَعةَ المُكابِرِ الذي يَطلُبُ الغَلبةَ بغَيرِ عِلمٍ، فهُما خُلُقا سوءٍ دَليلانِ على قِلَّةِ الدِّينِ، وكَثرةِ الفُضولِ، وضَعفِ العَقلِ، وقوَّةِ السُّخفِ، وحَسبُنا اللهُ ونِعمَ الوكيلُ) [2425] ((رسائل ابن حزم)) (1/ 411، 412). .

انظر أيضا: