موسوعة الآداب الشرعية

تاسعًا: السَّلامُ إذا دَخَل بَيتَه


مِن السُّنةِ أن يُسَلِّمَ المسلمُ إذا دَخَل بيتَه.
الدليلُ على ذلك مِنَ الكِتابِ والسُّنَّةِ والآثارِ:
أ- مِن الكتابِ
قال تعالى: فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ [النور: 61] .
فقوله: بُيُوتًا نكرةٌ في سِياقِ الشَّرطِ؛ يشملُ بيتَ الإنسانِ وبيتَ غَيرِه [105] ((تيسير الكريم الرحمن)) (ص: 575). . فإذا دخَل بيتًا لغَيرِه استأذَن، وإن دخَل بيتًا لنفْسِه فإذا كان فيه أهلُه وعيالُه وخَدَمُه، فلْيَقُلْ: السلامُ عليكم؛ فإنَّهم أهلٌ للتحيَّةِ منه [106] ((أحكام القرآن)) لابن العربي (3/427). قال النووي: (ويستحبّ إذا دخلَ بيتَه أن يُسلِّم وإن لم يكن فيه أحد، وليقل: السَّلامُ عَلَيْنا وعلى عِبادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ). ((الأذكار)) (ص: 257). وقال ابنُ حجرٍ: (ويدخُلُ في عُمومِ إفشاءِ السَّلامِ: السَّلامُ على النفْسِ لِمنْ دخَل مكانًا ليس فيه أحَدٌ؛ لِقَولِه تعالى: فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ الآيةَ. وأخرَج البخاريُّ في الأدَبِ المُفردِ، وابنُ أبي شيبةَ بسَنَدٍ حَسَنٍ، عن ابنِ عُمَرَ: «فيُستحَبُّ إذا لم يكُنْ أحَدٌ في البيتِ أن يقولَ: السَّلامُ علينا وعلى عبادِ اللهِ الصَّالحينَ»، وأخرج الطبريُّ عن ابنِ عباسٍ، ومِن طريقِ كُلٍّ مِن عَلْقَمةَ وعَطاءٍ ومُجاهدٍ، نحوَه) ((فتح الباري)) (11/20). وقال ابن العربي: (والذي أختارُه إذا كان البيتُ فارغًا أنَّه لا يلزَمُ السَّلامُ). ((أحكام القرآن)) (3/427). .
ب- مِنَ السُّنَّةِ
عَن أبي أُمامةَ الباهِليِّ رَضِيَ اللهُ عنه، عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((ثَلاثةٌ كُلُّهم ضامِنٌ [107] ضامِنٌ: معناه مضمونٌ، فاعِلٌ بمعنى مفعولٍ، كقولِه سُبحانَه: فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ [الحاقة: 21] أي: مرضيَّةٍ، وقولِه عزَّ وجَلَّ: مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ [الطارق: 6] ، أي: مدفوقٍ. وقيل: معنى: ((ضامِنٌ على اللهِ)): أي: صاحِبُ ضَمانٍ، والضَّمانُ: الرِّعايةُ للشَّيءِ، كما يقالُ: تامِرٌ ولابِنٌ: أي: صاحِبُ تمرٍ ولبنٍ، فمعناه: أنَّه في رعايةِ اللهِ تعالى. يُنظر: ((معالم السنن)) للخطابي (2/ 238)، ((الأذكار)) للنووي (ص: 24). على اللهِ عَزَّ وجَلَّ: رَجُلٌ خَرَجَ غازيًا في سَبيلِ اللهِ، فهو ضامِنٌ على اللهِ حتَّى يَتَوفَّاه فيُدخِلَه الجَنَّةَ، أو يَرُدَّه بما نال مِن أجرٍ وغَنيمةٍ، ورَجُلٌ راحَ إلى المَسجِدِ، فهو ضامِنٌ على اللهِ حتَّى يَتَوفَّاه فيُدخِلَه الجَنَّةَ، أو يَرُدَّه بما نال مِن أجرٍ وغَنيمةٍ، ورَجُلٌ دَخل بَيتَه بسَلامٍ فهو ضامِنٌ على اللهِ عَزَّ وجَلَّ)) [108] أخرجه أبو داود (2494) واللفظ له، وابن حبان (499)، والحاكم (2435). صَحَّحه ابنُ حبان، وابن القيم في ((زاد المعاد)) (2/348)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (2494)، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (486). .
وفي رِوايةٍ: ((ثَلاثةٌ كُلُّهم ضامِنٌ على اللهِ، إن عاشَ كُفِي، وإن ماتَ دَخَل الجَنَّةَ: مَن دَخَل بَيتَه بسَلامٍ فهو ضامِنٌ على اللهِ عَزَّ وجَلَّ، ومَن خَرَجَ إلى المَسجِدِ فهو ضامِنٌ على اللهِ، ومَن خَرَجَ في سَبيلِ اللهِ فهو ضامِنٌ على اللهِ)) [109] أخرجها البخاري في ((الأدب المفرد)) (1094). صَحَّحها الألباني في ((صحيح الأدب المفرد)) (832). .
وقولُه: ((ورجُلٌ دخَل بَيتَه بسَلامٍ)) يعني: أن يُسلِّمَ إذا دخَل مَنزِلَه، كما قال تعالى: فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً [النور: 61] ، وهذا على أحدِ الاحتمالينِ في الحديثِ [110] والاحتمالُ الثَّاني: أن يكونَ أراد بدُخولِ بَيتِه بسَلامٍ، أي: لزِم البَيتَ طلبًا للسَّلامةِ مِن الفِتَنِ، يُرغِّبُ بذلك في العُزلةِ، ويأمُرُ بالإقلالِ مِن الخلطةِ. يُنظر: ((معالم السنن)) للخطابي (2/ 239). .
ج- مِنَ الآثارِ
عَن أبي الزُّبيرِ، أنَّه سَمِعَ جابرًا رَضِيَ اللهُ عنه يَقولُ: (إذا دَخَلتَ على أهلِك فسَلِّمْ عليهم تَحيَّةً مِن عِندِ اللهِ مُبارَكةً طيِّبةً...) [111] أخرجه البخاري في ((الأدب المفرد)) (1095) واللفظ له، وابن أبي حاتم في ((التفسير)) (15663)، والطبري في ((التفسير)) (19/225). صَحَّح إسنادَه الألباني في ((صحيح الأدب المفرد)) (833). .

انظر أيضا: