موسوعة الآداب الشرعية

رابعًا: المُعانَقةُ لمَن قَدِمَ مِن سَفَرٍ


تُشرَعُ معانقةُ القادِمِ مِن سَفَرٍ ونَحوِه [273] والأكثرونَ والمحقِّقونَ على أنَّ معانقةَ الرجلِ للرجلِ القادمِ مِن سفرٍ مستحبةٌ. يُنظر: ((شرح النووي على مسلم)) (15/ 193).
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ والآثارِ:
أ- مِنَ السُّنَّةِ
 عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((خَرَجَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في ساعةٍ لا يَخرُجُ فيها ولا يَلقاه فيها أحَدٌ، فأتاه أبو بَكرٍ، فقال: ما جاءَ بك يا أبا بَكرٍ؟ فقال: خَرَجتُ ألقى رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأنظُرُ في وَجهِه والتَّسليمَ عليه، فلم يَلبَثْ أن جاءَ عُمَرُ، فقال: ما جاءَ بك يا عُمَرُ؟ قال: الجوعُ يا رَسولَ اللهِ! قال: فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: وأنا قَد وجَدتُ بَعضَ ذلك، فانطَلقوا إلى مَنزِلِ أبي الهَيثَمِ بنِ التَّيِّهانِ الأنصاريِّ، وكان رَجُلًا كثيرَ النَّخلِ والشَّاءِ، ولم يَكُنْ له خَدَمٌ، فلم يَجِدوه، فقالوا لامرَأتِه: أينَ صاحِبُكِ؟ فقالت: انطَلقَ يَستَعذِبُ لنا الماءَ [274] أي: يستسقي لنا ماءً عَذبًا من بئرٍ ثمَّ يأتينا به. قال الهيتميُّ: (فيه جوازُ استعذابِه وتطييبِه، وأنَّ ذلك لا ينافي الزُّهدَ. ومن ثمَّ نُقِل عن الشَّافعيِّ أنَّه قال: شُربُ الماءِ الباردِ يُخلِصُ الحمدَ للهِ... وفيه أنَّ خِدمةَ الغَنيِّ أهلَ بَيتِه وتولِّيَه حوائِجَهم بنفسِه لا ينافي المروءةَ، بل هو من كمالِ الخُلُقِ والتَّواضُعِ). ((أشرف الوسائل إلى فهم الشمائل)) (ص: 547). ، فلم يَلبَثوا أن جاءَ أبو الهيثَمِ بقِربةٍ يَزعَبُها [275] أي: يَتَدافعُ بها ويَحمِلُها لثِقلِها. وقيل: زَعَبَ بحَملِه: إذا استَقامَ. يُنظر: ((غريب الحديث)) للخطابي (1/ 482)، ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) لابن الأثير (2/ 302). ، فوضَعَها ثُمَّ جاءَ يَلتَزِمُ [276] أي: يعانِقُ. يُنظر: ((أشرف الوسائل)) للهيتمي (ص: 547)، ((جمع الوسائل)) للقاري (2/ 191). النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ويُفَدِّيه بأبيه وأمِّه [277] أي: يقولُ: فِداك أبي وأمي. يُنظر: ((أشرف الوسائل)) للهيتمي (ص: 547)، ((جمع الوسائل)) للقاري (2/ 191). ، ثُمَّ انطَلقَ بهم إلى حَديقَتِه فبَسَط لهم بساطًا، ثُمَّ انطَلقَ إلى نَخلةٍ فجاءَ بقِنوٍ [278] القِنوُ: العِثكالُ بما عليه مِنَ الثَّمَرِ، والعِثْكالُ: العِذقُ مِن أعذاقِ النَّخلِ الذي يَكونُ فيه الرُّطبُ، وكُلُّ غُصنٍ مِن أغصانِه شِمراخٌ. يُنظر: ((غريب الحديث)) للخطابي (1/ 482)، ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) لابن الأثير (2/ 500) و(3/ 183). فوضَعَه، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أفلا تَنَقَّيتَ لنا مِن رُطَبِه؟ فقال: يا رَسولَ اللهِ، إنِّي أرَدتُ أن تَختاروا، أو قال: تَخيَّروا مِن رُطَبِه وبُسرِه، فأكَلوا وشَرِبوا مِن ذلك الماءِ...)) الحديث [279] أخرجه الترمذي (2369) واللفظ له، والطبراني (19/256) (570)، والحاكم (7178). صحَّحه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (2369)، وقال التِّرمِذيُّ: حَسَنٌ صَحيحٌ غَريبٌ، وصحَّح إسنادَه الحاكم وقال: على شرط الشيخين، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (36/477). وأصله في صحيح مسلم (2038). .
ب- مِنَ الآثارِ
1- عن عبدِ اللهِ بنِ محمَّدِ بنِ عَقيلٍ، أنَّه سَمِع جابِرَ بنَ عبدِ اللَّهِ، يقولُ: بلغني حديثٌ عن رجُلٍ سمِعَه من رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فاشتريتُ بعيرًا، ثم شدَدْتُ عليه رَحْلي، فسِرْتُ إليه شَهرًا، حتَّى قَدِمتُ عليه الشَّامَ، فإذا عبدُ اللهِ بنُ أُنَيسٍ، فقُلتُ للبوَّابِ: قُلْ له: جابِرٌ على البابِ، فقال: ابنُ عبدِ اللَّهِ؟ قلتُ: نَعَم، فخرَج يطَأُ ثوبَه فاعتَنَقني واعتنَقْتُه، ...)) الحديث [280] أخرجه أحمد (16042) واللفظ له، والحاكم (3683)، والبيهقي في ((الأسماء والصفات)) (131). وقَولُه: ((يُحشَرُ النَّاسُ يَومَ القيامةِ -أو قال: العِبادُ- عُراةً غُرلًا بُهمًا، قال: قُلنا: وما بُهمًا؟ قال: ليس مَعَهم شيءٌ، ثُمَّ يُناديهم بصَوتٍ يَسمَعُه مَن [بَعُدَ كما يَسمَعُه مَن] قَرُبَ: أنا المَلِكُ، أنا الدَّيَّانُ)) أخرجه البخاري مُعَلَّقًا بصيغة التمريض قبل حديث (7481) دون قوله: ((عُراةً غُرلًا بُهمًا)). صَحَّحه الألباني في تخريج ((كتاب السنة)) (514)، وحَسَّنه ابنُ القيم في ((مختصر الصواعق المرسلة)) (489)، وصَحَّح إسنادَه الحاكم. .
2- عن قتادةَ، عن أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((كان أصحابُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا تَلاقَوا تَصافَحوا، وإذا قَدِموا مِن سَفرٍ تَعانَقوا)) [281] أخرجه الطبراني في ((المعجم الأوسط)) (97). حَسَّنه الألباني في ((صحيح الترغيب)) (2719)، وذكر ثبوتَه ابنُ باز في ((فتاوى نور على الدرب)) (9/212). .
3- عن غالِبٍ التَّمَّارِ، قال: كان مُحَمَّدُ بنُ سِيرينِ يَكرَهُ المُصافَحةَ، فذَكَرتُ ذلك للشَّعبيِّ، فقال: (كان أصحابُ مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا التَقَوا صافَحوا، فإذا قَدِموا مِن سَفَرٍ عانَقَ بَعضُهم بَعضًا) [282] أخرجه البيهقي (13959). جَوَّد إسنادَه الألبانيُّ في ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (6/304)، ووثق رجاله العيني في ((نخب الأفكار)) (13/450) .

انظر أيضا: