موسوعة الآداب الشرعية

ثالثًا: السَّلامُ والاستِئذانُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ


إن سَلَّمَ ثُمَّ استَأذَنَ ولم يُجِبْه أحَدٌ، كرَّر ذلك مرَّتينِ وثلاثًا، فإن لم يُجِبْه أحَدٌ انصَرَف.
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ والآثارِ:
أ- مِنَ السُّنَّةِ
1- عن أبي سعيدٍ الخُدْريِّ رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: ((كُنتُ في مجلِسٍ من مجالِسِ الأنصارِ إذ جاء أبو موسى كأنَّه مذعورٌ، فقال: استأذَنْتُ على عُمَرَ ثلاثًا، فلم يُؤذَنْ لي فرجَعْتُ، فقال: ما منَعَك؟ قلتُ: استأذَنتُ ثلاثًا فلم يؤذَنْ لي فرجَعْتُ، وقال رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إذا استأذَن أحَدُكم ثلاثًا فلم يؤذَنْ له فليرجِعْ، فقال: واللَّهِ لتُقيمَنَّ عليه ببَيِّنةٍ، أمنكم أحدٌ سمعِهَ من النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟ فقال أُبَيُّ بنُ كَعبٍ: واللَّهِ لا يقومُ معك إلَّا أصغَرُ القومِ، فكنتُ أصغَرَ القومِ، فقُمتُ معه، فأخبَرْتُ عُمَرَ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال ذلك)) [662] أخرجه البخاري (6245) واللفظ له، ومسلم (2153). .
وفي رِواية: (كُنَّا في مَجلسٍ عِندَ أُبَيِّ بنِ كَعبٍ، فأتى أبو موسى الأشعَريُّ مُغضَبًا حتَّى وقَف، فقال: أنشُدُكُمُ اللَّهَ هَل سَمِعَ أحَدٌ مِنكُم رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: «الاستِئذانُ ثَلاثٌ؛ فإن أُذِن لك، وإلَّا فارجِعْ؟» قال أُبَيٌّ: وما ذاكَ؟ قال: استَأذَنتُ على عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ أمسِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، فلم يُؤذَنْ لي، فرَجَعتُ، ثُمَّ جِئتُه اليَومَ فدَخَلتُ عليه، فأخبَرتُه أنِّي جِئتُ أمسِ فسَلَّمتُ ثَلاثًا، ثُمَّ انصَرَفتُ. قال: قد سَمِعناك ونَحنُ حينَئِذٍ على شُغلٍ، فلو ما استَأذَنتَ حتَّى يُؤذَنَ لك! قال: استَأذَنتُ كَما سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم...) الحَديثَ [663] أخرجها مسلم (2153). .
وفي رِوايةٍ قال أبو سَعيدٍ رَضِيَ اللهُ عنه: (فأتانا -يَعني: أبا موسى- فقال: ألم تَعلَموا أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: «الاستِئذانُ ثَلاثٌ»؟ قال: فجَعَلوا يَضحَكونَ، قال: فقُلتُ: أتاكُم أخوكُمُ المُسلمُ قد أُفزِعَ، تَضحَكونَ؟! انطَلِقْ فأنا شَريكُك في هذه العُقوبةِ، فأتاه فقال: هذا أبو سَعيدٍ) [664] أخرجها مسلم (2153). .
وفي رِوايةٍ قال عُمَرُ رضِيَ اللهُ عنه: (خَفِيَ عَلَيَّ هذا مِن أمرِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم! ألهاني عنه الصَّفقُ [665] ألهاني: أي أنساني وشَغَلني. والصَّفْقُ مَعناه: التَّصَرُّفُ في التِّجارةِ، والصَّفقُ أيضًا عَقدُ البَيعِ. يُنظر: ((مشارق الأنوار)) لعياض (1/ 363) و(2/ 50). بالأسواقِ) [666] أخرجها البخاري (2062)، ومسلم (2153) واللفظ له. .
وفي رِوايةٍ: (جاءَ أبو موسى إلى عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ فقال: السَّلامُ عليكُم، هذا عَبدُ اللَّهِ بنُ قَيسٍ، فلم يَأذَنْ له، فقال: السَّلامُ عليكُم، هذا أبو موسى، السَّلامُ عليكُم، هذا الأشعَريُّ، ثُمَّ انصَرَف، فقال: رُدُّوا عليَّ، رُدُّوا عليَّ، فجاءَ فقال: يا أبا موسى، ما رَدَّك؟ كُنَّا في شُغلٍ، قال: سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: «الاستِئذانُ ثَلاثٌ؛ فإن أُذِنَ لك، وإلَّا فارجِعْ»، قال: لتَأتِيَنِّي على هذا ببَيِّنةٍ، وإلَّا فعَلتُ وفعَلتُ! فذَهَبَ أبو موسى. قال عُمَرُ: إن وَجَدَ بَيِّنةً تَجِدوه عِندَ المِنبَرِ عَشيَّةً، وإن لم يَجِدْ بَيِّنةً فلم تَجِدوه، فلمَّا أن جاءَ بالعَشيِّ وجَدوه، قال: يا أبا موسى، ما تَقولُ؟ أقَد وجَدتَ؟ قال: نَعَم، أُبَيُّ بنُ كَعبٍ، قال: عَدلٌ، قال: يا أبا الطُّفَيلِ، ما يَقولُ هذا؟ قال: سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ ذلك يا ابنَ الخَطَّابِ، فلا تَكونَنَّ عَذابًا على أصحابِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: سُبحانَ اللَّهِ! إنَّما سَمِعتُ شَيئًا، فأحبَبتُ أن أتَثَبَّتَ) [667] أخرجها مسلم (2154). .
قال ابنُ عبدِ البَرِّ: (ظاهِرُ هذا الحَديثِ يوجِبُ ألَّا يَستَأذِنَ الإنسانُ أكثَرَ مِن ثَلاثٍ، فإن أُذِنَ له وإلَّا رَجَعَ، وهو قَولُ أكثَرِ العُلماءِ...
والاستِئذانُ أن يَقولَ: السَّلامُ عليكُم، آدخُلُ؟
وقال بَعضُهمُ: المَرَّةُ الأولى مِنَ الاستِئذانِ استِئذانٌ، والمَرَّةُ الثَّانيةٌ مَشورةٌ هَل يُؤذَنُ له في الدُّخولِ أم لا؟ والثَّالثةُ عَلامةُ الرُّجوعِ، ولا يَزيدُ على الثَّلاثِ) [668] ((التمهيد)) (24/ 204). .
2- عن أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((كان رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَزورُ الأنصارَ، فإذا جاءَ إلى دُورِ الأنصارِ جاءَ صِبيانُ الأنصارِ يَدورونَ حَولَه، فيَدعو لهم ويَمسَحُ رؤوسَهم، ويُسَلِّمُ عليهم، فأتى إلى بابِ سَعدِ بنِ عُبادةَ، فسَلَّمَ عليهم، فقال: السَّلامُ عليكُم ورَحمةُ اللهِ وبَرَكاتُه، فرَدَّ سَعدٌ فلم يُسمِعِ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ثَلاثَ مَرَّاتٍ، وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لا يَزيدُ فوقَ ثَلاثِ تَسليماتٍ؛ فإنَّ أُذِنَ له وإلَّا انصَرَف، فخَرَجَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فجاءَ سَعدٌ مُبادِرًا، فقال: يا رَسولَ اللهِ، ما سَلَّمتَ تسليمةً إلَّا قد سَمِعتُها ورَدَدتُها، ولكِنْ أرَدتُ أن تُكثِرَ علينا مِنَ السَّلامِ والرَّحمةِ! فادخُلْ يا رَسولَ اللهِ، فدَخَل، فجَلسَ فقَرَّب إليه سَعدٌ طَعامًا، فأصابَ مِنه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فلمَّا أرادَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يَنصَرِفَ قال: أكَل طَعامَكُمُ الأبرارُ، وأفطَرَ عِندَكُمُ الصَّائِمونَ، وصَلَّت عليكُمُ المَلائِكةُ)) [669] أخرجه البزَّارُ (6872)، والطحاويُّ في ((شرح مشكل الآثار)) (1577) واللفظُ له، والبيهقيُّ في ((الآداب)) (470). صحَّح إسنادَه الألبانيُّ في ((آداب الزفاف)) (97)، وشعيب الأرناؤوط على شرطِ مُسلمٍ في تخريج ((شرح مشكل الآثار)) (1577). ورُوي بلفظِ: عن أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عنه أو غيرِه ((أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم استَأذَنَ على سَعدِ بنِ عُبادةَ، فقال: السَّلامُ عليكُم ورَحمةُ اللهِ، فقال سَعدٌ: وعليك السَّلامُ ورَحمةُ اللهِ، ولم يُسمِعِ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حتَّى سَلَّمَ ثَلاثًا، ورَدَّ عليه سَعدٌ ثَلاثًا، ولم يُسمِعْه، فرَجَعَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم واتَّبَعَه سَعدٌ، فقال: يا رَسولَ اللهِ، بأبي أنتَ وأمِّي! ما سَلَّمتَ تسليمةً إلَّا هي بأذُني، ولقَد رَدَدتُ عليك ولم أُسمِعْك، أحبَبتُ أن أستَكثِرَ مِن سَلامِك، ومِنَ البَرَكةِ! ثُمَّ أدخَلَه البيتَ فقَرَّب له زَبيبًا، فأكل نَبيُّ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فلمَّا فرَغَ قال: أكَلَ طَعامَكُمُ الأبرارُ، وصَلَّت عليكُمُ المَلائِكةُ، وأفطَرَ عِندَكُمُ الصَّائِمونَ)). أخرجه أحمدُ (12406) واللفظُ له، وعبدُ الرزَّاقِ (19425)، والبيهقيُّ (14788). صحَّح إسنادَه النوويُّ في ((الأذكار)) (247)، والعراقيُّ في ((تخريج الإحياء)) (2/16)، والألبانيُّ في ((آداب الزفاف)) (97)، وشعيب الأرناؤوط على شرطِ الشَّيخينِ في تخريجِ ((مسند أحمد)) (12406). .
قال الطَّحاويُّ: (في هذا الحَديثِ تَعليمُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم النَّاسَ ألَّا يَزيدوا في السَّلامِ عِندَ وُقوفِهم على الأبوابِ على ثَلاثِ مَرَّاتٍ؛ لأنَّ ذلك مِمَّا يَعلمُ المُسلمُ أنَّ في ذلك البَيتِ مَن يَجوزُ أن يَرُدَّ سَلامَه عليه مِنَ الرِّجالِ فيَنتَظِرُه، أو أنَّ فيه مَن لا يَجوزُ مِنه رَدُّ السَّلامِ عليه مِنَ النِّساءِ فيَنصَرِفُ، وهذه سُنَّةٌ قائِمةٌ، وأدَبٌ حَسَنٌ لا يَنبَغي تَعَدِّيهما إلى غَيرِهما، واللهُ نَسألُه التَّوفيقَ) [670] ((شرح مشكل الآثار)) (4/ 243). .
3- عن أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان إذا سَلَّم سَلَّم ثَلاثًا، وإذا تَكَلَّمَ بكَلِمةٍ أعادَها ثَلاثًا)) [671] أخرجه البخاري (6244). .
قال الخَطَّابيُّ: (أمَّا إعادَتُه الكَلامَ ثَلاثًا فإنَّما كان يَفعَلُه لأحَدِ مَعنَيَينِ؛ أحَدُهما: أن يَكونَ بحَضرَتِه مَن يَقصُرُ فَهمُه عن وَعيِ ما يَقولُه، فيُكَرِّرُ القَولَ ليَقَعَ به الفهمُ، إذ هو مَأمورٌ بالبَيانِ والتَّبليغِ، وإمَّا أن يَكونَ القَولُ الذي يَتَكَلَّمُ به نَوعًا مِنَ الكَلامِ الذي يدخُلُه الإشكالُ والاحتِمالُ، فيُظاهرُ بالبَيانِ لتَزولَ الشُّبهةُ فيه، ويَرتَفِعَ الإشكالُ مَعَه.
وأمَّا تَسليمُه ثَلاثًا فيُشبِهُ أن يَكونَ ذلك عِندَ الاستِئذانِ إذا زارَ قَومًا فسَلَّمَ فلم يُؤذَنْ له، سَلَّم ثانيةً وثالثةً) [672] ((أعلام الحديث)) (1/ 207، 208). .
وقال أبو الزِّنادِ: (إنَّما كان يُكَرِّرُ الكَلامَ ثَلاثًا والسَّلامَ ثَلاثًا إذا خَشيَ أن لا يُفهَمَ عنه، أو لا يُسمَعَ سَلامُه، أو إذا أرادَ الإبلاغَ في التَّعليمِ، أوِ الزَّجرَ في المَوعِظةِ. وفيه أنَّ الثَّلاثَ غايةُ ما يَقَعُ به البَيانُ والإعذارُ به) [673] ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (1/ 172، 173). وقال ابنُ بَطَّالٍ: (قال المُهلَّبُ: أمَّا تَسليمُه صَلَّى اللهُ عَليه ثَلاثًا، وكَلامُه ثَلاثًا، فهو ليُبالِغَ في الإفهامِ والإسماعِ، وقد أورَدَ اللَّهُ ذلك في القُرآنِ، فكَرَّرَ القصَصَ والأخبارَ والأوامِرَ ليُفهِمَ عِبادَه، وليَتَدَبَّرَ السَّامِعُ في المَرَّةِ الثَّانيةِ والثَّالثةِ ما لم يَتَدَبَّرْ في الأولى، وليَرسخَ ذلك في قُلوبِهم. والحِفظُ إنَّما هو تكَرُّرُ الدِّراسةِ للشَّيءِ المَرَّةَ بَعدَ المَرَّةِ، وقد كان النَّبيُّ عَليه السَّلامُ يَقولُ الشَّيءَ المَرَّةَ الواحِدةَ، وقَولُ أنَسٍ: "إنَّه كان إذا تَكَلَّمَ بكَلمةٍ أعادَها ثَلاثًا" يُريدُ في أكثَرِ أمرِه، وأُخرِجَ الحَديثُ مَخرَجَ العُمومِ، والمُرادُ به الخُصوصُ). ((شرح صحيح البخاري)) (9/ 24، 25). .
وقال القُرطُبيُّ: (قال عُلماؤُنا رَحمةُ اللهِ عليهم: إنَّما خُصَّ الاستِئذانُ بثَلاثٍ؛ لأنَّ الغالبَ مِنَ الكَلامِ إذا كُرِّرَ ثَلاثًا سُمِع وفُهِم؛ ولذلك كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا تَكَلَّمَ بكَلِمةٍ أعادَها ثَلاثًا حتَّى يُفهَمَ عنه، وإذا سَلَّمَ على قَومٍ سَلَّمَ عليهم ثَلاثًا. وإذا كان الغالِبُ هذا، فإذا لم يُؤذَنْ له بَعدَ ثَلاثٍ ظَهَرَ أنَّ رَبَّ المَنزِلِ لا يُريدُ الإذنَ، أو لعَلَّه يَمنَعُه مِنَ الجَوابِ عنه عُذرٌ لا يُمكِنُه قَطعُه، فيَنبَغي للمُستَأذِنِ أن يَنصَرِفَ؛ لأنَّ الزِّيادةَ على ذلك قد تُقلِقُ رَبَّ المَنزِلِ، ورُبَّما يَضُرُّه الإلحاحُ حتَّى يَنقَطِعَ عَمَّا كان مَشغولًا به، كما قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لأبي أيُّوبَ حينَ استَأذَنَ عليه فخَرَجَ مُستَعجِلًا، فقال: «لعَلَّنا أعجَلْناك...» الحَديثَ [674] أخرجه مسلمٌ (343) باختلافٍ يسيرٍ من حديثِ أبي سَعيدٍ الخُدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، وسَمَّى الرَّجُلَ "عِتبانَ"، ولَفظُه: عن عبدِ الرَّحمنِ بنِ أبي سَعيدٍ الخُدريِّ، عن أبيه، قال: ((خَرَجتُ مَعَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَومَ الاثنَينِ إلى قُباءَ حتَّى إذا كُنَّا في بَني سالمٍ وقَف رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على بابِ عِتبانَ، فصَرَخَ به، فخَرَجَ يَجُرُّ إزارَه، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أعجَلنا الرَّجُلَ! فقال عِتبانُ: يا رَسولَ اللهِ، أرَأيتَ الرَّجُلَ يُعجَلُ عنِ امرَأتِه ولم يُمنِ، ماذا عليه؟ قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنَّما الماءُ مِنَ الماءِ)). وأخرجه البخاري (180)، ومسلم (345) من حديثِ أبي سَعيدٍ الخُدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، وليسَ فيه ذِكرُ أبي أيُّوبَ رَضِيَ اللهُ عنه، ولفظُ البخاريِّ: عن أبي سَعيدٍ الخُدريِّ: ((أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أرسَل إلى رَجُلٍ مِنَ الأنصارِ، فجاءَ ورَأسُه يَقطُرُ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: لعَلَّنا أعجَلناكَ! فقال: نَعَم، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إذا أُعجِلتَ أو قُحِطتَ فعَليكَ الوُضوءُ)). [675] ((الجامع لأحكام القرآن)) (12/ 215). .
وقال ابنُ القَيِّمِ: (كان مِن هَدْيِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا استَأذَنَ ثَلاثًا ولم يُؤذَنْ له، انصَرَف، وهو رَدٌّ على مَن يَقولُ: إن ظَنَّ أنَّهم لم يَسمَعوا زاد على الثَّلاثِ، ورَدٌّ على مَن قال: يُعيدُه بلفظٍ آخَرَ، والقَولانِ مُخالِفانِ للسُّنَّةِ) [676] ((زاد المعاد)) (2/ 393). .
ب- مِنَ الآثارِ
عن أبي العَلانيةِ، قال: (أتَيتُ أبا سَعيدٍ الخُدريَّ، فسَلَّمتُ فلم يُؤذَنْ لي، ثُمَّ سَلَّمتُ فلم يُؤذَنْ لي، ثُمَّ سَلَّمتُ الثَّالثةَ فرَفَعتُ صَوتي وقُلتُ: السَّلامُ عليكُم يا أهلَ الدَّارِ، فلم يُؤذَنْ لي، فتَنَحَّيتُ ناحيةً فقَعَدتُ، فخَرَجَ إليَّ غُلامٌ فقال: ادخُلْ، فدَخَلتُ، فقال لي أبو سَعيدٍ: أمَا إنَّك لو زِدتَ لم يُؤذَنْ لك!) [677] أخرجه البخاري في ((الأدب المفرد)) (1077). صحَّحه الألبانيُّ في ((صحيح الأدب المفرد)) (821). .
فائِدةٌ:
قال قتادةُ: (كان يُقالُ: الاستِئذانُ ثَلاثُ مَرَّاتٍ، فمَن لم يُؤذَنْ له فيهنَّ فليَرجِعْ؛ أمَّا الأولى: فلِيُسمِعَ الحَيَّ، وأمَّا الثَّانيةُ: فلِيَأخُذوا حِذرَهم، وأمَّا الثَّالِثةُ: فإن شاؤوا أذِنوا، وإن شاؤوا رَدُّوا، ولا تَقِفَنَّ على بابِ قَومٍ رَدُّوك عن بابِهم؛ فإنَّ للنَّاسِ حاجاتٍ، ولهم أشغالٌ، واللهُ أعلمُ بالعُذرِ) [678] يُنظر: ((التفسير)) ليحيى بن سلام (1/ 439)، ((التفسير البسيط)) للواحدي (16/ 193)، ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (6/ 40). .

انظر أيضا: