موسوعة الآداب الشرعية

عاشرًا: مَن قامَ مِن مَجلِسِه ثُمَّ رَجَعَ إليه فهو أحَقُّ به


مَن قامَ مِن مَجلِسِه الذي كان يجلسُ فيه ثُمَّ رَجَعَ إليه فهو أحَقُّ به.
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إذا قامَ أحَدُكُم مِن مَجلسِه، ثُمَّ رَجَعَ إليه فهو أحَقُّ به [1095] قال ابنُ تَيميَّةَ: (أمَّا ما يَفعَلُه كَثيرٌ مِنَ النَّاسِ مِن تَقديم مَفارِشَ إلى المَسجِدِ يَومَ الجُمُعةِ أو غَيرِها قَبل ذَهابِهم إلى المَسجِدِ، فهذا مَنهيٌّ عنه باتِّفاقِ المسلِمينَ، بَل مُحَرَّمٌ. وهَل تَصِحُّ صَلاتُه على ذلك المَفروشِ؟ فيه قَولانِ للعُلماءِ؛ لأنَّه غَصَبَ بُقعةً في المَسجِدِ بفَرشِ ذلك المَفروشِ فيها، ومَنعِ غَيرِه مِنَ المُصَلِّينِ الذينَ يَسبِقونَه إلى المَسجِدِ أن يُصَلِّيَ في ذلك المَكانِ، ومَن صَلَّى في بُقعةٍ مِنَ المَسجِدِ مَعَ مَنعِ غَيرِه أن يُصَلِّيَ فيها: فهَل هو كالصَّلاةِ في الأرضِ المَغصوبةِ؟ على وجهَينِ. وفي الصَّلاةِ في الأرضِ المَغصوبةِ قَولانِ للعُلماءِ، وهذا مُستَنَدُ مَن كَرِهَ الصَّلاةَ في المَقاصيرِ التي يُمنَعُ الصَّلاةَ فيها عُمومُ النَّاسِ. والمَشروعُ في المَسجِدِ أنَّ النَّاسَ يُتِمُّونَ الصَّفَّ الأوَّلَ كما قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "ألَا تَصُفُّونَ كَما تَصُفُّ المَلائِكةُ عِندَ رَبِّها؟ قالوا: وكَيف تَصُفُّ المَلائِكةُ عِندَ رَبِّها؟ قال: يُتِمُّونَ الصَّفَّ الأوَّلَ فالأوَّلَ، ويتراصُّون في الصَّفِّ". وفي الصَّحيحينِ عنه أنَّه قال: "لو يَعلمُ النَّاسُ ما في النِّداءِ والصَّفِّ الأوَّلِ، ثُمَّ لم يَجِدوا إلَّا أن يَستَهِموا عليه لاستَهَموا، ولو يَعلَمونَ ما في التَّهجيرِ لاستَبَقوا إليه". والمَأمورُ به أن يَسبقَ الرَّجُلُ بنَفسِه إلى المَسجِدِ، فإذا قدَّمَ المَفروشَ وتَأخَّرَ هو فقد خالَف الشَّريعةَ مِن وجهَينِ: مِن جِهةِ تَأخُّرِه وهو مَأمورٌ بالتَّقدُّمِ. ومِن جِهةِ غَصبِه لطائِفةٍ مِنَ المَسجِدِ ومَنعِه السَّابقينَ إلى المَسجِدِ أن يُصَلُّوا فيه وأن يُتِمُّوا الصَّفَّ الأوَّلَ فالأوَّلَ، ثُمَّ إنَّه يَتَخَطَّى النَّاسَ إذا حَضَروا... وقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم للرَّجُلِ: "اجلِسْ فقد آذَيتَ". ثُمَّ إذا فُرِشَ هذا، فهل لمَن سَبَقَ إلى المَسجِدِ أن يَرفعَ ذلك ويُصَلِّيَ مَوضِعَه؟ فيه قَولانِ: أحَدُهما: ليسَ له ذلك؛ لأنَّه تَصَرُّفٌ في مِلكِ الغَيرِ بغَيرِ إذنِه. والثَّاني: وهو الصَّحيحُ، أنَّ لغَيرِه رَفعَه والصَّلاةَ مَكانَه؛ لأنَّ هذا السَّابقَ يَستَحِقُّ الصَّلاةَ في ذلك الصَّفِّ المُقدَّمِ، وهو مَأمورٌ بذلك أيضًا، وهو لا يَتَمَكَّنُ مِن فِعلِ هذا المَأمورِ واستيفاءِ هذا الحَقِّ إلَّا برَفعِ ذلك المَفروشِ. وما لا يَتِمُّ المَأمورُ إلَّا به فهو مَأمورٌ به. وأيضًا فذلك المَفروشُ وَضعُه هناكَ على وَجهِ الغَصبِ، وذلك مُنكَرٌ، وقد قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "مَن رَأى مِنكُم مُنكَرًا فليُغَيِّرْه بيَدِه، فإنْ لم يَستَطِعْ فبلِسانِه، فإن لم يَستَطِعْ فبقَلبِه، وذلك أضعَفُ الإيمانِ"، لكِن يَنبَغي أن يُراعى في ذلك أن لا يَؤولَ إلى مُنكَرٍ أعظَمَ مِنه). ((مَجموع الفتاوى)) (22/ 189-191). ) [1096] أخرجه مسلم (2179). .

انظر أيضا: