موسوعة الآداب الشرعية

ثانيًا: النِّيَّةُ الصَّالحةُ


يَنبَغي أن يَستَحضِرَ النِّيَّةَ الصَّالحةَ عندَ النَّكاحِ [1143] ويُمكِنُ أن يَجمَعَ المُسلمُ نيَّاتٍ كَثيرةً للزَّواجِ، فيُؤجَرَ عليها جَميعِها، ومن ذلك: -امتِثالُ الشَّرعِ الشَّريفِ؛ ففي الحَديثِ: ((مَنِ استَطاعَ الباءةَ فليَتَزَوَّجْ)) [أخرجه البخاري (1905) واللَّفظُ له، ومسلم (1400) من حديثِ عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه]، وقال سَعدُ بنُ أبي وقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عنه: ((رَدَّ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على عُثمانَ بنِ مَظعونٍ التَّبَتُّلَ، ولو أذِنَ له لاختَصَينا)) [أخرجه البخاري (5073)، ومسلم (1402)]. - الاقتِداءُ بالرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ حَيثُ قال: ((أما واللَّهِ إنِّي لأخشاكُم للهِ وأتقاكُم له، لكِنِّي أصومُ وأُفطِرُ، وأُصَلِّي وأرقُدُ، وأتَزَوَّجُ النِّساءَ، فمَن رَغِبَ عن سُنَّتي فليسَ مِنِّي)) [أخرجه البخاري (5063) واللَّفظُ له، ومسلم (1401) من حديثِ أنَسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه]. - حِفظُ العَينِ والفَرجِ، والتَّحَصُّنُ والتَّعَفُّفُ عنِ الحَرامِ، ووضعُ النُّطفةِ في حَلالٍ؛ ففي الحَديثِ: ((مَنِ استَطاعَ الباءةَ فليَتَزَوَّجْ؛ فإنَّه أغَضُّ للبَصَرِ وأحصَنُ للفَرجِ)) [أخرجه البخاري (1905) واللَّفظُ له، ومسلم (1400) من حديثِ عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه]، وقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إذا أبصَرَ أحَدُكُمُ امرَأةً فليَأتِ أهلَه؛ فإنَّ ذلك يَرُدُّ ما في نَفسِه)) [أخرجه مسلم (1403) من حديثِ جابرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما]، وفي رِوايةٍ: ((إذا أحَدُكُم أعجَبَته المَرأةُ، فوقَعَت في قَلبِه، فليَعمِدْ إلى امرَأتِه فليواقِعْها؛ فإنَّ ذلك يَرُدُّ ما في نَفسِه)) [أخرجها مسلم (1403) من حديثِ جابِرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما]، وقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((وفي بُضعِ أحَدِكُم صَدَقةٌ، قالوا: يا رَسولَ اللهِ، أيَأتي أحَدُنا شَهوتَه ويَكونُ له فيها أجرٌ؟ قال: أرَأيتُم لو وضَعَها في حَرامٍ أكان عليه فيها وِزرٌ؟ فكذلك إذا وضَعَها في الحَلالِ كان له أجرٌ)). [أخرجه مسلم (1006) من حديثِ أبي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عنه]. - تَحصيلُ الذُّرِّيَّةِ التي توحِّدُ اللَّهَ وتَعبُدُه، فتَكونُ في ميزانِ حَسَناتِه، وبهم تَكونُ مُفاخَرةُ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فقد قال: ((تَزَوَّجوا الودودَ الولودَ؛ فإنِّي مُكاثِرٌ بكُمُ الأُمَمَ)) [أخرجه أبو داود (2050) واللَّفظُ له، والنسائي (3227) من حديثِ مَعقِلِ بنِ يَسارٍ رَضِيَ اللهُ عنه. صَحَّحه ابنُ حِبَّان (4056)، وابن باز في ((مجموع الفتاوى)) (8/423)، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (1143)، وقال الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (2050): حسنٌ صحيحٌ، وصَحَّح إسنادَه الحاكم في ((المستدرك)) (2722)، والعراقي في ((تخريج الإحياء)) (2/53)]، وقال عمرُ: (إنِّي لأُكرِهُ نَفسي على الجِماعِ؛ كَي تَخرُجَ مِنِّي نَسَمةٌ تُسَبِّحُ اللَّهَ تعالى) أخرجه ابنُ أبي الدنيا في ((النفقة على العيال)) (392). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
1- عن عُمَرَ رضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((الأعمالُ بالنِّيَّةِ، ولكُلِّ امرِئٍ ما نَوى...)) الحَديثَ [1144] أخرجه البخاري (54) واللفظ له، ومسلم (1907). .
وما مِن شَيءٍ مِنَ المُباحاتِ إلَّا ويَحتَمِلُ نيَّةً أو نيَّاتٍ يَصيرُ بها مِن مَحاسِنِ القُرُباتِ، وينالُ بها مَعالي الدَّرَجاتِ، فما أعظَمَ خُسرانَ مَن يَغفُلُ عنها ويَتَعاطاها تَعاطيَ البَهائِمِ المُهمَلةِ عن سَهوٍ وغَفلةٍ [1145] ((إحياء علوم الدين)) للغزالي (4/ 371). ! ومَتى نَوى المُؤمِنُ بتَناوُلِ شَهَواتِه المُباحةِ التَّقَوِّيَ على الطَّاعةِ كانت شَهَواتُه له طاعةً يُثابُ عليها [1146] ((جامع العلوم والحكم)) لابن رجب (2/ 192). .
2- عن سَعدِ بنِ أبي وقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال له: ((... ولستَ تُنفِقُ نَفقةً تَبتَغي بها وجهَ اللهِ إلَّا أُجِرتَ بها، حتَّى اللُّقمةَ تَجعَلُها في في [1147] أي: في فم. ينظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (1/ 169). امرَأتِك)) [1148] أخرجه البخاري (4409)، ومسلم (1628). .
قال النَّوويُّ: (فيه أنَّ الأعمالَ بالنِّيَّاتِ وأنَّه إنَّما يُثابُ على عَمَلِه بنيَّتِه... وفيه أنَّ المُباحَ إذا قَصَدَ به وَجهَ اللهِ تعالى صارَ طاعةً ويُثابُ عليه، وقد نبَّهَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على هذا بقَولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «حتَّى اللُّقمةَ تَجعَلُها في في امرَأتِك»؛ لأنَّ زَوجةَ الإنسانِ هيَ مِن أخَصِّ حُظوظِه الدُّنيَويَّةِ وشَهَواتِه ومَلاذِّه المُباحةِ، وإذا وضَعَ اللُّقمةَ في فيها فإنَّما يَكونُ ذلك في العادةِ عِندَ المُلاعَبةِ والمُلاطَفةِ والتَّلذُّذِ بالمُباحِ، فهذه الحالةُ أبعَدُ الأشياءِ عنِ الطَّاعةِ وأُمورِ الآخِرةِ، ومَعَ هذا فأخبَرَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه إذا قَصَدَ بهذه اللُّقمةِ وَجهَ اللهِ تعالى حَصَل له الأجرُ بذلك، فغَيرُ هذه الحالةِ أَولى بحُصولِ الأجرِ إذا أرادَ وجهَ اللهِ تعالى، ويَتَضَمَّنُ ذلك أنَّ الإنسانَ إذا فعَل شَيئًا أصلُه على الإباحةِ وقَصَدَ به وَجهَ اللهِ تعالى، يُثابُ عليه، وذلك كالأكلِ بنيَّةِ التَّقَوِّي على طاعةِ اللهِ تعالى، والنَّومِ للاستِراحةِ ليَقومَ إلى العِبادةِ نَشيطًا، والاستِمتاعِ بزَوجَتِه وجاريَتِه ليَكُفَّ نَفسَه وبَصَرَه ونَحوَهما عنِ الحَرامِ، وليَقضيَ حَقَّها، وليُحَصِّلَ وَلَدًا صالحًا) [1149] ((شرح مسلم)) (11/ 77، 78). .

انظر أيضا: