موسوعة الآداب الشرعية

سادسَ عشرَ: تَعليمُ العَروسِ حُقوقَ الزَّوجِ وآدابَ الزِّفافِ واللِّقاءِ


يَنبَغي أن تُعلَّمَ العَروسُ حُقوقَ الزَّوجِ، وآدابَ الزِّفافِ واللِّقاءِ، وتُؤمَرَ بأحسَنِ الأخلاقِ، وتُنهى عن سَيِّئِها.
مِن أقوالِ السَّلَفِ والعُلَماءِ وغَيرِهم:
1- عن أُمِّ موسى، قالت: (كان جَعدةُ بنُ هُبَيرةَ إذا زَوَّجَ بَعضَ بَناتِه، وكانت لَيلةُ هَدائِها إلى زَوجِها، خَلا بها فنَهاها عَنِ الأخلاقِ السَّيِّئةِ، وعَمَّا لا يَجمُلُ بها) [1288] رواه البيهقي في ((شعب الإيمان)) (11/ 173). .
وفي رِوايةٍ: (أنَّه كان إذا زَوَّجَ شَيئًا مِن بَناتِه خَلا بها فيَنهاها عن سَيِّئِ الأخلاقِ، وأمرَها بأحسَنِها) [1289] رواه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (3/ 559). .
2- قال عَبدُ اللهِ بنُ جَعفَرٍ لابنَتِه: (يا بُنَيَّةُ، إيَّاكِ والغَيرةَ فإنَّها مِفتاحُ الطَّلاقِ، وإيَّاكِ والمُعاتَبةَ فإنَّها تورِثُ البِغضةَ، وعليكِ بالزِّينةِ والطِّيبِ، واعلَمي أنَّ أزيَنَ الزِّينةِ الكُحلُ، وأطيَبَ الطِّيبِ الماءُ) [1290] ((البيان والتبين)) للجاحظ (2/ 62). .
3- عن بِشرٍ أبي نَصرٍ: (أنَّ أسماءَ بنَ خارِجةَ زَوَّج ابنَتَه، فلَمَّا أرادَ أن يُهديَها إلى زَوجِها أتاها فقال: يا بُنَيَّةُ، كان النِّساءُ أحَقَّ بأدَبِك مِنِّي ولا بُدَّ لي مِن تَأديبِك، يا بُنَيَّةُ كوني لزَوجِك أمَةً يَكُنْ لَك عَبدًا، لا تَدنَي مِنه فتُمِلِّيه، ولا تَباعَدي عَنه فتَثقُلي عليه ويَثقُلْ عليك، وكُوني كما قُلتُ لأُمِّك:
خُذي العَفوَ مِنِّي تستديمي مَودَّتي
ولا تَنطِقي في سَورَتي [1291] السَّورةُ: شِدَّةُ الغَضَبِ وهَيَجانُه. يَقولُ لها: لا تُخاطِبيني عِندَ هَيَجانِ غَضَبي؛ فإنِّي لا أملِكُ نفسي إذ ذاكَ، فرُبَّما أُخاطِبُك بما لا يَليقُ فيَكونُ سَبَبًا للفِراقِ. يُنظر: ((عمدة الحفاظ)) للسمين الحلبي (2/ 233)، ((إتحاف السادة المتقين)) للزبيدي (5/ 406). حينَ أغضَبُ
وإنِّي رَأيتُ الحُبَّ في الصَّدرِ والأذى
إذا اجتَمَعا لَم يَلبَثِ الحُبُّ يَذهَبُ) [1292] رواه ابن أبي الدنيا في ((النفقة على العيال)) (1/ 288)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (11/ 175). .
4- قال أبو عَمرِو بنُ العَلاءِ: (أنكَحَ ضِرارُ بنُ عَمرٍو الضَّبِّيُّ ابنَتَه مَعبَدَ بنَ زُرارةَ، فلَمَّا أخرَجَها إليه قال لَها: يا بُنَيَّةُ، أمسِكي عليك الفضلَينِ. قالت: وما الفَضلانِ؟ قال: فَضلُ الغُلمةِ [1293] الغُلمةُ: الشَّبَقُ، وهو شِدَّةُ الشَّهوةِ، وقد غَلِمَ -كفَرِح-: إذا اشتَدَّت شَهوتُه، واغتَلمَ مِثلُه. يُنظر: ((تهذيب اللغة)) لأبي منصور الأزهري (8/ 264)، ((المصباح المنير)) للفيومي (2/ 452)، ((إتحاف السادة المتقين)) للزبيدي (5/ 302). ، وفَضلُ الكَلامِ) [1294] ((البيان والتبين)) للجاحظ (1/ 169). .
5- لمَّا أُهدِيَت قَطرُ النَّدى ابنةُ خُمارَوَيه بنِ أحمَدَ بنِ طُولونَ إلى زَوجِها المُعتَضِدِ أحَبَّها حُبًّا شَديدًا؛ لجِمالِ صُورَتها، وكَثرةِ آدابِها. وقيلَ: إنَّه خَلا بها في بَعضِ الأيَّامِ فوضَعَ رَأسَه على رُكبَتِها ونامَ، وكان المُعتَضِدُ كَثيرَ التَّحَرُّزِ على نَفسِه، فلَمَّا نامَ تَلَطَّفت به وأزالَت رَأسَه عن رُكبَتِها ووضَعَتها على وِسادةٍ، ثُمَّ تَنَحَّت عن مَكانِها وجَلَسَت بالقُربِ مِنه في مَكانٍ آخَرَ، فانتَبَهَ المُعتَضِدُ فزَعًا ولَم يَجِدْها، فصاحَ بها فكَلَّمته في الحالِ، فعَتَّبَها على ما فعَلَت مِن إزالةِ رَأسِه عن رُكبَتِها، وقال لَها: أسلَمتُ نَفسي لَك فتَرَكتِني وحيدًا، وأنا في النَّومِ لا أدرى ما يُفعَلُ بي!
فقالت: يا أميرَ المُؤمِنينَ، ما جَهِلتُ قَدرَ ما أنعَمتَ به عليَّ، ولَكِنْ فيما أدَّبَني به والِدي خُمارَوَيهِ: (أنِّي لا أجلِسُ مَعَ النِّيامِ، ولا أنامُ مَعَ الجُلوسِ). فأعجَبَه ذلك مِنها إلى الغايةِ [1295] يُنظر: ((النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة)) لابن تغري بردي (3/ 63). .
6- لمَّا بَلَغَ الحارِثَ بنَ عَمرٍو مَلِكَ كِندةَ جَمالُ بنتِ عَوفِ بنِ مُحلِّمٍ وكَمالُها وشِدَّةُ عَقلِها، دَعا عِندَ ذلك امرَأةً مِن كِندةَ يُقالُ لَها عِصام، ذاتُ عَقلٍ ولسانٍ وأدَبٍ، فقال لَها: إنَّه قد بَلَغَني جَمالُ ابنةِ عَوفٍ وكَمالُها، فاذهَبي حَتَّى تَعلَمي لي عِلمَها. فمَضَت حَتَّى انتَهَت إلى أُمِّها، وهيَ أُمامةُ بنتُ الحارِثِ، فأعلَمَتها ما قدِمَت له، فأرسَلَت إلى ابنَتِها: أي بُنَيَّةُ، هذه خالَتُك أتَتك لتَنظُرَ إليك...
ثُمَّ أرسَلَ المَلِكُ بَعدُ إلى أبيها فزَوَّجَه إيَّاها، وبَعَثَ بصَداقِها فجُهِّزَت. فلَمَّا أرادوا أن يَحمِلوها إلى زَوجِها قالت لَها أُمُّها:
(أي بُنيَّةُ: إنَّ الوَصيَّةَ لو تُرِكَت لفَضلِ أدَبٍ تُرِكَت لذلك مِنكِ، ولكنَّها تَذكِرةٌ للغافِلِ، ومَعونةٌ للعاقِلِ، ولو أنَّ امرأةً استَغنَت عنِ الزَّواجِ لغِنى أبَوَيها، وشِدَّةِ حاجتِهما إليها، كنتِ أغنى النَّاسِ عنه، ولكنَّ النِّساءَ للرِّجالِ خُلِقنَ، ولهنَّ خُلِقَ الرِّجالُ.
أيْ بُنَيَّةُ، إنَّك فارَقتِ الحِواءَ [1296] الحِواءُ: اسمُ المَكانِ الذي يَحوي الشَّيءَ، أي: يَضُمُّه ويَجمَعُه، والحِواءُ أيضًا: أخبيةٌ تَدانى بَعضُها مِن بَعضٍ، تَقولُ: هم أهلُ حِواءٍ واحِدٍ، وجمعُ الحِواءِ أحوِيَةٌ، وقيل: الحِواءُ: جَماعاتُ بُيوتِ النَّاسِ، أو بُيوتٌ مُجتَمِعةٌ على ماءٍ. يُنظر: ((العين)) للخليل (3/ 319)،  ((تهذيب اللغة)) لأبي منصور الأزهري (5/ 190)، ((غريب الحديث)) للخطابي (1/ 404)، ((النهاية)) لابن الأثير (1/ 465). الذي مِنه خرَجتِ، وخَلَّفتِ العُشَّ الَّذي فيه دَرَجتِ [1297] دَرَجَ، أي: مَشى، وأصلُه يَدُلُّ على مُضيِّ الشَّيءِ والمُضيِّ في الشَّيءِ، مِن ذلك قَولُهم: دَرَجَ الشَّيءُ: إذا مَضى لسَبيلِه، ورَجَعَ فلانٌ أدراجَه: إذا رَجَعَ في الطَّريقِ الذي جاءَ مِنه، ودَرَجَ الغُلامُ يَدرجُ: إذا مَشى قَليلًا أوَّلَ ما يَمشي. والمُرادُ بقَولِها: (العُشَّ الذي فيه دَرَجتِ): مَنزِلُ والدَيها الذي تَدَرَّجَت فيه. يُنظر: ((الزاهر)) لأبي منصور الأزهري (ص: 190)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/ 275)، ((إتحاف السادة المتقين)) للزبيدي (5/ 406). ، إلى وَكرٍ [1298] الوَكرُ: العُشُّ، وهو مَوضِعُ الطَّائِرِ الذي يَبيضُ فيه ويُفرخُ في الحيطانِ والشَّجَرِ، وجَمعُه: وُكورٌ وأوكارٌ. يُنظر: ((العين)) للخليل (5/ 402)، ((الصحاح)) للجوهري (2/ 849). لم تَعرِفيه، وقَرينٍ لم تَألَفيه، فأصبَحَ بمِلكِه عليكِ رَقيبًا ومَليكًا، فكوني له أمَةً يكُنْ لك عَبدًا وَشيكًا [1299] الوشيكُ: السَّريعُ والقَريبُ، ويُقالُ: أوشَكَ فُلانٌ يوشِكُ إيشاكًا، أي: أسرعَ السَّيرَ، وأوشَكَ الأمرُ يوشِكُ فهو وَشيكٌ: إذا قَرُبَ. يُنظر: ((العين)) للخليل (5/ 390)، ((الصحاح)) للجوهري (4/ 1615)، ((كشف المشكل)) لابن الجوزي (1/ 73) و (2/ 407)، ((النهاية)) لابن الأثير (5/ 189). .
يا بُنيَّةُ: احمِلي عنِّي عشرَ خِصالٍ تكُنْ لك ذُخرًا وذِكرًا: الصُّحبةُ بالقَناعة، والمُعاشَرةُ بحُسنِ السَّمعِ والطَّاعة، والتَّعهُّدُ لمَوقِعِ عَينِه، والتَّفقُّدُ لمَوضِعِ أنفِه؛ فلا تَقَعُ عَينُه مِنكِ على قَبيح، ولا يَشَمُّ مِنك إلَّا أطيَبَ ريح، والكُحلُ أحسَنُ الحُسنِ الموجود، والماءُ أطيَبُ الطِّيبِ المَفقودِ، والتَّعهُّدُ لوَقتِ طَعامِه، والهُدوءُ عنه عندَ مَنامِه؛ فإنَّ حَرارةَ الجوعِ مَلهَبة، وتَنغيصَ النَّومِ مَغضَبة، والاحتِفاظُ ببَيتِه ومالِه، والإرعاءُ على نفسِه وحَشَمِه وعيالِه؛ فإنَّ الاحتِفاظَ بالمالِ حُسنُ التَّقدير، والإرعاءَ على العِيالِ والحَشَمِ جَميلُ حُسنِ التَّدبير، ولا تُفشي له سِرًّا، ولا تَعصي له أمرًا؛ فإنَّكِ إن أفشَيتِ سِرَّه لم تَأمَني غَدرَه، وإن عَصَيتِ أمرَه أوغَرتِ [1300] أوغَرتِ صَدرَه، أي: أوقدتِه مِنَ الغَيظِ وأحمَيتِه، وأصلُه مِن وَغرةِ القَيظِ، وهيَ شِدَّةُ حَرِّه، والوَغرُ: احتِراقُ الغَيظِ، يُقالُ: وغَرَ صَدرُه عليه يوغرُ، وهو أن يَحتَرِقَ القَلبُ مِن شِدَّةِ الغَيظِ، وقد وغَرَ صَدرُه وَغرًا، وأوغَرَ صَدرَه عليه. يُنظر: ((تهذيب اللغة)) لأبي منصور الأزهري (8/ 164). صَدرَه، ثُمَّ اتَّقي مِن ذلك الفَرَحَ إن كانَ تَرِحًا [1301] التَّرَحُ: ضِدُّ الفرَحِ، فهو الحُزنُ، تَرِح يَترَحُ تَرَحًا، ويُقالُ: بَعدَ كُلِّ فرحةٍ تَرحةٌ، وبَعدَ كُلِّ حَبْرةٍ عَبْرةٌ. يُنظر: ((العين)) للخليل (3/ 190)، ((جمهرة اللغة)) لابن دريد (1/ 385)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/ 347). ، والاكتِئابَ عندَه إن كانَ فَرِحًا؛ فإنَّ الخَصلةَ الأُولى مِن التَّقصير، والثَّانيةَ مِن التَّكدير، وكوني أشَدَّ ما تكونينَ له إعظامًا، يكُنْ أشَدَّ ما يكونُ لكِ إكرامًا، وأشَدَّ ما تكونينَ له مُوافَقة، يكُنْ أطوَلَ ما تكونينَ له مُرافَقة، واعلَمي أنَّكِ لا تَصِلينَ إلى ما تُحبِّينَ، حتَّى تُؤثِري رِضاه على رِضاكِ، وهَواه على هَواكِ فيما أحبَبتِ وكَرِهتِ، واللهُ يَخِيرُ لكِ) [1302] يُنظر: ((الفاخر)) للمفضل بن سلمة (ص: 186)، ((مجمع الأمثال)) للميداني (2/ 263). .

انظر أيضا: