موسوعة الآداب الشرعية

تمهيدٌ في بيانِ بعضِ حِكَمِ الطَّلاقِ


إنَّ مِن مَصلحةِ الزَّوجَينِ التي تَقتَضيها الفِطرةُ ويوجِبُها الشَّرعُ ويُؤَيِّدُها العَقلُ: أن يَبذُلَ كُلٌّ مِنهما جُهدَه لإقامةِ حُقوقِ الزَّوجيَّةِ المُشتَرَكةِ بَينَهما بالتَّحابِّ والتَّوادِّ والتَّعاوُنِ والتَّسامُحِ مَعَ الإخلاصِ في ذلك كُلِّه؛ فإنَّ سَعادةَ كُلٍّ مِنهما رَهينةٌ بسَعادةِ الآخَرِ، وخِدمَتُهما للإنسانيَّةِ لا تَتِمُّ إلَّا به، وما أُطلِقَ على كُلٍّ مِنهما اسمُ (زَوج) الذي مَدلولُه (اثنانِ) إلَّا لأنَّ إنسانيَّةَ كُلٍّ مِنهما تَتِمُّ بالآخَرِ، فهو به يَكونُ زَوجًا ويَكونُ إنسانًا يُنتِجُ أناسيَّ مِثلَه، وكُلُّ تَقصيرٍ يَعرِضُ لهما في ذلك فوَبالُه عليهما مَعًا، سَواءٌ وقَعَ مِن كُلٍّ مِنهما أو مِن أحَدِهما؛ فمِن ثَمَّ وجَبَ عليهما تَلافيه بالحُسنى والصَّبرِ والمَغفِرةِ والعَفوِ، وأقَلُّ دَرَجاتِ المُعامَلةِ بَينَهما أن تَكونَ بالتَّناصُفِ والعَدلِ، فإن عَجَزا عن أداءِ الحُقوقِ وإقامةِ حُدودِ اللهِ فيها، وعَزَّ عليهما الصَّبرُ؛ كان عِلاجُهما الأخيرُ هو الفِراقَ؛ تَفاديًا مِنَ الشَّقاءِ الدَّائِمِ بالشِّقاقِ ((حقوق النساء في الإسلام)) لمحمد رشيد رضا (ص: 295). .
ولذا كان مِن مَحاسِنِ الشَّرعِ الحَنيفِ أن كان فيه إلى الفُرقةِ سَبيلٌ؛ ليَستَطيعَ الزَّوجانِ التَّخَلُّصَ مِن رابطةِ الزَّوجيَّةِ إذا تَبَيَّنَ أنَّها مَصدَرُ الشَّقاءِ، وأنَّه لا يُمكِنُ أن يَتَعاشَرَ الزَّوجانِ بالمَعروفِ، ولا أن يَقومَ كُلٌّ مِنهما بحُقوقِ الزَّوجيَّةِ وواجِباتِها، ولم يُسَدَّ ذلك مِن كُلِّ وَجهٍ؛ لأنَّ حَسمَ أسبابِ التَّوصُّلِ إلى الفُرقةِ بالكُلِّيَّةِ يَقتَضي وُجوهًا مِنَ الضَّرَرِ والخَلَلِ:
مِنها: أنَّ مِنَ الطَّبائِعِ ما لا يَألفُ بَعضَ الطَّبائِعِ، فكُلَّما اجتَهَدَ في الجَمعِ بَينَهما زادَ الشَّرُّ والنُّبُوُّ، وتَنَغَّصَتِ المَعايِشُ.
ومِنها: أنَّ مِنَ النَّاسِ مَن يُمنَى ويُصابُ بزَوجٍ غَيرِ كُفءٍ ولا حَسَنِ المَذاهِبِ في العِشرةِ، أو بَغيضٍ تَعافُه الطَّبيعةُ، فيَصيرُ ذلك داعيةً إلى الرَّغبةِ في غَيرِه؛ إذِ الشَّهوةُ طَبيعةٌ، فرُبَّما أدَّى ذلك إلى وُجوهٍ مِنَ الفسادِ.
ورُبَّما كان المُتَزاوِجانِ لا يَتَعاونانِ على النَّسلِ، فإذا بَدَّلا بزَوجَينِ آخَرَينِ تَعاوَنا فيه؛ فيَجِبُ أن يَكونَ إلى المُفارَقةِ سَبيلٌ، ولكِنَّه يَجِبُ أن يَكونَ مُشَدَّدًا فيه ينظر: ((أحكام الأحوال الشخصية في الشريعة الإسلامية)) لعبد الوهاب خلاف (ص: 132)، ((الأحوال الشخصية) لمحمد أبو زهرة، (ص: 279)، ((فقه السنة)) للسيد سابق (2/ 244). .
هذا وللطلاقِ آدابٌ ينبغي مراعاتُها، وفيما يلي نَذكرُ أهمَّ هذه الآدابِ:

انظر أيضا: