موسوعة الآداب الشرعية

ثامنا: تَركُ البَيعِ والشِّراءِ إذا نوديَ للصَّلاةِ مِن يَومِ الجُمُعةِ


يَحرُمُ البَيعُ بَعدَ النِّداءِ [1841] قال ابنُ قدامةَ: (اللهُ تعالى أمرَ بالسَّعيِ، ونهى عن البَيعِ بعدَ النِّداءِ، بقَولِه سُبحانَه: إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ [الجمعة: 9] ، والنِّداءُ الذي كان على عَهدِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم هو النِّداءُ عقيبَ جُلوسِ الإمامِ على المِنبَرِ، فتعلَّق الحكمُ به دونَ غيرِه). ((المغني)) (2/220). للجُمُعةِ [1842] وقد اختَلفَ أهلُ العِلمِ في انعقادِ البيعِ بعدَ النِّداءِ الثَّاني للجُمُعةِ مع كونِه يَحرُمُ. يُنظر بيانُ ذلك في: ((الموسوعة الفقهية بموقع الدرر السَّنية)) https://dorar.net/feqhia. .
الدَّليلُ على ذلك مِن الكِتابِ والإجماعِ:
أ- مِنَ الكِتابِ
قال اللهُ تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ [الجمعة: 9] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
قَولُه: وَذَرُوا الْبَيْعَ أي: اترُكوه، والأمرُ للوُجوبِ؛ فيَحرُمُ الفِعلُ [1843] ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيثمي (2/480)، ((فتح الوهاب)) لزكريا الأنصاري (1/92). .
ب- مِنَ الإجماعِ
نَقَل الإجماعَ على ذلك: إسحاقُ بنُ راهَوَيهِ [1844] قال ابنُ رَجَبٍ: (حكَى إسحاقُ بنُ راهَوَيهِ الإجماعَ على تحريمِ البيعِ بعدَ النِّداءِ). ((فتح الباري)) (5/433). ، وابنُ رُشدٍ [1845] قال ابنُ رشدٍ: (وذلك إنَّما ورَد في الشَّرعِ في وقتِ وجوبِ المشيِ إلى الجُمُعةِ فقط؛ لقَولِه تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ [الجمعة: 9] ، وهذا أمرٌ مُجمَعٌ عليه فيما أحسبُ، أعني: منْعَ البيعِ عندَ الأذانِ الذي يكونُ بعدَ الزَّوالِ والإمامُ على المِنبرِ). ((بداية المجتهد)) (3/186). ، ونقل ابنُ حَزمٍ إجماعَ الصَّحابةِ عليه [1846] قال ابنُ حزمٍ: (رُوِّينا من طريقِ عِكرمةَ، عنِ ابنِ عَبَّاسٍ: "لا يَصلُحُ البيعُ يومَ الجُمُعةِ حين يُنادَى للصَّلاةِ، فإذا قُضِيَت فاشترِ وبِعْ"، ولا نَعلَمُ له مخالفًا من الصَّحابةِ)). ((المحلى)) (7/519). .
فائِدةٌ:
تَحريمُ البَيعِ بَعدَ النِّداءِ يَختَصُّ بالمُخاطَبينَ بالجُمُعةِ فقَط، فأمَّا غَيرُهم مِنَ النِّساءِ والصِّبيانِ والمُسافِرينَ، فلا يَحرُمُ عليهم ذلك [1847] وذلك باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّةِ، والمالِكيَّةِ، والشَّافِعيَّةِ، والحَنابِلةِ. يُنظر: ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 335)، ((منح الجليل)) لابن عليش (1/449)، ((المجموع)) للنووي (4/500)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (3/180). .
وذلك للآتي:
1- أنَّ اللَّهَ تعالى إنَّما نَهى عنِ البَيعِ مَن أمَرَه بالسَّعيِ؛ فغَيرُ المُخاطَبِ بالسَّعيِ لا يَتَناولُه النَّهيُ [1848] ((المغني)) لابن قدامة (2/220). .
2- أنَّ تَحريمَ البَيعِ مُعَلَّلٌ بما يَحصُلُ به مِنَ الاشتِغالِ عنِ الجُمُعةِ، وهذا الاشتِغالُ مَعدومٌ في حَقِّ مَن لم يُخاطَبْ بها [1849] ((المغني)) لابن قدامة (2/220). .

انظر أيضا: