موسوعة الآداب الشرعية

عاشرًا: احتِمالُ المُعَلِّمِ والشَّيخِ عِندَ الجَفوةِ والغَضَبِ


مِنَ الأدَبِ مَعَ المُعَلِّمِ أوِ الشَّيخِ: احتِمالُه عِندَ الجَفوةِ والغَضَبِ [1032] قال الآجُرِّيُّ: (مَن كان يَقرَأُ على غَيرِه ويَتَلَقَّنُ فيَنبَغي له أن يُحسِنَ الأدَبَ في جُلوسِه بَينَ يَدَيه، ويَتَواضَعَ في جُلوسِه، ويَكونَ مُقبِلًا عليه؛ فإن ضَجِرَ عليه احتَمَلَه، وإنْ زَبَرَه احتَمَلَه ورَفَقَ به، واعتَقدَ له الهَيبةَ، والاستِحياءَ مِنه). ((أخلاق أهل القرآن)) (ص: 135). وقال النَّوويُّ: (مِن آدابِه أن يَتَحَمَّلَ جَفوةَ الشَّيخِ وسُوءَ خُلُقِه، ولا يَصُدَّه ذلك عن مُلازَمَتِه... وإن جَفاه الشَّيخُ ابتَدَأ هو بالاعتِذارِ إلى الشَّيخِ، وأظهَرَ أنَّ الذَّنبَ له والعَتْبَ عليه؛ فذلك أنفَعُ له في الدُّنيا والآخِرةِ، وأنقى لقَلبِ الشَّيخِ. وقد قالوا: مَن لَم يَصبِرْ على ذُلِّ التَّعليمِ بَقيَ عُمُرَه في عَمايةِ الجَهالةِ، ومَن صَبَرَ عليه آلَ أمرُه إلى عِزّ الآخِرةِ والدُّنيا. ومِنه الأثَرُ المَشهورُ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما: ذَلَلتُ طالبًا فعَزَزتُ مَطلوبًا. وقد أحسَنَ مَن قال: مَن لَم يَذُقْ طَعمَ المَذَلَّةِ ساعةً ... قَطَعَ الزَّمانَ بأسرِه مَذلولًا). ((التبيان)) (ص: 49-50). وقال ابنُ مُفلِحٍ: (يَنبَغي أن يَحتَمِلَ الطَّالِبُ ما يَكونُ مِنَ الشَّيخِ أو مِن بَقيَّةِ الطَّلَبةِ؛ لئَلَّا يَفوتَه العِلمُ، فتَفوتَه الدُّنيا والآخِرةُ). ((الآداب الشرعية)) (2/ 25). .
مِن أقوالِ السَّلفِ:
1- عن مُعافى بنِ عِمرانَ، قال: (مَثَلُ الذي يَغضَبُ على العالِمِ مَثَلُ الذي يَغضَبُ على أساطينِ [1033] الأساطينُ جَمعُ أُسطوانةٍ، وهيَ العَمودُ والساريةُ والدِّعامةُ التي يَقومُ عليها البناءُ، وقيل: الغالبُ على الأُسطوانةِ أنَّها تَكونُ مِن بناءٍ، بخِلافِ العَمودِ؛ فإنَّه مِن حَجَرٍ واحِدٍ. يُنظر: ((تاج العروس)) للزبيدي (35/ 186)، ((المعجم الوسيط)) (1/ 17)، ((معجم اللغة العربية المعاصرة)) لأحمد مختار عمر وفريقه (1/ 93). الجامِعِ) [1034] ((الجامع لأخلاق الراوي)) للخطيب البغدادي (1/ 223)، ((أدب الإملاء والاستملاء)) للسمعاني (ص: 145). .
2- قال بِلالُ بنُ أبي بُردةَ: (لا يَمنَعْكُم سوءُ ما تَعلَمونَ مِنَّا أن تَقبَلوا أحسَنَ ما تَسمَعونَ مِنَّا) [1035] ((جامع بيان العلم وفضله)) لابن عبد البر (1/ 529)، ((تاريخ دمشق)) لابن عساكر (10/ 514). .
3- عَنِ الأصمَعيِّ، قال: (مَن لَم يَحتَمِلْ ذُلَّ التَّعليمِ ساعةً بَقيَ في ذُلِّ الجَهلِ أبَدًا) [1036] ((المدخل إلى السنن الكبرى)) للبيهقي (ص: 278). .
4- قال أبو يوسُفَ القاضيَ: (خَمسةٌ يَجِبُ على النَّاسِ مُداراتُهم: المَلِكُ المُتَسَلِّطُ، والقاضي المُتَأوِّلُ، والمَريضُ، والمَرأةُ، والعالِمُ ليَقتَبِسَ مِن عِلمِه) [1037] ((الجامع لأخلاق الراوي)) للخطيب البغدادي (1/ 222). .
5- قال الشَّافِعيُّ: (قيلَ لسُفيانَ بنِ عُيَينةَ: إنَّ قَومًا يَأتونَك مِن أقطارِ الأرضِ تَغضَبُ عليهم، يوشِكُ أن يَذهَبوا ويَترُكوك! قال: هم حَمقى إذَنْ مِثلُك أن يَترُكوا ما يَنفعُهم لسُوءِ خُلُقي!) [1038] ((الجامع لأخلاق الراوي)) للخطيب البغدادي (1/ 223). .
6- عن يونُسَ بنِ عَبدِ الأعلى، قال: سَمِعتُ الشَّافِعيَّ يَقولُ: (كان يَختَلفُ إلى الأعمَشِ رَجُلانِ؛ أحَدُهما كان الحَديثُ مِن شَأنِه، والآخَرُ لَم يَكُنِ الحَديثُ مِن شَأنِه، فغَضِبَ الأعمَشُ يَومًا على الذي مِن شَأنِه الحَديثُ، فقال الآخَرُ: لَو غَضِبَ عليَّ كما غَضِبَ عليك لَم أعُدْ إليه! فقال الأعمَشُ: ((إذَنْ هو أحمَقُ مِثلُك، يَترُكُ ما يَنفعُه لسُوءِ خُلُقي!) [1039] ((الجامع لأخلاق الراوي)) للخطيب البغدادي (1/ 223). .

انظر أيضا: