موسوعة الآداب الشرعية

حادي عشرَ: الوَفاءُ للمعلِّمِ والشَّيْخِ وشُكرُ صَنيعِهما والدُّعاءُ لهما


مِنَ الأدَبِ مَعَ المُعَلِّمِ أو الشَّيْخِ: مَعرِفةُ حَقِّه، والاعتِرافُ بفَضلِه، وحِفظُ الجَميلِ له، وشُكرُ صَنيعِه والمِنَّةِ التي أجراها اللهُ على يَدِه، فلا يَزالُ مُثنيًا عليه، مُستَغفِرًا له، مُسدِيًا إليه غايةَ ما يُمكِنُه مِنَ الإحسانِ، ساعيًا في مكافأتِه بكُلِّ وجهٍ مُمكِنٍ [1040] يُنظر: ((الجامع لأخلاق الراوي)) للخطيب البغدادي (1/ 191)، ((تذكرة السامع والمتكلم)) لابن جماعة (ص: 99)، ((القانون)) لليوسي (ص: 383). قال الماوَرْديُّ: (... ثُمَّ ليَعرِفْ له فَضلَ عِلمِه، وليَشكُرْ له جَميلَ فِعلِه، ولا يَمنَعْه مِن ذلك عُلوُّ مَنزِلَتِه إن كانت له، وإن كان العالِمُ خامِلًا؛ فإنَّ العُلَماءَ بعِلمِهم قدِ استَحَقُّوا التَّعظيمَ لا بالقُدرةِ والمالِ. وليَحذَرِ المُتَعَلِّمُ البَسطَ على مَن يُعَلِّمُه وإن آنَسَه، والإدلالَ عليه وإن تَقدَّمَت صُحبَتُه. ولا يُظهِرْ له الاستِكفاءَ مِنه والاستِغناءَ عنه؛ فإنَّ في ذلك كُفرًا لنِعمَتِه، واستِخفافًا بحَقِّه، ورُبَّما وجَدَ بَعضُ المُتَعَلِّمينَ قوَّةً في نَفسِه لجَودةِ ذَكائِه وحِدَّةِ خاطِرِه، فقَصَدَ مَن يُعَلِّمُه بالإعناتِ له والاعتِراضِ عليه؛ إزراءً به وتَبكيتًا له، فيَكونُ كَمَن تَقدَّم فيه المَثَلُ السَّائِرُ لأبي البَطحاءِ: أُعَلِّمُه الرِّمايةَ كُلَّ يَومٍ ... فلَمَّا اشتَدَّ ساعِدُه رَماني وهذه مِن مَصائِبِ العُلَماءِ وانعِكاسِ حُظوظِهم: أن يَصيروا عِندَ مَن يُعَلِّمونه مُستَجهَلينَ، وعِندَ مَن قدَّموه مُستَرذَلينَ). ((أدب الدنيا والدين)) (ص: 67-69). .
الدَّليلُ على ذلك مِن الكتابِ والسُّنَّةِ والآثارِ:
أ- مِنَ الكتابِ
قال تعالى: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [الحشر: 10] .
ب- مِنَ السُّنَّةِ
عن عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَن استعاذ باللهِ فأعيذوه، ومَن سأل باللهِ فأعطوه، ومَن دعاكم فأجيبوه، ومَن صَنَع إليكم معروفًا فكافِئوه، فإن لم تجِدوا ما تكافِئونه، فادْعوا له حتَّى تَرَوا أنَّكم قد كافَأْتُموه)) [1041] أخرجه أبو داود (1672) واللفظ له، والنسائي (2567)، وأحمد (5365). صحَّحه النووي في ((المجموع)) (6/245)، وابن حجر كما في ((الفتوحات الربانية)) لابن علان (5/250)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (1672)، والوادعي على شرط الشيخين في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (744). .
ج- مِن الآثارِ
1- عن عَليِّ بنِ أبي طالِبٍ رَضيَ اللهُ عنه، قال: (لا يَعرِفُ فَضلَ أهلِ العِلمِ إلَّا أهلُ الفَضلِ) [1042] ((أدب الدنيا والدين)) للماوردي (ص: 67). .
مِن أقوالِ السَّلفِ:
1- قال أبو عَليٍّ الصَّدَفيُّ: (قَرَأتُ على رِزقِ اللهِ التَّميميِّ برِوايةِ قالونَ خَتمةً، وكان كَبيرَ بَغدادَ وجَليلَها ... وسَمِعتُه يَقولُ: يَقبُحُ بكُم أن تَستَفيدوا مِنَّا، ثُمَّ تَذكُرونا فلا تَتَرَحَّموا علينا!) [1043] ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (18/ 613). .
2- عن أبي بَكرٍ مُحَمَّدِ بنِ عَليٍّ الأُدْفُويِّ النَّحويِّ، قال: (إذا تَعَلَّمَ الإنسانُ مِنَ العالِمِ، واستَفادَ مِنه الفوائِدَ فهو له عَبدٌ؛ قال اللهُ تعالى: وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ [الكهف: 60] ، وهو يوشَعُ بنُ نُونٍ، ولَم يَكُنْ مَملوكًا له، وإنَّما كان مُتَلمذًا له، مُتَّبِعًا له؛ فجَعَلَه اللهُ فتاهَ لذلك) [1044] ((الفقيه والمتفقه)) للخطيب البغدادي (2/ 197). قال ابنُ الجَوزيِّ: (فأمَّا فتاه فهو يوشَعُ بنُ نُونٍ، مِن غَيرِ خِلافٍ، وإنَّما سُمِّيَ فتاهَ؛ لأنَّه كان يُلازِمُه، ويَأخُذُ عنه العِلمَ ويَخدُمُه). ((زاد المسير)) (3/ 95). .

انظر أيضا: