موسوعة الآداب الشرعية

أولًا: التَّبشيرُ بالخَيرِ


مِن السُّنَّةِ التَّبشيرُ بحُصولِ الخَيرِ، وبالفضائِلِ والمَناقِبِ.
الدَّليلُ على ذلك مِن الكِتابِ والسُّنَّةِ:
أ- مِنَ الكِتابِ
1- قال تعالى: وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة: 25] .
2- قال تعالى: وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ [يونس: 2] .
3- قال تعالى: وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ [الزمر: 17-18] .
4- قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ [فصلت: 30-32] .
ب- مِنَ السُّنَّةِ
1- في حَديثِ الثَّلاثةِ الذينَ خُلِّفوا، قال كَعبُ بنُ مالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنه: ((... فبَينا أنا جالسٌ على الحالِ التي ذَكَرَ اللهُ؛ قد ضاقَت عليَّ نَفسي، وضاقَت عليَّ الأرضُ بما رَحُبَت، سمعتُ صَوتَ صارِخٍ أوفى على جَبَلِ سَلْعٍ بأعلى صَوتِه: يا كَعبُ بنَ مالكٍ، أبشِرْ! قال: فخَرَرتُ ساجِدًا، وعَرَفتُ أنْ قد جاءَ فرَجٌ، وآذَنَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بتَوبةِ اللهِ علينا حينَ صَلَّى صَلاةَ الفجرِ، فذَهبَ النَّاسُ يُبَشِّرونَنا، وذَهبَ قِبَلَ صاحِبَيَّ مُبَشِّرونَ، ورَكَضَ إليَّ رَجُلٌ فرَسًا، وسعى ساعٍ مِن أسلمَ، فأوفى على الجَبَلِ، وكانَ الصَّوتُ أسرَعَ مِنَ الفرَسِ، فلمَّا جاءَني الذي سَمِعتُ صَوتَه يُبَشِّرُني، نَزَعتُ له ثَوبَيَّ، فكَسوتُه إيَّاهما ببُشراه، واللهِ ما أملِكُ غَيرَهما يومَئِذٍ! واستَعَرتُ ثَوبَينِ فلَبِستُهما، وانطَلقتُ إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فيتَلقَّاني النَّاسُ فوجًا فوجًا [1974] أي: زُمرةً زُمرةً، وجَماعةً بَعدَ جَماعةٍ. يُنظر: ((المفهم)) لأبي العباس القرطبي (7/ 101). ، يُهنُّوني بالتَّوبةِ، يقولونَ: لِتَهْنِكَ [1975] أي: لتكُنْ هَنيئةً لك. يُنظر: ((مرعاة المفاتيح)) للمباركفوري (7/ 191). تَوبةُ اللهِ عليك! قال كَعبٌ: حَتَّى دَخَلتُ المَسجِدَ، فإذا رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جالسٌ حَوله النَّاسُ، فقامَ إليَّ طَلحَةُ بنُ عُبَيدِ اللهِ يُهروِلُ حَتَّى صافحَني وهنَّاني، واللهِ ما قامَ إليَّ رَجُلٌ مِنَ المُهاجِرينَ غَيرُه، ولا أنساها لطَلحةَ!
قال كَعبٌ: فلمَّا سلَّمتُ على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو يبرُقُ وجهُه مِنَ السُّرورِ: أبشِرْ بخَيرِ يومٍ مَرَّ عليك مُنذُ ولدَتكَ أمُّك! قال: قُلتُ: أمِن عندِكَ يا رَسولَ اللهِ، أم مِن عندِ اللهِ؟ قال: لا، بَل مِن عندِ اللهِ. وكانَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا سُرَّ استَنارَ وجهُه، حَتَّى كأنَّه قِطعةُ قَمَرٍ، وكُنَّا نَعرِفُ ذلك منه))
[1976] أخرجه البخاري (4418) واللَّفظُ له، ومسلم (2769). .
2- عَن أبي سَعيدٍ الخُدريِّ رَضِيَ اللهُ عَنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((يَقُولُ اللهُ تعالى: يا آدَمُ، فيَقُولُ: لَبَّيكَ وسَعْدَيكَ، والخيرُ في يَديكَ، فيَقُولُ: أَخرِجْ بَعْثَ النَّارِ، قال: وما بَعثُ النَّارِ؟ قال: مِن كُلِّ ألفٍ تِسعَمِئةٍ وتِسعةً وتِسعينَ، فعِندَه يَشيبُ الصَّغيرُ، وتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَملٍ حَمْلَها، وتَرى النَّاسَ سُكارى وما هم بسُكارى، ولَكِنَّ عَذابَ اللهِ شَديدٌ. قالُوا: يا رَسولَ اللهِ، وأيُّنا ذَلِكَ الواحِدُ؟ قال: أبشِرُوا؛ فإنَّ مِنكم رَجُلًا، ومِن يَأجُوجَ ومَأجُوجَ ألفًا. ثُمَّ قال: والذي نَفسي بيَدِه، إنِّي أرجُو أن تَكُونُوا رُبعَ أهلِ الجَنَّةِ، فكَبَّرْنا، فقال: أرجُو أن تَكُونُوا ثُلُثَ أهلِ الجَنَّةِ، فكَبَّرْنا، فقال: أرجُو أن تَكُونُوا نِصفَ أهلِ الجَنَّةِ، فكَبَّرْنا، فقال: ما أنتُم في النَّاسِ إلَّا كالشَّعرةِ السَّوداءِ في جِلدِ ثَورٍ أبيَضَ، أو كشَعرةٍ بَيضاءَ في جِلدِ ثَورٍ أسودَ)) [1977] أخرجه البخاري (3348) واللَّفظُ له، ومسلم (222). .
3- عن أبي موسى الأشعَريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((كُنتُ أنا وأصحابي الذينَ قدِموا مَعي في السَّفينةِ نُزولًا في بَقيعِ بُطحانَ، والنَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالمَدينةِ، فكان يَتَناوبُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عِندَ صَلاةِ العِشاءِ كُلَّ ليلةٍ نَفَرٌ مِنهم، فوافَقْنا النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنا وأصحابي، وله بَعضُ الشُّغلِ في بَعضِ أمرِه، فأعتَمَ بالصَّلاةِ حتَّى ابهارَّ اللَّيلُ [1978] قال الخَطَّابيُّ: (قَولُه: " أعتَمَ"، مَعناه: أخَّرَ الصَّلاةَ. وقَولُه: "ابهارَّ"، قال الأصمَعيُّ: يُقالُ: ابهارَّ اللَّيلُ: إذا انتَصَف، قال: وبَهرةُ كُلِّ شَيءٍ: وسَطُه. وقال أبو سَعيدٍ الضَّريرُ: مَعناه إذا تَتامَّ طُلوعُ النُّجومِ واستَنارَت، وذلك بَعدَ أن يَذهَبَ فَحمةُ اللَّيلِ وظُلمَتُه بساعةٍ. وقال: ومِنه الشَّيءُ الباهرُ، أي: الظَّاهِرُ المُضيءُ). ((أعلام الحديث)) (1/ 447). ، ثُمَّ خَرَجَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فصَلَّى بهم، فلمَّا قَضى صَلاتَه قال لمَن حَضَرَه: على رِسلِكُم، أبشِروا؛ إنَّ مِن نِعمةِ اللهِ عليكُم أنَّه ليسَ أحَدٌ مِنَ النَّاسِ يُصَلِّي هذه السَّاعةَ غَيرُكُم، أو قال: ما صَلَّى هذه السَّاعةَ أحَدٌ غَيرُكُم -لا يَدري أيَّ الكَلمَتَينِ قال-، قال أبو موسى: فرَجَعنا، ففَرِحْنا بما سَمِعْنا مِن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم)) [1979] أخرجه البخاري (567) واللَّفظُ له، ومسلم (641). .
4- عن أبي موسى رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((كُنتُ مَعَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في حائِطٍ مِن حيطانِ المَدينةِ، فجاءَ رَجُلٌ فاستَفتَحَ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: افتَحْ له وبَشِّرْه بالجَنَّةِ، ففتَحتُ له فإذا أبو بَكرٍ، فبَشَّرتُه بما قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فحَمِدَ اللَّهَ، ثُمَّ جاءَ رَجُلٌ فاستَفتَحَ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: افتَحْ له وبشِّرْه بالجَنَّةِ، ففتَحتُ له فإذا هو عُمَرُ، فأخبَرتُه بما قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فحَمِدَ اللَّهَ، ثُمَّ استَفتَحَ رَجُلٌ، فقال لي: افتَحْ له وبَشِّرْه بالجَنَّةِ على بَلوى تُصيبُه، فإذا عُثمانُ، فأخبَرتُه بما قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فحَمِدَ اللَّهَ، ثُمَّ قال: اللهُ المُستَعانُ)) [1980] أخرجه البخاري (3693). .
وفي رِوايةٍ: ((ففتَحتُ وبَشَّرتُه بالجَنَّةِ، قال: وقُلتُ الذي قال، فقال: اللهُمَّ صَبرًا، أوِ اللهُ المُستَعانُ)) [1981] أخرجها مُسلم (2403). .
5- عن موسى بنِ أنَسٍ عن أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم افتقد ثابِتَ بنَ قَيسٍ، فقال رجُلٌ: يا رسولَ اللهِ، أنا أعلَمُ لك عِلمَه، فأتاه فوجَده جالسًا في بيتِه، مُنَكِّسًا رأسَه، فقال: ما شأنُك؟ فقال: شَرٌّ! كان يرفَعُ صوتَه فوقَ صوتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقد حَبِط عَمَلُه، وهو من أهلِ النَّارِ! فأتى الرَّجُلُ فأخبره أنَّه قال كذا وكذا، فقال موسى بنُ أنَسٍ: فرجع المرَّةَ الآخرةَ ببشارةٍ عظيمةٍ، فقال: ((اذهَبْ إليه، فقُلْ له: إنَّك لستَ من أهلِ النَّارِ، ولكِنْ من أهلِ الجنَّةِ)) [1982] أخرجه البخاري (3613) واللفظ له، ومسلم (119). .
6- عن خَيثَمةَ، عن قيسِ بنِ مَروانَ، أنَّه أتى عُمَرَ فقال: جِئتُ يا أميرَ المُؤمِنينَ مِنَ الكوفةِ، وتَرَكتُ بها رَجُلًا يُملي المَصاحِفَ عن ظَهرِ قَلبِه، فغَضِبَ وانتَفخَ حتَّى كادَ يَملأُ ما بينَ شُعبَتي الرَّحلِ! فقال: ومَن هو وَيحَك؟! قال: عبدُ اللهِ بنُ مَسعودٍ. فما زال يُطفَأُ ويُسرَّى عَنه الغَضَبُ، حتَّى عادَ إلى حالِه التي كان عليها، ثُمَّ قال: وَيحَك! واللهِ ما أعلَمُه بَقيَ مِنَ النَّاسِ أحَدٌ هو أحَقُّ بذلك مِنه! وسَأحَدِّثُك عن ذلك: ((كان رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لا يَزالُ يَسمُرُ عِندَ أبي بَكرٍ اللَّيلةَ كذاك في الأمرِ مِن أمرِ المُسلِمينَ، وإنَّه سَمَر عِندَه ذاتَ ليلةٍ وأنا مَعَه، فخَرَجَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وخَرَجنا مَعَه، فإذا رَجُلٌ قائِمٌ يُصَلِّي في المَسجِدِ، فقامَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَستَمِعُ قِراءَتَه، فلمَّا كِدْنا أن نَعرِفَه، قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: مَن سَرَّه أن يَقرَأَ القُرآنَ رَطْبًا كما أُنزِل فليَقرَأْه على قِراءةِ ابنِ أمِّ عَبدٍ. قال: ثُمَّ جَلسَ الرَّجُلُ يَدعو، فجَعَل رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ له: سَلْ تُعطَه، سَلْ تُعطَه! قال عُمَرُ: قُلتُ: واللهِ لأغدوَنَّ إليه فلأبَشِّرَنَّه! قال: فغَدَوتُ إليه لأبَشِّرَه فوجَدتُ أبا بَكرٍ قَد سَبَقَني إليه فبشَّرَه! ولا واللَّهِ ما سابَقتُه إلى خيرٍ قَطُّ إلَّا سَبَقَني إليه)) [1983] أخرجه الترمذي (169) مختصرًا، وأحمد (175) واللفظ له. صحَّحه ابن خزيمة في ((الصحيح)) (2/328)، وابن حبان في ((صحيحه)) (2034)، والحاكم على شرط الشيخين في ((المستدرك)) (5485)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (169)، وحسنه الترمذي، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (852). .

انظر أيضا: