موسوعة الآداب الشرعية

سادسًا: سُجودُ الشُّكرِ لمَن بُشِّرَ بخَيرٍ أو زَوالِ شَرٍّ


يُستَحَبُّ سُجودُ الشُّكرِ عِندَ تَجَدُّدِ النِّعَمِ أو زَوالِ النِّقَمِ [2000] وهو مَذهَبُ الشَّافِعيَّةِ، والحَنابِلةِ، وبَعضِ الحَنَفيَّةِ وهو قولُ ابنِ حَبيبٍ والقرطبيِّ مِنَ المالكيَّةِ، واختارَ هذا القولَ أيضًا: ابنُ تَيميَّةَ، وابنُ القَيِّمِ، والصَّنعانيُّ، والشَّوكانيُّ، وابنُ بازٍ، وابنُ عُثَيمين. يُنظر: ((المَجموع)) للنووي (4/67)، ((الإنصاف)) للمرداوي (2/142)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/119). ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)) (3/160). ((الجامع لأحكام القرآن)) للقرطبي (15/178)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (21/283)، ((إعلام الموقعين)) لابن القيم (2/410)، ((سبل السلام)) للصنعاني (1/211)، ((السيل الجرار)) للشوكاني (1/175)، ((مجموع فتاوى ابن باز)) (11/424)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (4/104). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ والآثارِ:
أ- مِنَ السُّنَّةِ
1- عنِ البَراءِ بنِ عازِبٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((بَعَثَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خالِدَ بنَ الوليدِ إلى اليَمَنِ يَدعوهم إلى الإسلامِ، فذَكَرَ الحَديثَ في بَعثِه عَليًّا، وإقفالِه خالِدًا، ثُمَّ في إسلامِ هَمدانَ، قال: فكَتَبَ عليٌّ رَضِيَ اللهُ عنه إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بإسلامِهم، فلمَّا قَرَأ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الكِتابَ خَرَّ ساجِدًا، ثُمَّ رَفعَ رَأسَه، فقال: السَّلامُ على هَمدانَ، السَّلامُ على هَمدانَ)) [2001] أخرجه الطبري في ((تاريخه)) (2/197)، والبيهقي (3989) واللفظ له. صحَّحه البيهقي في ((الخلافيات)) (2202)، والنووي في ((خلاصة الأحكام)) (2/628)، والذهبي في ((تاريخ الإسلام)) (2/690)، وصحح إسناده ابن القيم في ((زاد المعاد)) (3/544). والحَديثُ أخرجه البخاريُّ (4349) مُختَصَرًا، بلفظ: ((بَعَثَنا رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مَعَ خالدِ بنِ الوليدِ إلى اليَمَنِ، قال: ثُمَّ بَعَثَ عَليًّا بَعدَ ذلك مَكانَه، فقال: مُرْ أصحابَ خالدٍ: مَن شاءَ مِنهم أن يُعَقِّبَ مَعَكَ فليُعَقِّبْ، ومَن شاءَ فْليُقبِلْ، فكُنتُ فيمَن عَقَّبَ مَعَه، قال: فغَنِمتُ أواقٍ ذَواتِ عَدَدٍ)). .
2- قال كَعبُ بنُ مالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنه، وهو يَحكي قِصَّةَ تَوبَتِه: ((...فبَينا أنا جالسٌ على الحالِ التي ذَكَرَ اللهُ؛ قد ضاقَت عليَّ نَفسي، وضاقَت عليَّ الأرضُ بما رَحُبَت، سمعتُ صَوتَ صارِخٍ أوفى على جَبَلِ سَلْعٍ بأعلى صَوتِه: يا كَعبُ بنَ مالكٍ أبشِرْ! قال: فخَرَرتُ ساجِدًا، وعَرَفتُ أنْ قد جاءَ فرَجٌ، وآذَنَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بتَوبةِ اللهِ علينا حينَ صَلَّى صَلاةَ الفجرِ، فذَهبَ النَّاسُ يُبَشِّرونَنا)) [2002] أخرجه البخاري (4418) واللَّفظُ له، ومسلم (2769). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
قَولُه: (فخَرَرتُ ساجِدًا) فيه مَشروعيَّةُ سُجودِ الشُّكرِ؛ لأنَّه فعَلَه في زَمَنِ نُزولِ الوَحيِ، ومِثلُ هذا لا يَخفى على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم [2003] ((شرح مسلم)) للنووي (17/95)، ((فتح الباري)) لابن حجر (8/124) و(9/306). .
ب- مِنَ الآثارِ
عن طارقِ بنِ زيادٍ، قال: (سار عليٌّ إلى النَّهْرَوانِ فقتَل الخَوارجَ، فقال: اطلُبوا؛ فإنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: سيَجيءُ قومٌ يَتكلَّمونَ بكَلِمةِ الحقِّ لا يُجاوِزُ حُلوقَهم، يَمرُقونَ منَ الإسلامِ، كما يَمرُقُ السَّهمُ منَ الرَّميَّةِ، سِيماهُم -أو فيهم- رجُلٌ أَسوَدُ مُخدَجُ اليَدِ، في يَدِه شَعَراتٌ سودٌ، إنْ كان فيهم، فقد قتَلْتم شرَّ النَّاسِ، وإنْ لم يكُنْ فيهم فقد قتَلْتم خَيرَ النَّاسِ، قال: ثُم إنَّا وجَدْنا المُخدَجَ، قال: فخرَرْنا سُجودًا، وخرَّ عليٌّ ساجدًا معنا) [2004] أخرجه أحمد (1255) واللفظ له، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (8513). حسنه لغيره شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (1255)، وصحح إسناده أحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (2/308)، وقال ابنُ كَثيرٍ في ((البداية والنهاية)) (7/302): له طُرُقٌ مُتَواتِرةٌ عن عَليٍّ، وأصلُ القِصَّةِ صحيحٌ. .

انظر أيضا: