موسوعة الآداب الشرعية

أولًا: التَّهنِئةُ بالخَيرِ


مِن السُّنَّةِ التَّهنِئةُ بحُصولِ الخَيرِ، وبالفضائِلِ والمَناقِبِ.
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
1- في حَديثِ الثَّلاثةِ الذينَ خُلِّفوا، قال كَعبُ بنُ مالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنه: (... فبَينا أنا جالسٌ على الحالِ التي ذَكَرَ اللهُ؛ قد ضاقَت عليَّ نَفسي، وضاقَت عليَّ الأرضُ بما رَحُبَت، سمعتُ صَوتَ صارِخٍ أوفى على جَبَلِ سَلْعٍ بأعلى صَوتِه: يا كَعبُ بنَ مالكٍ، أبشِرْ! قال: فخَرَرتُ ساجِدًا، وعَرَفتُ أنْ قد جاءَ فرَجٌ، وآذَنَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بتَوبةِ اللهِ علينا حينَ صَلَّى صَلاةَ الفجرِ، فذَهبَ النَّاسُ يُبَشِّرونَنا، وذَهبَ قِبَلَ صاحِبَيَّ مُبَشِّرونَ، ورَكَضَ إليَّ رَجُلٌ فرَسًا، وسعى ساعٍ مِن أسلمَ، فأوفى على الجَبَلِ، وكانَ الصَّوتُ أسرَعَ مِنَ الفرَسِ، فلمَّا جاءَني الذي سَمِعتُ صَوتَه يُبَشِّرُني، نَزَعتُ له ثَوبَيَّ، فكَسوتُه إيَّاهما ببُشراه، واللهِ ما أملِكُ غَيرَهما يومَئِذٍ! واستَعَرتُ ثَوبَينِ فلَبِستُهما، وانطَلقتُ إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فيتَلقَّاني النَّاسُ فوجًا فوجًا [2009] أي: زُمرةً زُمرةً، وجَماعةً بَعدَ جَماعةٍ. يُنظر: ((المفهم)) لأبي العباس القرطبي (7/ 101). ، يُهنُّوني بالتَّوبةِ، يقولونَ: لِتَهْنِكَ [2010] أي: لتكُنْ هنيئةً لك. يُنظر: ((مرعاة المفاتيح)) للمباركفوري (7/ 191). تَوبةُ اللهِ عليك! قال كَعبٌ: حَتَّى دَخَلتُ المَسجِدَ، فإذا رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جالسٌ حَوله النَّاسُ، فقامَ إليَّ طَلحَةُ بنُ عُبَيدِ اللهِ يُهروِلُ حَتَّى صافحَني وهنَّاني، واللهِ ما قامَ إليَّ رَجُلٌ مِنَ المُهاجِرينَ غَيرُه، ولا أنساها لطَلحةَ!
قال كَعبٌ: فلمَّا سلَّمتُ على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو يبرُقُ وجهُه مِنَ السُّرورِ: أبشِرْ بخَيرِ يومٍ مَرَّ عليك مُنذُ ولدَتكَ أمُّك! قال: قُلتُ: أمِن عندِكَ يا رَسولَ اللهِ، أم مِن عندِ اللهِ؟ قال: لا، بَل مِن عندِ اللهِ. وكانَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا سُرَّ استَنارَ وجهُه، حَتَّى كأنَّه قِطعةُ قَمَرٍ، وكُنَّا نَعرِفُ ذلك منه)) [2011] أخرجه البخاري (4418) واللَّفظُ له، ومسلم (2769). .
والحديثُ فيه دَليلٌ على جَوازِ التَّهنِئةِ بأُمورِ الخَيرِ بل على نَدبيَّتِها إذا كانت دينيَّةً؛ فإنَّه إظهارُ السُّرورِ بما يُسَرُّ به أخوه المُسلمُ، وإظهارُ المَحَبَّةِ، وتَصفيةُ القَلبِ بالمَودَّةِ [2012] ((المفهم)) لأبي العباس القرطبي (7/ 101). .
قال ابنُ القَيِّمِ: (وفيه دَليلٌ على استِحبابِ تَهنِئةِ مَن تَجَدَّدَت له نِعمةٌ دينيَّةٌ، والقيامِ إليه إذا أقبَل، ومُصافحَتِه، فهذه سُنَّةٌ مُستَحَبَّةٌ، وهو جائِزٌ لمَن تَجَدَّدَت له نِعمةٌ دُنيَويَّةٌ، وأنَّ الأَولى أن يُقالَ له: ليَهْنِك ما أعطاك اللهُ، وما مَنَّ اللهُ به عليك، ونَحوَ هذا الكَلامِ؛ فإنَّ فيه تَوليةَ النِّعمةِ رَبَّها، والدُّعاءَ لمَن نالها بالتَّهَنِّي بها) [2013] ((زاد المعاد)) (3/ 511، 512). .
2- عن أُبَيِّ بنِ كَعبٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((يا أبا المُنذِرِ، أتدري أيُّ آيةٍ مِن كتابِ اللهِ معك أعظَمُ؟ قال: قُلتُ: اللهُ ورَسولُه أعلَمُ. قال: يا أبا المُنذِرِ، أتدْري أيُّ آيةٍ مِن كتابِ اللهِ معك أعظَمُ؟ قال: قُلتُ: اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ. قال: فضَرَب في صَدْري، وقال: واللهِ لِيَهْنِكَ [2014] ليَهْنِكَ العِلمُ: أي ليَكُنْ العِلمُ هنيئًا لك. يُنظر: ((مرعاة المفاتيح)) للمباركفوري (7/ 191). العِلْمُ أبا المُنذِرِ!)) [2015] أخرجه مسلم (810). .

انظر أيضا: