موسوعة الآداب الشرعية

ثالثَ عشر: أنْ يكونَ قدوةً صالحةً عاملًا بما يَدْعو إليه


مِن أدَبِ الدَّاعي: أن يكونَ قُدوةً صالحةً، عامِلًا بما يدعو إليه، وألَّا يُخالِفَ قَولَه فِعلُه [2255] قال ابنُ بازٍ: (مِنَ الأخلاقِ والأوصافِ التي يَنبَغي -بَل يَجِبُ- أن يَكونَ عليها الدَّاعيةُ: العَمَلُ بدَعوتِه، وأن يَكونَ قُدوةً صالِحةً فيما يَدعو إليه، ليس مِمَّن يَدعو إلى شَيءٍ ثُمَّ يَترُكُه، أو يَنهى عنه ثُمَّ يَرتَكِبُه، هذه حالُ الخاسِرينَ، نعوذُ باللهِ مِن ذلك. أمَّا المُؤمِنونَ الرَّابِحونَ فهم دُعاةُ الحَقِّ، يَعمَلونَ به ويَنشَطونَ فيه، ويُسارِعونَ إليه، ويَبتَعِدونَ عَمَّا يَنهَونَ عنه... فمِن أهَمِّ الأخلاقِ ومِن أعظَمِها في حَقِّ الدَّاعيةِ: أن يَعمَلَ بما يَدعو إليه، وأن يَنتَهيَ عَمَّا يَنهى عنه، وأن يَكونَ ذا خُلُقٍ فاضِلٍ، وسيرةٍ حَميدةٍ). ((الدعوة إلى الله وأخلاق الدعاة)) (ص: 46، 47). .
الدَّليلُ على ذلك مِن الكِتابِ والسُّنَّةِ:
أ- مِنَ الكِتابِ
1- قال تعالى: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ [البقرة: 44] .
قوله: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ الاستفهام هنا للإنكار؛ والمراد إنكار أمر الناس بالبر مع نسيان النفس؛ إذ النفس أولى أن يبدأ بها، فمِن فوائدِ الآيةِ: توبيخُ هؤلاء الذين يأمرون بالبرِّ، وينسَوْن أنفسَهم؛ لأنَّ ذلك منافٍ للعقلِ [2256] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين: الفاتحة والبقرة)) لابن عثيمين (1/ 157). .
ومِنَ المَعلومِ أنَّ على الإنسانِ واجِبَينِ: أمرُ غَيرِه ونَهيُه، وأمرُ نَفسِه ونَهيُها، والكَمالُ أن يَقومَ الإنسانُ بالواجِبَينِ، والنَّقصُ الكامِلُ أن يَترُكَهما، وأمَّا قيامُه بأحَدِهما دونَ الآخَرِ فليسَ في رُتبةِ الأوَّلِ، وهو دونَ الأخيرِ، وأيضًا فإنَّ النُّفوسَ مَجبولةٌ على عَدَمِ الانقيادِ لمَن يُخالِفُ قَولُه فِعلَه، فاقتِداؤُهم بالأفعالِ أبلغُ مِنِ اقتِدائِهم بالأقوالِ المُجَرَّدةِ [2257] يُنظر: ((تيسير الكريم الرحمن)) للسعدي (ص: 51). .
2- قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ [الصف: 2-3] .
3- وقال شُعَيبٌ عليه السَّلامُ لقَومِه: وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ [هود: 88] .
ب- مِنَ السُّنَّةِ
عن أُسامةَ بنِ زَيدٍ رَضيَ اللهُ عنهما، قال: سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: ((يُؤتى بالرَّجُلِ يَومَ القيامةِ فيُلقى في النَّارِ فتَندَلِقُ أقتابُ [2258] الأقتابُ: الأمعاءُ، والاندِلاقُ: خُروجُ الشَّيءِ مِن مَكانِه سَلِسًا سَهلًا. يُنظر: ((غريب الحديث)) للقاسم بن سلام (3/ 388، 389). بَطنِه، فيَدورُ بها كما يَدورُ الحِمارُ بالرَّحى! فيَجتَمِعُ إليه أهلُ النَّارِ فيَقولونَ: يا فُلانُ ما لَك؟! ألَم تَكُنْ تَأمُرُ بالمَعروفِ وتَنهى عَنِ المُنكَرِ؟! فيَقولُ: بَلى، قد كُنتُ آمُرُ بالمَعروفِ ولا آتيه، وأنهى عَنِ المُنكَرِ وآتيه)) [2259] أخرجه البخاري (3267)، ومسلم (2989) واللَّفظُ له. .

انظر أيضا: