موسوعة الآداب الشرعية

ثاني عشر: التَّواضُعُ وتَركُ مَدْحِ النَّفسِ


مِن أدَبِ الدَّاعي أن يَكونَ مُتَواضِعًا، غَيرَ مُتَعالٍ على مَن يَدعوه، ولا مُحتَقِرٍ له، تارِكًا مَدْحَ نَفسِه.
الدَّليلُ على ذلك مِن الكِتابِ والسُّنَّةِ:
أ- مِنَ الكِتابِ
1- قال تعالى: وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ [الحجر: 88] .
2- قال تعالى: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ * وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الشعراء: 214-215] .
3- قال تعالى: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا [الكهف: 28] .
4- قال تعالى: وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ [الأنعام: 51-52] .
5- قال تعالى: تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [القصص: 83] .
6- قال تعالى: فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى [النجم: 32] .
7- قال تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا [النساء: 49] .
ب- مِنَ السُّنَّةِ
1- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((ما نقَصَت صَدَقةٌ من مالٍ، وما زاد اللَّهُ عبدًا بعفوٍ إلَّا عِزًّا، وما تواضَع أحَدٌ للهِ إلَّا رفَعَه اللَّهُ)) [2251] أخرجه مسلم (2588). .
2- عن عِياضٍ المجاشِعيِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قامَ فينا رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ذاتَ يَومٍ خَطيبًا، فقال: ((... وإنَّ اللَّهَ أوحى إليَّ أن تَواضَعوا حتَّى لا يَفخَرَ أحَدٌ على أحَدٍ، ولا يَبغيَ أحَدٌ على أحَدٍ)) [2252] أخرجه مسلم (2865). .
فَوائِدُ:
الدَّاءُ العُضالُ
قال الغزاليُّ: (وأمَّا العُجبُ والكِبْرُ والفخرُ فهو الدَّاءُ العُضالُ، وهو نظَرُ العبدِ إلى نفسِه بعينِ العِزِّ والاستعظامِ، وإلى غيرِه بعينِ الاحتقارِ والذُّلِّ، ونتيجتُه على اللِّسانِ أن يقولَ: أنا وأنا، كما قال إبليسُ اللَّعينُ: أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ، وثمرتُه في المجالسِ التَّرفُّعُ والتَّقدُّمُ، وطلبُ التَّصدُّرِ فيها، وفي المحاورةِ الاستنكافُ من أن يُرَدَّ كلامُه عليه، والمُتكَبِّرُ هو الذي إن وُعِظ أَنِف، أو وَعَظ عَنَّف، فكُلُّ من رأى نفسَه خيرًا من أحدٍ مِن خَلقِ اللهِ تعالى فهو مُتكَبِّرٌ، بل يَنبَغي لك أن تَعلَمَ أنَّ الخَيِّرَ مَن هو خيرٌ عِندَ اللهِ في دارِ الآخرةِ، وذلك غيبٌ، وهو موقوفٌ على الخاتمةِ؛ فاعتقادُك في نفسِك أنَّك خيرٌ من غيرِك جهلٌ محضٌ، بل ينبغي ألَّا تنظُرَ إلى أحدٍ إلَّا وترى أنَّه خيرٌ منك، وأنَّ الفضلَ له على نفسِك، فإن رأيت صغيرًا قلتَ: هذا لم يعصِ اللهَ وأنا عصيتُه، فلا شَكَّ أنَّه خيرٌ مني، وإن رأيتَ كبيرًا قُلتَ: هذا قد عبدَ اللهَ قبلي، فلا شَكَّ أنَّه خيرٌ مني، وإن كان عالِمًا قلتَ: هذا قد أُعطِيَ ما لم أُعطَ، وبلغ ما لم أبلُغْ، وعَلِم ما جَهِلتُ؛ فكيف أكونُ مثلَه؟! وإن كان جاهلًا قُلتَ: هذا قد عصى اللهَ بجَهلٍ، وأنا عصيتُه بعِلمٍ؛ فحُجَّةُ اللهِ عليَّ آكَدُ، وما أدري بمَ يُختَمُ لي وبم يختَمُ له؟ ...
فلا يخرجُ الكِبْرُ من قلبِك إلَّا بأن تعرِفَ أنَّ الكبيرَ من هو كبيرٌ عِندَ اللهِ تعالى، وذلك موقوفٌ على الخاتمةِ، وهي مشكوكٌ فيه؛ فيشغَلُك خوفُ الخاتمةِ عن أن تتكبَّرَ مع الشَّكِّ فيها على عبادِ اللهِ تعالى، فيَقينُك وإيمانُك في الحالِ لا يناقِضُ تجويزَك في الاستقبالِ؛ فإنَّ اللهَ مُقَلِّبُ القلوبِ يهدي من يشاءُ، ويُضِلُّ من يشاءُ) [2253] ((بداية الهداية)) (ص: 60). .
أنفَعُ النَّاسِ لك وأضرُّهم عليك
قال ابنُ القيِّمِ: (أنفَعُ النَّاسِ لك رجلٌ مكَّنَك من نفسِه حتَّى تزرَعَ فيه خيرًا أو تصنَعَ إليه معروفًا؛ فإنَّه نِعْمَ العونُ لك على منفعتِك وكمالِك، فانتفاعُك به في الحقيقةِ مِثلُ انتفاعِه بك أو أكثَرُ. وأضَرُّ النَّاسِ عليك من مكَّن نفسَه منك حتى تعصيَ اللهَ فيه؛ فإنَّه عونٌ لك على مضرَّتِك ونَقصِك) [2254] ((الفوائد)) (ص: 192). .

انظر أيضا: