موسوعة الآداب الشرعية

ثانيًا: التَّحَلِّي بحُسنِ الخُلُقِ


يَنبَغي للمفتي التَّحَلِّي بحُسنِ الأخلاقِ، كالحِلمِ والتَّواضُعِ، والرِّفقِ بالمُستَفتي والتَّلَطُّفُ مَعَه مَعَ ظُهورِ الوَقارِ والسَّكينةِ عليه [2353] يُنظر: بحث ((الفتوى وأهميتها)) لعياض السلمي (ص: 67، 68). .
الدَّليلُ على ذلك مِن الكتابِ والسنَّةِ:
أ- مِن الكتابِ
1- قال تعالى: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ [آل عمران: 159] .
وفيه الحثُّ على حُسنِ الخُلقِ واللِّينِ؛ فثمرةُ اللِّينِ هي المحبَّةُ والاجتماعُ، وخلافُه من الجَفوةِ والخشونةِ مُؤدٍّ إلى التَّفرُّقِ [2354] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (3/408)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (5/107). .
2-  وقال سُبحانه مخاطبًا الرَّسولَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الشعراء: 215]
فهذه وظيفةُ المسلمِ مع إخوانِه؛ أنْ يكونَ هَيِّنًا لَيِّنًا بالقَولِ وبالفِعلِ؛ لأنَّ هذا ممَّا يُوجِبُ الموَدَّةَ والأُلفةَ بينَ النَّاسِ [2355] يُنظر: ((شرح رياض الصالحين)) لابن عثيمين (2/544). .
3- وقال سُبحانه: اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى [طه: 43-44] .
فإذا كان موسى أُمِرَ بأن يقولَ لفِرعونَ قولًا لَيِّنًا، فمَن دونَه أحرى بأن يَقتَدِيَ بذلك في خطابِه، وقد قال الله تعالى: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا [البقرة: 83] [2356] يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (11/200). .
ب- مِن السنَّةِ:
1- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((إنَّ يهودَ أتَوا النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقالوا: السَّامُ عليكم. فقالت عائشةُ: عليكم، ولعنكم اللهُ وغَضِب اللهُ عليكم. قال: مهلًا يا عائشةُ، عليكِ بالرِّفْقِ وإيَّاكِ والعُنفَ والفُحشَ. قالت: أوَ لم تسمَعْ ما قالوا؟ قال: أو لم تسمَعي ما قُلتُ؟ ردَدْتُ عليهم فيُستجابُ لي فيهم ولا يُستجابُ لهم فيَّ)) [2357] رواه البخاري (6030) واللفظ له، ومسلم (2165). .
وفي روايةٍ: ((فقال: يا عائشةُ، إنَّ اللهَ رفيقٌ يحِبُّ الرِّفْقَ في الأمرِ كُلِّه)) [2358] رواه البخاري (6927). .
2- وعن جريرٍ رَضِيَ الله عنه، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((مَن يُحرَمِ الرِّفْقَ يُحرَمِ الخيرَ)) [2359] رواه مسلم (2592). .
3- وعن عائشةَ رَضِيَ الله عنها عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إنَّ الرِّفْقَ لا يكونُ في شيءٍ إلَّا زانه، ولا يُنزَعُ من شيءٍ إلَّا شانه)) [2360] رواه مسلم (2594). .
مِن أقوالِ العلماءِ
قال أحمَدُ بنُ حَنبَلٍ: (لا يَنبَغي للرَّجُلِ أن يَنصِبَ نَفسَه -يَعني: للفتوى- حتَّى يَكونَ فيه خَمسُ خِصالٍ وذكر منها: أن (يَكون له خُلُقٌ ووقارٌ وسَكينةٌ) [2361] يُنظر: ((إبطال الحيل)) لابن بطة (ص: 34). .
وعنِ الفُضَيلِ بنِ عِياضٍ، قال: (إنَّ اللَّهَ تعالى يُحِبُّ العالمَ المُتَواضِعَ، ويُبغِضُ العالمَ الجَبَّارَ، ومَن تَواضَع للهِ ورَّثَه اللهُ الحِكمةَ) [2362] يُنظر: ((الفقيه والمتفقه)) للخطيب البغدادي (2/ 230). .
وقال الخَطيبُ البَغداديُّ في سياقِ ذِكرِه جُملةً مِن آدابِ الفقيهِ: (ويَنبَغي له أن يُعَوِّدَ لسانَه لينَ الخِطابِ، والمُلاطَفةَ في السُّؤالِ والجَوابِ) [2363] ((الفقيه والمتفقه)) (2/ 230). .

انظر أيضا: