موسوعة الآداب الشرعية

سادسًا: إدخالُ السُّرورِ عليهما، وعَدَمُ التَّسَبُّبِ في بُكائِهما


مِنَ الأدَبِ مَعَ الوالِدَينِ: إدخالُ السُّرورِ عليهما ما أمكَنَ، وعَدَمُ التَّسَبُّبِ في بُكائِهما.
الدَّليلُ على ذلك من السُّنَّةِ والآثارِ:
أ- من السُّنَّةِ
1- عَن عبدِ اللهِ بنِ عَمرِو بنِ العاصِ رَضيَ اللهُ عنهما، قال: ((أقبَل رَجُلٌ إلى نَبيِّ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: أُبايِعُك على الهِجرةِ والجِهادِ، أبتَغي الأجرَ مِنَ اللهِ، قال: فهل مِن والدَيك أحَدٌ حَيٌّ؟ قال: نَعَم، بَل كِلاهما، قال: فتَبتَغي الأجرَ مِنَ اللهِ؟ قال: نَعَم، قال: فارجِعْ إلى والدَيك فأحسِنْ صُحبَتَهما)) [1110] أخرجه مسلم (2549). .
2- عَن عبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو رَضيَ اللهُ عنهما، قال: ((أتى رَجُلٌ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: يا رَسولَ اللهِ، إنِّي جِئتُ أُريدُ الجِهادَ مَعَك، أبتَغي وجهَ اللهِ والدَّارَ الآخِرةَ، ولَقد أتَيتُ وإنَّ والِدَيَّ ليَبكيانِ، قال: فارجِعْ إليهما فأضحِكْهما كما أبكَيتَهما)) [1111] أخرجه ابن ماجه (2782). صَحَّحه ابن الملقن في ((خلاصة البدر المنير)) (2/336)، والألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (2782). .
وفي رِوايةٍ: ((جاءَ رَجُلٌ إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: جِئتُ أُبايِعُك على الهِجرةِ، وتَرَكتُ أبَويَّ يَبكيانِ، قال: ارجِعْ عليهما فأضحِكْهما كما أبكَيتَهما)) [1112] أخرجه أبو داود (2528) واللفظ له، والنسائي (4163)، وأحمد (6490). صَحَّحه ابن حبان في ((صحيحه)) (419)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (2528)، وصحَّح إسناده الحاكم في ((المستدرك)) (7250)، وأحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (9/202). .
ب- مِنَ الآثارِ
عن طَيسَلةَ بنِ مَيَّاسٍ، قال: (كُنتُ مَعَ النَّجَداتِ فأصَبتُ ذُنوبًا لا أراها إلَّا مِنَ الكَبائِرِ، فذَكَرتُ ذلك لابنِ عُمَرَ، قال: ما هيَ؟ قُلتُ: كَذا وكَذا، قال: ليسَت هذه مِنَ الكَبائِرِ، هنَّ تِسعٌ: الإشراكُ باللهِ، وقَتلُ نَسَمةٍ، والفِرارُ مِنَ الزَّحفِ، وقَذفُ المُحصَنةِ، وأكلُ الرِّبا، وأكلُ مالِ اليَتيمِ، وإلحادٌ [1113] إلحادٌ: أي: ظُلمٌ ومَيلٌ عنِ الحَقِّ، والإلحادُ: العُدولُ عنِ القَصدِ والمَيلُ عنِ الاستِقامةِ، يُقالُ: ألحَدَ الرَّجُلُ: إذا مال عن طَريقةِ الحَقِّ والإيمانِ، وألحَدَ الرَّجُلُ، أي: ظَلَم في الحَرَمِ. يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 291)، ((معاني القرآن وإعرابه)) للزجاج (3/ 421)، ((الصحاح)) للجوهري (2/ 534)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/ 236)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 244). وقال الطَّبَريُّ بَعدَ أن ساقَ بَعضَ الأقوالِ في تَفسيرِ قَولِه تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ [الحج: 25] : (وأَولى الأقوالِ التي ذَكَرناها في تَأويلِ ذلك بالصَّوابِ القَولُ الذي ذَكَرناه عن ابنِ مَسعودٍ وابنِ عبَّاسٍ مِن أنَّه مَعنيٌّ بالظُّلمِ في هذا المَوضِعِ كُلُّ مَعصيةٍ للَّهِ، وذلك أنَّ اللَّهَ عَمَّ بقَولِه: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ [الحج: 25] ، ولم يُخصَصْ به ظُلمٌ دونَ ظُلمٍ في خَبَرٍ ولا عَقلٍ، فهو على عُمومِه. فإذا كان ذلك كذلك فتَأويلُ الكَلامِ: ومَن يُرِدْ في المَسجِدِ الحَرامِ بأن يَميلَ بظُلمٍ، فيَعصيَ اللَّهَ فيه، نُذِقْه يَومَ القيامةِ مِن عَذابٍ موجِعٍ له). ((جامع البيان)) (16/ 510). في المَسجِدِ، والذي يَستَسخِرُ [1114] مِنَ الاستِسخارِ، وهو السُّخريةُ والاستِهزاءُ. وفي بَعضِ النُّسَخِ بالحاءِ المُهمَلةِ: (يَستَسحِرْ)، على أنَّها مِنَ الاستِسحارِ، وهو طَلَبُ السِّحرِ. وقيلَ غَيرُ ذلك. يُنظر: ((فضل الله الصمد)) للجيلاني (1/ 57، 58). ، وبُكاءُ الوالدَينِ مِنَ العُقوقِ. قال لي ابنُ عُمَرَ: أتَفرَقُ من النَّارِ، وتُحِبُّ أن تَدخُلَ الجَنَّةَ؟ قُلتُ: إي واللهِ، قال: أحيٌّ والِداك؟ قُلتُ: عِندي أُمِّي، قال: فواللهِ لو ألَنْتَ لها الكَلامَ، وأطعَمْتَها الطَّعامَ، لتَدخُلَنَّ الجَنَّةَ ما اجتَنَبتَ الكَبائِرَ) [1115] أخرجه البخاري في ((الأدب المفرد)) (8) واللفظ له، والطبري في ((التفسير)) (6/646)، وابن المنذر في ((التفسير)) (1663) صححه الألباني في ((صحيح الأدب المفرد)) (6)، وصحح إسناده أحمد شاكر في ((عمدة التفسير)) (1/491) .

انظر أيضا: