موسوعة الآداب الشرعية

رابعًا: قَبولُ الهَديَّةِ ولو قَلَّت وعَدَمُ رَدِّها


يَنبَغي قَبولُ الهَديَّةِ -إذا خَلَت عن مَحظورٍ [2539] قال السَّمَرقَنديُّ: (اعلَمْ أنَّه إذا أهدى إليك إنسانٌ هَديَّةً، فإن لم يَكُنِ الذي أهدى إليك ظالِمًا ولم يَكُن مالُه حَرامًا، فالأفضَلُ أن تَقبلَ الهَديَّةَ وتُكافِئَه بأفضَلَ مِنه أو مِثلِه، فإن عَجَزتَ عنِ المُكافأةِ بالمالِ فبالدُّعاءِ وحُسنِ الثَّناءِ. وقد رُويَ عن رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ تعالى عليه وسَلَّم أنَّه قال: «مَن لم يَشكُرِ النَّاسَ لم يَشكُرِ اللَّهَ تعالى»). ((بستان العارفين)) (ص: 161، 162). - وعَدَمُ رَدِّها ولو كانت يَسيرةً [2540] قال ابنُ عبدِ البَرِّ: (قَبولُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الهَدايا أشهَرُ وأعرَفُ وأكثَرُ مِن أن تُحصى الآثارُ في ذلك). ((التمهيد)) (2/ 6، 7). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
1- عن عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((أجيبوا الدَّاعيَ، ولا تَرُدُّوا الهَديَّةَ، ولا تَضرِبوا المُسلِمينَ)) [2541] أخرجه أحمد (3838)، وابن حبان (5603) واللفظ لهما، والطبراني (10/242) (10444) باختلافٍ يسيرٍ. صحَّحه ابنُ حبان، والألباني في ((صحيح الجامع)) (158)، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (833). .
2- عن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((كان رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقبَلُ الهَديَّةَ، ولا يَأكُلُ الصَّدَقةَ)) [2542] أخرجه أبو داود (4512) واللفظ له، وأحمد (8714). صحَّحه ابنُ حبان في ((صحيحه)) (6381)، وابن الملقن في ((خلاصة البدر المنير)) (2/414)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4512)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (4512). .
وفي رِوايةٍ: ((كان رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا أُتيَ بطَعامٍ سَأل عنه: أهَديَّةٌ أم صَدَقةٌ؟ فإن قيل: صَدَقةٌ، قال لأصحابِه: كُلوا، ولم يَأكُلْ، وإن قيل هَديَّةٌ، ضَرَب بيَدِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فأكَل مَعَهم)) [2543] أخرجه البخاري (2576) واللفظ له، ومسلم (1077). .
3- عن عبدِ اللهِ بنِ بُسرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((كان رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقبَلُ الهَديَّةَ، ولا يَقبَلُ الصَّدَقةَ)) [2544] أخرجه أحمد (17688)، وابن سعد في ((الطبقات الكبرى)) (947)، والخطيب في ((تلخيص المتشابه)) (2/658). صحَّحه لغيره شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (17688)، وحسَّنه الوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (555). .
4- عن عبدِ اللهِ بنِ بُسرٍ صاحِبِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((كانت أُختي تَبعَثُني إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالهَديَّةِ فيَقبَلُها)) [2545] أخرجه أحمد (17687)، وابن سعد في ((الطبقات الكبرى)) (946)، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (27/153). حسَّن إسنادَه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (17687). .
وفي رِوايةٍ: ((كانت أُختي رُبَّما بَعَثَتني بالشَّيءِ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تُطرِفُه [2546] أطرَفتُ الرَّجُلَ: إذا أعطَيتَه ما لم يُعطِه أحَدٌ قَبلَك، والاسمُ الطُّرفةُ، والجَمعُ طُرَفٌ، وشَيءٌ طَريفٌ: غَريبٌ. يُنظر: ((العين)) للخليل (7/ 415)، ((المخصص)) لابن سيده (3/ 421). إيَّاه، فيَقبَلُه مِنِّي)) [2547] أخرجها أحمد (17677)، والضياء في ((الأحاديث المختارة)) (32). حَسَّنه الوادِعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (556)، وحَسَّن إسنادَه شُعَيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (17677). .
5- عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: ((كان رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقبَلُ الهَديَّةَ ويُثيبُ عليها [2548] يُثيبُ عليها، أي: يعطي الذي يُهدي له بَدَلَها، والمرادُ بالثَّوابِ المجازاةُ، وأقَلُّه ما يُساوي قيمةَ الهَديَّةِ. يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (5/ 210). ) [2549] أخرجه البخاري (2585). .
6- عن أنَسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((أُتيَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بلَحمٍ، فقيل: تُصُدِّقَ على بَريرةَ، قال: هو لها صَدَقةٌ ولنا هَديَّةٌ)) [2550] أخرجه البخاري (2577). .
وعن أُمِّ عَطيَّةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: ((دَخَل النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، فقال: عِندَكُم شَيءٌ؟ قالت: لا، إلَّا شَيءٌ بَعَثَت به أمُّ عَطيَّةَ، مِنَ الشَّاةِ التي بَعَثَت إليها مِنَ الصَّدَقةِ، قال: إنَّها قد بَلَغَت مَحِلَّها [2551] المحِلُّ بكَسرِ الحاءِ: مَوضِعُ الحُلولِ والاستِقرارِ. والمَعنى: أنَّه قد حَصَل المَقصودُ مِنها مِن ثَوابِ التَّصَدُّقِ، ثُمَّ صارَت مِلكًا لمَن وصَلت إليه. يُنظر: ((كشف المشكل)) لابن الجوزي (4/ 437). [2552] أخرجه البخاري (2579) واللفظ له، ومسلم (1076). .
قال ابنُ بَطَّالٍ: (قَولُه في لحمِ بَريرةَ: «هو لها صَدَقةٌ ولنا هَديَّةٌ»، وقَولُه: «قد بَلَغَت مَحِلَّها»؛ فإنَّ الصَّدَقةَ يَجوزُ فيها تَصَرُّفُ الفقيرِ بالبَيعِ والهَديَّةِ وغَيرِ ذلك؛ لصِحَّةِ مِلكِه لها، فلمَّا أهدَتها بَريرةُ إلى بَيتِ مَولاتِها عائِشةَ حَلَّت لها وللنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وتَحَوَّلت عن مَعنى الصَّدَقةِ لمِلكِ المُتَصَدَّقِ عليه بها؛ ولذلك قال عليه السَّلامُ: وهيَ لنا مِن قِبَلِها هَديَّةٌ، وقد بَلَغَت مَحِلَّها، أي: قد صارَت حَلالًا بانتِقالِها مِن بابِ الصَّدَقةِ إلى بابِ الهَديَّةِ؛ لأنَّ الهَديَّةَ جائِزٌ أن يُثيبَ عَليها بمِثلِها وأضعافِها على المَعهودِ مِنه عليه السَّلامُ، وليسَ ذلك شَأنَ الصَّدَقةِ) [2553] ((شرح صحيح البخاري)) (7/ 92). .
7- عن عائِشةَ أمِّ المُؤمِنينَ رَضِيَ اللهُ عنها أنَّها قالت: ((كان في بَريرةَ ثَلاثُ سُنَنٍ، فكانت إحدى السُّنَنِ الثَّلاثِ: أنَّها أُعتِقَت فخُيِّرَت في زَوجِها، وقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: الوَلاءُ لمَن أعتَقَ [2554] ولاءُ المُعتَقِ: أنَّه إذا مات المُعتَقُ ولم يُخَلِّفْ وارِثًا سوى مُعتِقِه، وَرِثَه. يُنظر: ((جامع الأصول)) لابن الأثير (1/ 522). . ودَخَل رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم والبُرمةُ [2555] البُرمةُ: هي القِدْرُ مُطلَقًا، وهي في الأصلِ المتَّخَدةُ مِنَ الحَجَرِ المعروفِ بالحِجازِ واليَمَنِ. يُنظر: ((المفاتيح)) للمظهري (2/ 508)، ((عمدة القاري)) للعيني (20/ 266). تَفورُ بلَحمٍ، فقُرِّب إليه خُبزٌ وأُدْمٌ [2556] الأُدمُ: الإدامُ، وهو ما يُستمرَأُ به الخُبزُ. يُنظر: ((عمدة القاري)) للعيني، ((تاج العروس)) للزبيدي (31/ 203)، ((المعجم الوسيط)) (1/ 10). مَن أُدْمِ البيتِ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ألم أرَ بُرمةً فيها لحمٌ؟! فقالوا: بَلى يا رَسولَ اللهِ، ولكِنَّ ذلك لحمٌ تُصُدِّقَ به على بَريرةَ، وأنتَ لا تَأكُلُ الصَّدَقةَ! فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: هو عليها صَدَقةٌ، وهو لنا هَديَّةٌ)) [2557] أخرجه البخاري (5279) واللفظ له، ومسلم (1504). .
قال ابنُ عَبدِ البَرِّ: (في هذا الحَديثِ بيانُ أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان لا يَأكُلُ الصَّدَقةَ، وكان يَأكُلُ الهَديَّةَ؛ لِما في الهَديَّةِ مِن تآلُفِ القُلوبِ والدُّعاءِ إلى المَحَبَّةِ والأُلفةِ، وجائِزٌ عليها الثَّوابُ فتَرتَفِعُ المِنَّةُ، ولا يَجوزُ ذلك في الصَّدَقةِ، وكان رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقبَلُ الهَديَّةَ ويُثيبُ عليها خيرًا مِنها، فتَرتَفِعُ المِنَّةُ. والآثارُ بأنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يَأكُلُ الهَديَّةَ ولا يَأكُلُ الصَّدَقةَ كثيرةٌ جِدًّا، ولمَّا كانتِ الصَّدَقةُ يَجوزُ فيها التَّصَرُّفُ للفقيرِ بالبيعِ والهبةِ والهَديَّةِ والعِوضِ وغيرِ العِوضِ بصِحَّةِ مِلكِه لها، وأهدَتْها بريرةُ إلى بيتِ مَولاتِها عائِشةَ؛ حَلَّت لها وللنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ لأنَّه قُصِدَ بالهَديَّةِ إليه، وتَحَوَّلت عن مَعنى الصَّدَقةِ بمِلكِ المُتَصَدَّقِ عليه بها إلى مَعنى الهَديَّةِ الحَلالِ للنَّبيِّ عليه السَّلامُ، وكذلك قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «هو عليها صَدَقةٌ» يَعني: مِمَّن تَصَدَّق بها عليها، وهي لنا مِن قِبَلِها هَديَّةٌ، جائِزٌ أن يُثيبَها عليها بمِثلِها وبأضعافِها، على المَعهودِ مِنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وليس ذلك شَأنَ الصَّدَقةِ) [2558] ((الاستذكار)) (6/ 70). .
وقال ابنُ بَطَّالٍ في فوائِدِ الحَديثِ: (فيه أنَّ النَّاسَ على عَهدِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يَكونوا يَستَنكِرونَ هَديَّةَ بَعضِهم لبَعضٍ الطَّعامَ والشَّيءَ الذي يُؤكَلُ، وما لا يَعظُمُ خَطَرُه، والدَّليلُ على ذلك قَولُه عليه السَّلامُ: «لو أُهدِيَ إلى كُراعٌ لقَبِلتُ»؛ لأنَّه لم يُنكِرْ مِن بَريرةَ أن أهدَتِ اللَّحمَ، ولا أنكَرَ قَبولَ عائِشةَ له) [2559] ((شرح صحيح البخاري)) (7/ 428). .
8- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((لو دُعِيتُ إلى ذِراعٍ أو كُراعٍ [2560] أي: كُراعِ شاةٍ، والكُراعُ: ما فَوقَ الظِّلفِ للأنعامِ وتحتَ السَّاقِ. يُنظر: ((مطالع الأنوار)) لابن قرقول (3/ 351). لأجَبْتُ، ولو أُهدِيَ إليَّ ذِراعٌ أو كُراعٌ لقَبِلتُ)) [2561] أخرجه البخاري (2568). .
قال ابنُ بطَّالٍ: (قال المُهَلَّبُ: معناه التَّواضُعُ وتركُ التَّكبُّرِ، والاستِئلافُ بقَبولِ اليسيرِ والإجابةِ إليه؛ لأنَّ الهَدِيَّةَ تؤكِّدُ المحبَّةَ، وكذلك الدَّعوةُ إلى الطَّعامِ لا تبعَثُ إلى ذلك إلَّا صحَّت محبَّةُ الدَّاعي وسُرورُه بأكلِ المدعوِّ إليه من طعامِه والتَّحبُّبِ إليه بالمؤاكَلةِ، وتوكيدِ الذِّمامِ معه بها؛ فلذلك حضَّ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على قَبولِ التَّافِهِ من الهديَّةِ، وإجابةِ النَّذرِ من الطَّعامِ) [2562] ((شرح صحيح البخاري)) (7/ 290). .
وقال ابنُ بطَّالٍ أيضًا: (هذا حَضٌّ مِنه لأمَّتِه على المُهاداةِ والصِّلةِ، والتَّأليفِ والتَّحابِّ، وإنَّما أخبَرَ أنَّه لا يَحقِرُ شيئًا مِمَّا يُهدى إليه أو يُدعى إليه؛ لئَلَّا يَمتَنِعَ الباعِثُ مِنَ المُهاداةِ لاحتِقارِ المُهْدى، وإنَّما أشارَ بالكُراعِ وفِرسِنِ الشَّاةِ إلى المُبالغةِ في قَبولِ القَليلِ مِنَ الهَديَّةِ، لا إلى إعطاءِ الكُراعِ والفِرسِنِ ومُهاداتِه؛ لأنَّ أحَدًا لا يَفعَلُ ذلك) [2563] ((شرح صحيح البخاري)) (7/ 87، 88). وقال ابنُ حَجَرٍ: (خُصَّ الذِّراعُ والكُراعُ بالذِّكرِ ليَجمَعَ بينَ الحقيرِ والخطيرِ؛ لأنَّ الذِّراعَ كانت أحَبَّ إليه من غَيرِها، والكُراعُ لا قيمةَ له). ((فتح الباري)) (5/ 199، 200). .
9- عن أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((أنفَجْنا [2564] أنفَجْنا: أي: أثَرْناها. يقالُ: أنفَجْتُها فنَفَجَت وانتَفَجَت: إذا ثارت فوثَبَت في عَدْوِها. يُنظر: ((أعلام الحديث)) للخطابي (2/ 1280). أرنَبًا بمَرِّ الظَّهرانِ [2565] مَرُّ الظَّهرانِ: موضِعٌ قَريبٌ من مكَّةَ. يُنظر: ((شرح مسلم)) للنووي (13/ 104). ، فسَعى القَومُ، فلَغَبوا [2566] فلَغَبوا، أي: أَعْيَوا. واللُّغوبُ: الإعياءُ. يُنظر: ((أعلام الحديث)) للخطابي (2/ 1280). ، فأدرَكتُها فأخَذتُها، فأتَيتُ بها أبا طَلحةَ، فذَبَحَها وبَعَثَ بها إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بوَرِكِها أو فَخِذَيها، فقَبِلَه)) [2567] أخرجه البخاري (2572) واللفظ له، ومسلم (1953). .
10- عن عبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، عنِ الصَّعبِ بنِ جَثَّامةَ اللَّيثيِّ رَضِيَ اللهُ عنه ((أنَّه أهدى لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حِمارًا وَحشيًّا، وهو بالأبواءِ -أو بوَدَّانَ- فرَدَّه عَليه، فلمَّا رَأى ما في وَجهِه قال: إنَّا لم نَرُدَّه عليك إلَّا أنَّا حُرُمٌ)) [2568] أخرجه البخاري (1825) واللفظ له، ومسلم (1193). .
قال ابنُ حَجَرٍ: (قَولُه: «لم نَرُدَّه عَليك إلَّا أنَّا حُرُمٌ» مَفهومُه أنَّه لو لم يَكُنْ مُحرِمًا لقَبِلَه مِنه. وفيه أنَّه لا يَجوزُ قَبولُ ما لا يَحِلُّ مِنَ الهَديَّةِ) [2569] ((فتح الباري)) (5/ 203). .
11- عن خالِدِ بنِ عَديٍّ الجُهَنيِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: ((مَن بَلَغَه مَعروفٌ عن أخيه مِن غَيرِ مَسألةٍ ولا إشرافِ نَفسٍ فليَقبَلْه ولا يَرُدَّه؛ فإنَّما هو رِزقٌ ساقَه اللهُ إليه)) [2570] أخرجه أحمد (17936)، وابن حبان (3404) واللفظ لهما، والطبراني (4/196) (4124). صحَّحه ابنُ حبان، وعبد الحق الإشبيلي في ((الأحكام الوسطى)) (2/201)، والألباني في ((صحيح الترغيب)) (848)، وصحح إسناده الحاكم في ((المستدرك)) (2398)، والمنذري في ((الترغيب والترهيب)) (2/50)، وابن حجر في ((الإصابة)) (1/409). .
وعن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((مَن آتاه اللهُ مِن هذا المالِ شَيئًا مِن غَيرِ أن يَسألَه، فليَقبَلْه؛ فإنَّما هو رِزقٌ ساقَه اللهُ عَزَّ وجَلَّ إليه)) [2571] أخرجه أحمد (7921). صحَّحه لغيره الألباني في ((صحيح الترغيب)) (849)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (7921)، وصحح إسناده أحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (15/46). .
وعن سالمِ بنِ عبدِ اللهِ، عن أبيه، ((أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يُعطي عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه العَطاءَ، فيَقولُ له عُمَرُ: أعطِه -يا رَسولَ اللهِ- أفقَرَ إليه مِنِّي، فقال له رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: خُذْه فتَمَوَّلْه [2572] فتَمَوَّلْه، أي: اقبَلْه وأدخِلْه في مالِك ومِلكِك. يُنظر: ((المفاتيح)) للمظهري (2/ 518). أو تَصَدَّقْ به، وما جاءَك مِن هذا المالِ وأنتَ غَيرُ مُشرِفٍ ولا سائِلٍ فخُذْه، وما لا فلا تُتبِعْه نَفسَك)). قال سالمٌ: فمِن أجلِ ذلك كان ابنُ عُمَرَ لا يَسألُ أحَدًا شَيئًا، ولا يَرُدُّ شَيئًا أُعطِيَه) [2573] أخرجه مسلم (1045). وأخرجه البخاري (7164) باختلافٍ يسيرٍ من حديثِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه. .
وعن عَطاءِ بنِ يَسارٍ ((أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أرسَل إلى عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ بعَطائِه، فرَدَّه عُمَرُ، فقال له رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: لمَ رَدَدْتَه؟ فقال: يا رَسولَ اللهِ، أليسَ أخبَرتَنا أنَّ خَيرًا لأحَدِنا ألَّا يَأخُذَ من أحَدٍ شَيئًا؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنَّما ذلك عنِ المَسألةِ، فأمَّا ما كان مِن غَيرِ مَسألةٍ فإنَّما هو رِزقٌ يَرزُقُكَه اللهُ. فقال عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ: أمَا والذي نَفسي بيَدِه لا أسألُ أحَدًا شَيئًا، ولا يَأتيني شَيءٌ مِن غَيرِ مَسألةٍ إلَّا أخَذتُه)) [2574] أخرجه مالك (5/1453). صحَّحه لغيره الألباني في ((صحيح الترغيب)) (846)، وقال ابنُ عبدِ البرِّ في ((الاستذكار)) (7/618): رُوِي مسنَدًا من وجوهٍ صِحاحٍ. .
وعن عائِذِ بنِ عَمرٍو رضِيَ اللهُ عنه، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((مَن عَرَضَ له شَيءٌ مِن هذا الرِّزقِ مِن غَيرِ مَسألةٍ ولا إشرافٍ فليوسِّعْ به في رِزقِه، فإن كان عنه غَنيًّا فليوجِّهْه إلى مَن هو أحوجُ إليه مِنه)) [2575] أخرجه أحمد (20648) واللفظ له، والطبراني (18/19) (30)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (3276). صحَّحه الألباني في ((صحيح الترغيب)) (850)، وصحَّحه لغيره شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (20648)، وجَوَّد إسنادَه وقوَّاه المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (2/51)، وجَوَّده ابنُ كثير في ((جامع المسانيد والسنن)) (5663)، والشوكاني في ((الفتح الرباني)) (11/5465). .
وعن أبي الدَّرداءِ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((سُئِل رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن أموالِ السُّلطانِ؟ فقال: ما أتاك اللهُ مِنها مِن غَيرِ مَسألةٍ ولا إشرافٍ فكُلْه وتمَوَّلْه)). وقال الحَسَنُ: (لا بَأسَ بها ما لم يَرحَلْ إليها أو يُشرِفْ لها) [2576] أخرجه أحمد (27557) واللفظ له، وأحمد بن منيع كما في ((إتحاف الخيرة المهرة)) للبوصيري (3/50). صحَّحه لغيره شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (27557). وذهب إلى تصحيحه الألباني في ((صحيح الجامع)) (5503). .
قال ابنُ عبدِ البَرِّ: (... أمَّا هَديَّةُ غَيرِ الكُفَّارِ إلى مَن لم تَكُنْ له وِلايةٌ فمَأخوذةٌ مِن قَولِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «أجيبوا الدَّاعيَ ولا تَرُدُّوا الهَديَّةَ» [2577] أخرجه أحمد (3838)، وابن حبان (5603)، والطبراني (10/242) (10444) من حديثِ عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه. صحَّحه ابنُ حبان، والألباني في ((صحيح الجامع)) (158)، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (833). ، وقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «ما أتاك مِن غَيرِ مَسألةٍ فكُلْه وتمَوَّلْه» [2578] أخرجه أحمد (27557)، وأحمد بن منيع كما في ((إتحاف الخيرة المهرة)) للبوصيري (3/50) باختلافٍ يسيرٍ من حديثِ أبي الدَّرداءِ رَضِيَ اللهُ عنه، ولفظُه: ((ما آتاكَ اللهُ منها مِن غيرِ مَسألةٍ ولا إشرافٍ، فكُلْه وتَمَوَّلْه)). صحَّحه لغيره شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (27557). وذهب إلى تصحيحه الألباني في ((صحيح الجامع)) (5503). .
وهذا إذا لم تَكُنِ الهَديَّةُ على شَرطِ أداءِ حَقٍّ قد وجَبَ عليه -كالشَّهادةِ ونَحوِها- فإن كانت كذلك فهيَ سُحتٌ ورِشوةٌ. وشَرٌّ مِن ذلك الأخذُ على الباطِلِ) [2579] ((التمهيد)) (2/ 17). .

انظر أيضا: