تم اعتماد المنهجية من الجمعية الفقهية السعودية
برئاسة الشيخ الدكتور سعد بن تركي الخثلان
أستاذ الفقه بجامعة الإمام محمد بن سعود
عضو هيئة كبار العلماء (سابقاً)
الهديةُ بأوائِلِ الثِّمارِ والزَّرعِ قال ابنُ مُفلحٍ: (مِمَّا يُستَحَبُّ شَرعًا وعُرفًا الهَديَّةُ أوائِلَ الثِّمارِ والزَّرعِ ونَحوِ ذلك مِنها، لا سيَّما إلى الكَبيرِ الصَّالحِ ودُعائِه عِندَ ذلك بالبَرَكةِ، وأنَّه يَخصُصُ بذلك أو بَعضِه بَعضَ مَن يَحضُرُه مِنَ الصِّغارِ؛ لأنَّه يَقَعُ لذلك مَوقِعًا عَظيمًا بخِلافِ الكِبارِ) [2682] ((الآداب الشرعية)) (1/ 298). . عن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه، أنَّه قال: ((كان النَّاسُ إذا رَأوا أوَّلَ الثَّمَرِ جاؤوا به إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فإذا أخَذَه رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: اللهُمَّ بارِكْ لنا في ثَمَرِنا، وبارِكْ لنا في مَدينَتِنا، وبارِكْ لنا في صاعِنا، وبارِكْ لنا في مُدِّنا ... قال: ثُمَّ يَدعو أصغَرَ وليدٍ له فيُعطيه ذلك الثَّمَرَ)) [2683] أخرجه مسلم (1373). . وفي رِوايةٍ: ((أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يُؤتى بأوَّلِ الثَّمَرِ، فيَقولُ: اللهُمَّ بارِكْ لنا في مَدينَتِنا، وفي ثمارِنا، وفي مُدِّنا، وفي صاعِنا، بَرَكةً مَعَ بَرَكةٍ. ثُمَّ يُعطيه أصغَرَ مَن يَحضُرُه مِنَ الوِلدانِ)) [2684] أخرجها مسلم (1373). . قال ابنُ عبدِ البَرِّ: (فيه منَ الآدابِ وجَميلِ الأخلاقِ: إعطاءُ الصَّغيرِ مِنَ الوِلدانِ التُّحفةَ والطُّرفةَ وما يُسَرُّ به ويُعجِبُه ويَنفَعُه، وأنَّه أَولى بذلك مِنَ الكَبيرِ؛ لقِلَّةِ صَبرِه وشِدَّةِ فرَحِه باليَسيرِ مِنه. وكان رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُحِبُّ الأطفالَ ويُلاطِفُهم، ويُعجِبُه أن يُسِرَّهم، وفي رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أُسوةٌ حَسَنةٌ) [2685] ((الاستذكار)) (8/ 222). وقال المازَريُّ: (يحتملُ أن يَكونَ أعطى ذلك الصَّغيرَ لإدخالِ مَسَرَّةٍ عليه، وذلك في الأصغَرِ أوجَدُ مِنه في الأكبَرِ، وقد يَلوحُ في مَعناه أنَّه عليه السَّلامُ فعَله تَفاؤُلًا بنُموِّ الثَّمَرةِ وزيادَتِها، بأن يَدفعَها إلى مَن هو في سِنِّ النَّماءِ والزِّيادةِ. ويَكونُ هذا نَحوَ ما تَأوَّل أهلُ العِلمِ في قَلبِ الرِّداءِ في الاستِسقاءِ أنَّه تَفاءَل لأن يَنقَلِبَ الجَدبُ خِصبًا). ((المعلم)) (2/ 122). وقال أبو العَبَّاسِ القُرطُبيُّ: (تَخصيصُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بذلك الثَّمَرِ أصغَرَ وليدٍ يَراه؛ لأنَّه أقَلُّ صَبرًا مِمَّن هو أكبَرُ مِنه، وأكثَرُ جَزَعًا وأشَدَّ فرَحًا، وهذا مِن حُسنِ سياسَتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ومُعامَلتِه للكِبارِ والصِّغارِ، وقيل: إنَّ ذلك مِن بابِ التَّفاؤُلِ بنُموِّ الصَّغيرِ وزيادَتِه كنُموِّ الثَّمَرةِ وزيادَتِها). ((المفهم)) (3/ 489). . مِن أفضلِ الهدايا مِن أنواعِ الهَدايا المَليحةِ ما يَتَعَلَّقُ بالعِلمِ والنَّصيحةِ، (وما أحسَنَ قَولَ القائِلِ: أكرَمُ الهَدايا عِلمٌ نافِعٌ، ونَصيحةٌ مَوثوقٌ بها، ومِدحةٌ صادِقةٌ!) [2686] ((التذكرة الحمدونية)) (5/ 10). ، وفي الأثَرِ: (نِعْمَت العَطيَّةُ ونِعْمَت الهَديَّةُ الكَلِمةُ مِنَ الخَيرِ يَسمَعُها الرَّجُلُ فيُهديها إلى أخٍ له مُسلِمٍ) [2687] ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (4/ 42). . وعن عَبدِ الرَّحمنِ بنِ أبي ليلى: لَقِيَني كَعبُ بنُ عُجرةَ، فقال: ألا أُهدي لك هديَّةً سمِعْتُها مِن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟ فقلْتُ: بلى، فأهدِها لي، فقال: ((سَألْنا رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقُلنا: يا رَسولَ اللهِ، كَيف الصَّلاةُ عليكُم أهلَ البَيتِ؛ فإنَّ اللَّهَ قد عَلَّمَنا كَيف نُسَلِّمُ؟ قال: قولوا: اللَّهُمَّ صَلِّ على مُحَمَّدٍ وعلى آلِ مُحَمَّدٍ كَما صَلَّيتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ؛ إنَّك حَميدٌ مَجيدٌ، اللهُمَّ بارِكْ على مُحَمَّدٍ وعلى آلِ مُحَمَّدٍ كَما بارَكتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ؛ إنَّك حَميدٌ مَجيدٌ)) [2688] أخرجه البخاري (3370) واللَّفظُ له، ومسلم (406). . الهَديَّةُ على قَضاءِ حاجةٍ قال ابنُ مُفلحٍ: (قال أبو الحارِثِ: إنَّ أبا عَبدِ اللَّهِ سُئِل عنِ الرَّجُلِ يَسألُه الرَّجُلُ الحاجةَ فيَسعى مَعَه فيها، فيُكافِئُه على ذلك بلطفِه يُهدي له، تَرى له أن يَقبَلَها؟ قال: إن كان شَيءٌ مِنَ البِرِّ وطَلَبِ الثَّوابِ كَرِهتُ له ذلك، فهذا النَّصُّ إنَّما فيه الكَراهةُ لمَن طَلبَ البرَّ والثَّوابَ، وظاهِرُه يَجوزُ لغَيرِه، ونَظيرُه قَولُ أصحابِنا في المعَلِّمِ: إن أُعطي شَيئًا بلا شَرطٍ جازَ، وإنَّه ظاهرُ كَلامِ أحمَدَ، وكَرِهَه بَعضُ العُلماءِ... قال في المُغني: يَحتَمِلُ أنَّه قَصَدَ القُربةَ فكَرِهَه له أو غَيرَ ذلك، وقال صالِحٌ: وُلِد لي مَولودٌ فأهدى إليَّ صَديقٌ لي شَيئًا، فمَكَثتُ على ذلك أشهُرًا، وأرادَ الخُروجَ إلى البَصرةِ، فقال لي: كَلِّمْ لي أبا عَبدِ اللَّهِ يَكتُبُ لي إلى المَشايِخِ بالبَصرةِ، فكَلَّمتُه، فقال: لولا أنَّه أهدى إليك كَتَبتُ، فلسُت أكتُبُ له. أودَعَ رَجُلًا وديعةً فسَلَّمها إلى الذي أودَعَه، فأهدى إليه شَيئًا، يَقبَلُه أم لا؟ فقال أبي: إذا عَلِمَ أنَّه إنَّما أهدى إليه لأداءِ أمانَتِه فلا يَقبَلِ الهَديَّةَ، إلَّا أن يُكافِئَ بمِثلِها، وهذا موافِقٌ لرِوايةِ أبي الحارِثِ السَّابقةِ) [2689] ((الآداب الشرعية والمنح المرعية)) (1/ 298). . الهَديَّةُ لمَن يَشفعُ له أو لمَن أدَّى له وديعةً قال ابنُ رَجَبٍ: (الهَديَّةُ لمَن يَشفعُ له بشَفاعةٍ عِندَ السُّلطانِ ونَحوِه فلا يَجوزُ. ذَكَره القاضي، وأومَأ إليه؛ لأنَّها كالأُجرةِ، والشَّفاعةُ مِنَ المَصالحِ العامَّةِ، فلا يَجوزُ أخذُ الأُجرةِ عليها، وفيه حَديثٌ صَريحٌ في السُّنَنِ، ونَصُّ أحمَدَ في رِوايةِ صالحٍ فيمن عِندَه وديعةٌ فأدَّاها فأهدِيَت إليه هَديَّةٌ أنَّه لا يَقبَلُها إلَّا بنيَّةِ المُكافأةِ، وحُكمُ الهَديَّةِ عِندَ أداءِ سائِرِ الأماناتِ حُكمُ الوديعةِ) [2690] ((القواعد)) (ص: 321). . مَتى يَحِقُّ للخاطِبِ استِردادُ هَداياه مِنَ المَخطوبةِ؟ للخاطِبِ أن يَستَرِدَّ هَديَّتَه [2691] أمَّا ما يُسَمَّى بالشَّبكةِ فالمَرجِعُ فيه إلى العُرفِ؛ فإن كان المُتَعارَفُ عليه أنَّ تَقديمَها في الخِطبةِ يُعتَبَرُ هَديَّةً فتَأخُذُ حُكمَ الهَدايا، وإن كان المُتَعارَفُ عليه أنَّها تُعتَبَرُ جُزءًا مِنَ المَهرِ فتَأخُذُ حُكمَ المَهرِ إلَّا إذا حَصَل الاتِّفاقُ بَينَهما على خِلافِ المُتَعارَفِ عليه؛ فيَكونُ الحُكمُ على ما تَمَّ الاتِّفاقُ عليه. إن كان العُدولُ مِنَ المَخطوبةِ [2692] وذلك باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعة: الحَنَفيَّةِ، والمالكيَّةِ، والشَّافِعيَّةِ، والحَنابلةِ، على أنَّ الحَنَفيَّةَ قالوا: يَستَرِدُّ الخَطيبُ الهَديَّةَ إذا كانت مَوجودةً، وأمَّا إذا لم توجَدْ واستُهلِكَت فلا تُرَدُّ قيمَتُها. يُنظر: ((الدر المختار)) للحصكفي (3/153)، ((شرح الزرقاني على مختصر خليل وحاشية البناني)) (3/297)، ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (7/421)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (3/24). ؛ وذلك لأنَّه أعطى مِن أجلِ النِّكاحِ ولم يتِمَّ [2693] يُنظر: ((الفتاوى الكبرى)) لابن تيمية (5/472)، ((شرح الزرقاني على مختصر خليل وحاشية البناني)) (3/297). .