موسوعة الآداب الشرعية

ثانيًا: النِّيَّةُ والاحتِسابُ في النَّومِ


يَنبَغي أن يَستَحضِرَ المُسلِمُ نيَّةً حَسَنةً لنَومِه [25] وذلك كأن يَنويَ التَقَوِّيَ بإراحةِ بَدَنِه على عِبادةِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ بَعدُ، وكَذا يَستَحضِرُ ليلًا نيَّةَ القيامِ، والاستيقاظَ لصَلاةِ الفَجرِ. قال الغَزاليُّ: (أعِدَّ عِندَ النَّومِ سواكَك وطَهورَك، واعَزِمْ على قيامِ اللَّيلِ، أو على القيامِ قَبلَ الصُّبحِ، فرَكعَتانِ في جَوفِ اللَّيلِ كَنزٌ مِن كُنوزِ البِرِّ؛ فاستَكثِرْ مِن كُنوزِك ليَومِ فَقرِك، فلن تُغنيَ عنك كُنوزُ الدُّنيا إذا مُتَّ). ((بداية الهداية)) (ص: 43). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ والآثارِ:
أ- مِنَ السُّنَّةِ:
1- عن عُمَرَ رضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((الأعمالُ بالنِّيَّةِ، ولكُلِّ امرِئٍ ما نَوى...)) الحَديثَ [26] أخرجه البخاري (54) واللفظ له، ومسلم (1907). .
وما مِن شَيءٍ مِنَ المُباحاتِ إلَّا ويَحتَمِلُ نيَّةً أو نيَّاتٍ يَصيرُ بها مِن مَحاسِنِ القُرُباتِ، وينالُ بها مَعالي الدَّرَجاتِ، فما أعظَمَ خُسرانَ مَن يَغفُلُ عنها ويَتَعاطاها تَعاطيَ البَهائِمِ المُهمَلةِ عن سَهوٍ وغَفلةٍ [27] (إحياء عُلوم الدِّينِ)) للغَزاليِّ (4/ 371). ! ومَتى نَوى المُؤمِنُ بتَناوُلِ شَهَواتِه المُباحةِ التَّقَوِّيَ على الطَّاعةِ كانت شَهَواتُه له طاعةً يُثابُ عليها [28] ((جامع العلوم والحكم)) لابن رجب (2/ 192). .
2- عن سَعدِ بنِ أبي وقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال له: ((... ولستَ تُنفِقُ نَفَقةً تَبتَغي بها وجهَ اللهِ إلَّا أُجِرتَ بها، حتَّى اللُّقمةَ تَجعَلُها في في [29] أي: في فَمِ. يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (1/ 169). امرَأتِكَ)) [30] أخرجه البخاري (4409)، ومسلم (1628). .
قال النَّوويُّ: (فيه أنَّ الأعمالَ بالنِّيَّاتِ وأنَّه إنَّما يُثابُ على عَمَلِه بنيَّتِه... وفيه أنَّ المُباحَ إذا قَصَدَ به وَجهَ اللهِ تعالى صارَ طاعةً ويُثابُ عليه، وقد نبَّهَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على هذا بقَولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «حتَّى اللُّقمةَ تَجعَلُها في في امرَأتِك»؛ لأنَّ زَوجةَ الإنسانِ هيَ مِن أخَصِّ حُظوظِه الدُّنيَويَّةِ وشَهَواتِه ومَلاذِّه المُباحةِ، وإذا وضَعَ اللُّقمةَ في فيها فإنَّما يَكونُ ذلك في العادةِ عِندَ المُلاعَبةِ والمُلاطَفةِ والتَّلذُّذِ بالمُباحِ، فهذه الحالةُ أبعَدُ الأشياءِ عنِ الطَّاعةِ وأُمورِ الآخِرةِ، ومَعَ هذا فأخبَرَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه إذا قَصَدَ بهذه اللُّقمةِ وَجهَ اللهِ تعالى حَصَل له الأجرُ بذلك، فغَيرُ هذه الحالةِ أَولى بحُصولِ الأجرِ إذا أرادَ وجهَ اللهِ تعالى، ويَتَضَمَّنُ ذلك أنَّ الإنسانَ إذا فعَل شَيئًا أصلُه على الإباحةِ وقَصَدَ به وَجهَ اللهِ تعالى، يُثابُ عليه، وذلك كالأكلِ بنيَّةِ التَّقَوِّي على طاعةِ اللهِ تعالى، والنَّومِ للاستِراحةِ ليَقومَ إلى العِبادةِ نَشيطًا، والاستِمتاعِ بزَوجَتِه وجاريَتِه ليَكُفَّ نَفسَه وبَصَرَه ونَحوَهما عنِ الحَرامِ، وليَقضيَ حَقَّها، وليُحَصِّلَ وَلَدًا صالحًا) [31] ((شرح مسلم)) (11/ 77، 78). .
ب- مِنَ الآثارِ:
1- سُئِل مُعاذُ بنُ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عنه: كيف تَقرَأُ القُرآنَ؟ قال: (أنامُ أوَّلَ اللَّيلِ، فأقومُ وقد قَضَيتُ جُزئي مِنَ النَّومِ، فأقرَأُ ما كَتَبَ اللَّهُ لي، فأحتَسِبُ نومَتي كما أحتَسِبُ قَومَتي) [32] أخرجه البخاري (4341، 4342) من حديثِ أبي بُردةَ بنِ أبي موسى الأشعَريِّ. .
(يَعني: أنَّه يَنوي بنَومِه التَّقَوِّيَ على القيامِ في آخِرِ اللَّيلِ، فيَحتَسِبُ ثَوابَ نَومِه كَما يَحتَسِبُ ثَوابَ قيامِه) [33] ((جامع العلوم والحكم)) لابن رجب (2/ 193). .
2- عن أبي الدَّرداءِ، أو أبي ذَرٍّ قال: (ما مِن رَجُلٍ يُريدُ أن يَقومَ ساعةً مِنَ اللَّيلِ، فيَغلبَه عَيناه عنها، إلَّا كَتَبَ اللَّهُ له أجرَها، وكان نَومُه صَدَقةً تَصَدَّق بها اللَّهُ عليه) [34] أخرجه عبد الرزاق (4224). قال الدارقطني في ((العلل)) (1074): المَحفوظُ المَوقوفُ. .

انظر أيضا: